أزواج يشرّعون لأنفسهم النبش في ماضي زوجاتهم دون اعتبار للعواقب

الشك بين الزوجين يجلب خلافات تنتهي بالطلاق، والتجارب العاطفية مقبولة للرجل ومرفوضة للمرأة.
الخميس 2019/02/14
البحث عن اليقين

يستسلم بعض الأزواج للشكوك ويسايرونها من خلال الإنصات للإشاعات التي تمسّ من ثقتهم في الشريك أو البحث عن أي خيط يثبت صحتها عبر النبش في ماضيه. ويعتبر بعض الأزواج أن البحث في ماضي الزوجة وحاضرها هو أحد حقوقهم، وأن كل تفاصيل حياتها تعنيهم فيما لا يسمحون أحيانا لزوجاتهم بطرح تساؤلات حتى حول سلوكيات مثيرة للشكوك يقومون بها. ويجلب النبش في ماضي الزوجة متاعب كثيرة تبدأ بفقدان الثقة وقد تصل إلى حد الطلاق وتدمير الأسرة.

القاهرة – تنشب الكثير من الخلافات في البيت إذا قرر الزوج النبش في ماضي زوجته، لمعرفة علاقاتها العاطفية السابقة أو الأشخاص الذين تعرّفت عليهم قبل الزواج، وفي غالب الحالات لا تفيد معرفة تفاصيل الماضي العاطفي للشريك في شيء إذا توفرت الرغبة في الحفاظ على العلاقة وعلى نقائها من الشكوك.

ويبدأ النبش في ماضي الشريك بسبب اهتزاز الثقة فيه، حيث يدخل الشك في سلوكيات التي يأتيها ومنها العفوي والبريء والمثير فعلا. وتتيح بيئة الشك الفرصة لبدء الخلافات، حيث يصبح التوتر والغضب السريع والحساسية المفرطة أساليب طاغية على التعامل بين الزوجين.

وكشفت دراسة اجتماعية حديثة، أن المرأة لا تهتم كثيرا بالبحث عن الماضي الغرامي للرجل، على عكس الرجل الذي يرجع بخيالاته الخصبة، ويعطي أهمية كبيرة لماضي زوجته.

وأوضحت إحصائيات أن 65 بالمئة من الرجال يهتمون كثيرا بالماضي الغرامي للمرأة خاصة إذا كانت مطلقة وتزوجت بعد ذلك. ووجد الباحثون أن أكثر ما يهتم به الرجل هو الماضي الحميمي لزوجته.

ويتمثل هذا الاهتمام في توجيه أسئلة ليست في محلها، والتي تعتبر في الكثير من الأحيان أسئلة مزعجة ومحرجة للمرأة، من شأنها أن تدمر العلاقة الزوجية ككل، حيث لا يشعر الزوج بالأمان مع زوجته إذا علم بماضيها وسيترتب عن ذلك سوء معاملته لها، كما أنه سيقيّد حريتها، بالإضافة إلى حالة التوتر الدائم التي من شأنها أن تحول الحياة الزوجية إلى جحيم.

الرجل الشرقي يرى أن من حقه الاطلاع على خصوصيات المرأة وماضيها، ويبدو ذلك في نظره بمثابة حق مشروع 

ويهتم الرجل قبل الزواج عموما بمعرفة طبيعة وأخلاق وعلاقات المرأة التي ينوي الارتباط بها جيدا، كما يحاول معرفة عاداتها وخصالها وعيوبها. واستنادا إلى ما توصل له من معلومات وأفكار يكوّن عنها صورة معينة تمكنه من الحكم عليها مبدئيا.

وغالبا ما يكون قرار الزواج مسبوقا بالاقتناع والرضا ولو نسبيا خاصة من جانب الرجل كونه من يقوم بخطبة الزوجة ويقرر الزواج وفقا لنموذج الارتباط في مجتمعاتنا العربية.

ويتنافى اتخاذ قرار الزواج عن قناعة بالزوجة مع القول بأن البحث في ماضيها من حق الزوج. ولكن الكثير من الأزواج يطرحون تساؤلات حول علاقات الشريكة السابقة وماضيها الحميمي بعد الزواج، وربما لأسباب ودوافع قد تكون وجيهة أو قد تكون من باب الأوهام.

وحين يدخل الزوج في دوامة من الشك فإنها تدفعه إما لطرح تساؤلات مباشرة على زوجته وإما يذهب للبحث من ورائها في ماضيها وبوسائل مختلفة، وقد يصل إلى إجابات تقنعه وترضي فضوله وقد يفشل في ذلك. لكن في كلتا الحالتين ومهما كانت أساليب البحث والتساؤل، فإن الزوجة لن تقبل بذلك وقد تعتبر تصرفاته دليلا على عدم ثقته فيها وطعنا في صدقها.

