تونس تبحث في مكانة الأغنية الملتزمة في العصر الراهن

الندوة الفكرية للمهرجان طرحت السؤال الحارق، هل آن الأوان لكي لا يغني المغنون فقرة ملحنة من كتب ماركس ولينين؟
الخميس 2019/02/07
أغنية بديلة تنتصر لثقافة الحرية

تونس – تستمر فعاليات النسخة الأولى من المهرجان العربي للموسيقى الملتزمة بالعاصمة تونس، ما بين 4 و8 فبراير الحالي تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية التونسية، وبإقبال شبابي ملحوظ في فترة يشكك فيها الكثيرون في جدوى الاحتفاء بهذا النمط الغنائي الآن، وإعادة التحدث في قيمه الفنية والجماهيرية في عصر ما بعد الأيديولوجيات، وجنوح الذائقة العامة نحو نمط موسيقي مُعولم، بل ولماذا تقام مثل هذه المهرجانات في بلد مثل تونس.. بلد عاش خيبات ما قبل “الربيع العربي” وما بعده؟ فقد الثقة في “الحالمين” و”القانطين” على حد سواء.. فلم العودة إلى نكش الجراح، تجريب المُجرّب، والرهان مجددا على أحلام أجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات؟

المهرجان انطلق في دورته التأسيسية بمبادرة من دار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة تونس، وتوزعت فعالياته من عروض وندوات بين دار الثقافة ابن خلدون والنادي الثقافي الطاهر الحداد، ولهذه الفضاءات آنفة الذكر، معاني واسعة الدلالة في تاريخ تونس، ذلك أن المكان الأول يُطلق عليه في الحقبة الاستعمارية اسم “دار الثقافات الفرنسية”، والثاني “دار الثقافات الخاصة بالجالية الإيطالية”، أما الثالث فقد حمل اسم المصلح الاجتماعي ورائد النضال لأجل تحرير المرأة في ثلاثينات القرن الماضي.

 التطرق إلى الأزمات التي عصفت بتجارب غنائية ملتزمة
 التطرق إلى الأزمات التي عصفت بتجارب غنائية ملتزمة

والعروض التي احتضنها المهرجان كانت كثيفة الحضور، وتستمر في جماهيريتها في طلوع لافت، خصوصا مع فرق وأسماء احتضنها اليسار التونسي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ثم ربى أبناءه عليها في نوع من التوريث الذوقي الذي يُنتقد عليه، لكنّ يساريي تونس استطاعوا افتكاك منصات الأغنية الملتزمة من الإسلاميين بامتياز، وذلك لأسباب عديدة، أهمها ـوببساطةـ أن الفن والشعر والموسيقى، أمور ليست من مشمولات الأيديولوجيا الإسلامية إلاّ في ما يخدم التعبئة الحزبية، وهذا أمر بقي مستعصيا على قدراتهم، خصوصا في بلد منفتح على الثقافات الغربية مثل تونس.

وتميزت الندوة التي احتضنها الفضاء الثقافي ابن رشيق بحضور نخبة من المهتمين وكذلك المنخرطين في هذا النمط الموسيقي والغنائي الذي يُعاد السؤال في كل مرة عن مفهومه.

 هل الأمر يتعلق بأغنية سياسية تطرح نفسها كمطلب جماهيري بديل عما تكرسه ذائقة السائد المستبد بالمنحيين الطبقي والسياسي؟ أم في الموضوع التباس في التعريف، وجنوح نحو نوع من الاستسهال والشعبوية، واستدرار عاطفة العامة والمحرومين في فقر فني صرف، قبل أن يكون فقرا طبقيا أملته الحاجة، وأرغمته على اتباع سبل إنتاجية وتسويقية ليست كتلك التي تنتهجها أعمال فنية مترفة، تُتهم بالتعالي عن ذائقة الجماهير؟

أسئلة كثيرة حاولت أن تجيب عنها الندوة التي حملت عنوان “الأغنية الملتزمة والتحولات الاجتماعية”، الثلاثاء، وشارك فيها كل من الباحثين والمتخصصين التونسيين، عبدالستار السحباني وعادل بوعلاق والمنجي الوسلاتي.

وتميزت الندوة التي حضرتها “العرب” بالنقاش ومحاولة إثراء الأسئلة، بحضور نوعي من نقاد وشعراء ومهتمين ومخضرمين من أجيال متباينة، حيث ركزت المداخلات على أهمية حضور القيمة الفنية في الكلمة واللحن والأداء حتى لا يتهم هذا النمط الغنائي بالضحالة و”التسوّل العاطفي” بديلا عن الإتقان والتمكن من الأدوات كوسيلة لا يُعلى عليها تحت ذريعة الالتزام بقضايا الجماهير.

طاف في الجو نوع من الحنين لأسماء وفرق استلهمت التراث الشعبي التونسي، وعانت التهميش والتجاهل من قبل الإعلام الرسمي في عهدي بورقيبة وبن علي بسبب عدم التزامها بما كان يراد لها أن تكون عليه ضمن البروباغندا السياسية.

ووقع التطرق إلى الأزمات التي عصفت بتجارب غنائية ملتزمة، وكانت الحالة المادية سببا لتحللها في أغلب الأحيان، وتساءل بعض الحضور عن سبب عدم إشعاع بعض الرموز الغنائية الملتزمة خارج تونس رغم ريادتها، ورغم ضلوع الجمهور التونسي عربيا في مناصرة هذا النمط الغنائي وارتباطه بالحركتين الطلابية والنقابية؟

أن تعاد الروح إلى الأغنية الملتزمة في تونس عبر مهرجان متواضع الميزانية، لكنه غزير الحضور، وأن يكون جمهوره من الشباب الذي كنا نظنه قد أدار ظهره للسياسة داخل أزمات وتجاذبات قبيل الانتخابات التي لم يفز بها اليسار يوما.. هذا أمر يستحق التوقف عنده.

للمزيد اقرأ:

الالتزام المؤنث يفتتح المهرجان العربي للموسيقى الملتزمة بتونس

16