أسر مصرية تتحفظ على مواجهة بناتها للتحرش برياضة الباركور

إقبال متزايدامن الفتيات على بعض الرياضات لحماية أنفسهن، فالتدريب يستغرق وقتا قصيرا، لكنه يمنحهن فرصة للهروب من أماكن الخطر لحظة التحرش ويمكّنهن من الدفاع عن أنفسهن.
الثلاثاء 2019/02/05
وسائل دفاعية مختلفة

ظهرت في السنوات الماضية مبادرات كثيرة أخذت منحى مختلفا عن المألوف لمناهضة ظاهرة التحرش، فاعتمدت النساء على لغة الجسد لمواجهة المتحرش واتجهت الكثيرات لتعلم رياضة مثل التايكوندو وسلاحف النينجا، والكاراتيه، وأخيرا “الباركور” لحماية أنفسهن.

القاهرة- ردت بعض الأسر المصرية على مبادرة أطلقتها وزارة الشباب والرياضة بالشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) بمراكز الشباب التابعة للوزارة في عدد من المحافظات، بداية فبراير الجاري، تقوم على تعليم الفتيات رياضة “الباركور” تحت شعار “مجتمعي أرقى دون تحرش” لمواجهة ظاهرة التحرش، بسؤال هل تريدين تعلم القفز كالقردة واللصوص؟

ولا تعرف غالبية الأسر البسيطة في مصر معنى الكلمة الفرنسية “باركور” على أنها رياضة الانتقال بمرونة في الفضاء العام من نقطة إلى نقطة وتجاوز العقبات. وأثارت المبادرة التي سيتم تطبيقها في منطقة الأميرية شمال القاهرة يوم 6 فبراير علامات استفهام وسخرية، فالمعلومات المتداولة تشير إلى رفض أسري عام لممارسة اللعبة للذكور بسبب خطورتها فكيف تمارسها الإناث؟ وهل القفز بين الطرقات حل ناجع لمناهضة التحرش؟

وتقول فتيات لـ”العرب” إن هذه المبادرة مختلفة لأن الباركور ذو طابع حركي، ويقوم على تطويع لغة الجسد دون عنف، عن طريق سلسلة من الحركات مثل “قفزة القرد” أو “وثبة القط”، بذلك تستخدم الفتاة أطراف جسمها للهروب من مضايقات الرجال ولفت انتباه الآخرين بأن هناك سلوكا غير مقبول.

ويتهمن الكثير من المبادرات بضيق الأفق وأنها باتت رسائل مكررة وجوفاء تركز على الجانب النظري، كالمحاضرات والندوات والتعريفات والجوانب القانونية دون غيرها، ويستنكرن إمكانية نجاح مقطع فيديو وكلام مرسل في تغيير صور وأفكار نمطية ترسخت على مدار العشرات من السنين في الأذهان.

وأوضحن أن الضجر والملل يستحوذان على الحاضرات لندوات التحرش، لذلك كان التقدم في هذا الملف على مدار السنوات الماضية طفيفا وغير ملحوظ، بينما المتحرش يطور من أساليبه، وهو ما يفسر توظيف وزارة الشباب لمقراتها في أكثر المناطق شعبية، لتنفيذ نشاط مختلف للحد من التحرش.

وتشير رئيس الإدارة المركزية بوزارة الشباب، دينا فؤاد، إلى أنها المرة الأولى التي تتبنى فيها الحكومة سياسة داخلية لمناهضة التحرش وخلق بيئة آمنة للفتيات في مصر من خلال الرياضة. ويعتبر القانون التحرش الجنسي جريمة تصل عقوبتها إلى السجن. وأكدت مي سلطان، فتاة عشرينية، أن أسرتها اعترضت بشدة على قرار تعلم رياضة الباركور، فبعض المعلومات تقول إنها تسهل للصوص مهامهم في الهروب.

وترجع أستاذة علم الاجتماع، سامية خضر، رفض الأسر لممارسة بناتهن هذه الرياضة إلى أنها مصنفة في خانة الذكور، فضلا عن أن قفز الفتيات من مكان عال إلى الأرض فكرة مستهجنة في المناطق الشعبية، بسبب أفكار بدائية بأن القفز بصورة خاطئة يجعل الفتاة تفقد عذريتها، فدائما تحاصرها العشرات من المحاذير والخطوط الحمراء للحفاظ على غشاء البكارة.