ويؤكد خبراء في العلاقات الزوجية أن دخول الشكوك في العلاقة  الزوجية يفتح الباب على مصراعيه أمام خلافات كبيرة قد تتدخل فيها عائلات الزوجين وتصل إلى الانفصال والطلاق في العديد من الحالات. وهذا ما يجعلهم يحذرون الأزواج من الإنصات للشائعات والسماح للشك بكسب مساحة في حياتهم وعقولهم، وهو ما ينذر بتدمير العلاقة والأسرة.

وتقول أستاذة علم الاجتماع عزة كريم، الرجل الشرقي يرى أن من حقه الاطلاع على خصوصيات المرأة وماضيها، يبدو ذلك في نظره بمثابة الحق المشروع لكي ينظر لحياتها صفحة ناصعة البياض خالية، في تصوره الذي يريحه، من أي تجارب عاطفية وحميمية سابقة، مؤكدة أن أغلب الرجال يعيشون في خداع مع أنفسهم، لأن المرأة لا تفصح عن كل ماضيها وتخبر زوجها أنه الرجل الأول والأخير في حياتها لكي تخرج من بؤرة الشكوك.

وتضيف خبيرة علم الاجتماع أنه “لا يوجد شخص في أي مجتمع بلا ماض أو أخطاء، فجميعنا لدينا ماض ممتلئ بالحكايات، وإذا قمنا بمحاسبة كل إنسان على ماضيه فسنفتح أبواب جهنّم التي لا يمكن غلقها على كل الأسر أو غالبيتها، لأنه في حالة دخول الشك من الباب خرج الحب من الشباك كما يقال”.

النبش في ماضي يحول الحياة الزوجية إلى جحيم
النبش في ماضي يحول الحياة الزوجية إلى جحيم

وترى كريم أنه من الأفضل “طي صفحات الماضي لكي لا نجلب لأنفسنا التعاسة، وندخل في مشاكل وخلافات أسرية نحن في غنى عنها، لتبدأ الحياة الزوجية منذ يوم عقد القران، لأن كلا منهما يكون شريكا في الحياة، وتكون الزوجة منذ تلك اللحظة في عصمة زوجها وأمينة على شرفه وعرضه، أما قبل ذلك فينبغي البعد عنه وعدم التفكير فيه، لأنه لن يأتي بخير، والجدل حول الماضي سيزيد المشكلات الزوجية التي قد تؤدي إلى طريق مسدود يصل إلى الانفصال”.

ويفسر أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، سيد صبحي، اهتمام الرجل بمعرفة ماضي الزوجة، بأن الطبيعة النفسية للزوجين الشرقيين تغلب عليها الغيرة، التي قد تكون محمودة إذا كانت معتدلة، أما إذا دخلت في دوامة البحث عن الماضي وعن العلاقات السابقة، فإن هذه الغيرة ستتحول إلى غيرة مذمومة وشبح من شأنه أن يُدمر الأسرة بأكملها، ويقضي على الاستقرار العائلي، إذا لم يصل إلى حد الطلاق والفضائح للأسرة والأولاد، لأننا نعيش في مجتمع لا يرحم ويميل إلى الفضائح والشائعات.

ويعبّر صبحي عن استغرابه من غفران المجتمعات الشرقية لأخطاء الرجل قبل الزواج في حين أنها تحاسب المرأة عليها، ويرى في ذلك ازدواجية وتمييزا مرفوضين منطقيا وشرعيا، لافتا إلى أنه عندما يلح الزوج على معرفة ماضي زوجته ويستمر في سوء معاملته لها سوف تفقد الزوجة رغبتها في الاستمرار معه، لأن شكه يقتل أمانيها بأن تكون سعيدة مع هذا الرجل الذي كل همه هو البحث عما كانت عليه في الماضي.

ويؤكد المختص النفسي على ضرورة وجود ثقة متبادلة بين الأزواج لأنها أساس الحياة الزوجية، كما أن تجارب المرأة السابقة لا تعني بالضرورة أنها سيئة السلوك والسمعة، فكل شخص معرض للمرور بتجارب عاطفية قبل الزواج، وعلى الزوج أن ينظر إلى المستقبل، وأن يظل ماضي الزوجة خلف الذاكرة حتى لا يسبب الخلافات والمشاكل في الحياة الزوجية.

21