وأوضحت سلطان لـ”العرب”، “أقطن بمنطقة شعبية، وأسرنا غير قادرة على تقبّل ممارسة الإناث للرياضة، خاصة في الأماكن العامة”. حضرت مي فعاليات كثيرة لمحاربة التحرش، منها “امسك متحرش” و”تكلمي” و”مليكش فيها” و”متخافيش” وقامت بتفعيل تطبيق “صديق الشارع″ على الهاتف المحمول لاستدعاء النجدة، لكن ذلك لم يحقق نتيجة مع الخارجين عن القانون.

وقررت الفتاة الحضور إلى المركز وسجلت اسمها في التدريب المجاني الذي سيبدأ نهاية الأسبوع، وزادها إصرارا مقتل شاب بسبب تخليص فتاة من يد متحرش، مشيرة إلى أنها رياضة لا تحدها أعمار، ولا يلزمها زي معين وأدواتها بسيطة.

لم تحفز المجانية العم عمران وغيره من سكان منطقة شعبية على الموافقة على تعليم بناتهم هذه الرياضة، وقال باستهزاء “إذا كانت ستساعدهن على الزواج، فهن يتعلمن اللصوصية”، مؤكدا لـ”العرب” أن اللص فقط من يسير بقدميه على الحائط هربا من المطاردين أو يقفز من أسطح العقارات.

مخاطر اللعبة توازيها أفكار مغلوطة لدى الأسر، تجعل المجتمع لا يتقبل رؤية الفتيات يقفزن في الشوارع

وتشير هند محمد، جامعية تمارس اللعبة منذ سنوات، إلى أن رياضة الباركور حل مثالي لمناهضة التحرش، لأنها ذات طابع حركي وتعتمد على سرعة رد الفعل مع المشاكل المختلفة. وتشفق الطالبة على من تقدمن للتدريبات، فمخاطر اللعبة توازيها أفكار مغلوطة لدى الأسر، فيكن هدفا للسخرية، فالمجتمع لن يتقبل رؤية الفتيات يقفزن في الشوارع، وهناك من ينعتهن باللصات والقطط.

وأشارت الفتاة إلى أن اللعبة تختلف عن الرياضات العنيفة في ردة الفعل على الهجوم، فهي لا تحتك بالمهاجم لكن إذا حاول رجل لمسها أو سرقتها، تركض وتقوم بتلك القفزات البهلوانية ووقتها لا يمكنه فعل شيء، مشددة على أن مواجهة المتحرش بالعنف سيقابله عنف أشد منه لن تستطيع الفتاة مواجهته.

وترى مولي آكرست من حركة هولاباك (حركة دولية لمواجهة التحرش في الشوارع) أنه لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للرد على التحرش، وتنصح بشكل عام بعدم الدخول في مواجهة مع المتحرشين لأنه قد يؤدي إلى تصعيد الموقف.

وتشير أماني محمد، منتدبة في وحدة مكافحة التحرش بالجامعات المصرية، إلى أن هناك إقبالا متزايدا من الفتيات على بعض الرياضات لحماية أنفسهن، فالتدريب يستغرق وقتا قصيرا، لكنه يمنحهن فرصة للهروب من أماكن الخطر لحظة التحرش ويمكّنهن من الدفاع عن أنفسهن، ولا يضطررن إلى طلب الحماية من أحد المارة لتأمين طريقهن.

وتطرقت محمد إلى الحديث عمّا وصفته بالأفكار المغلوطة لدى الأسر المصرية بشأن رياضات الدفاع عن النفس، وأبرزها أنها تشجع الفتيات على ممارسة العنف، بينما الهدف تعليمهن حماية أنفسهن منه.

وبين المؤيدين والمتحفظين على ممارسة الفتيات لهذه الرياضة، يتفق كثيرون على أنها وسيلة لمحاربة التحرش، ككلّ مبادرة لا تزال في مرحلتها الجنينية تبدو عشوائية بالنسبة للآخرين، وبحاجة إلى المزيد من الوقت حتى يتقبلها الناس.

21