الكنيسة المصرية تتمدد عبر العالم.. دوافع دينية لا تخفي الملامح السياسية

التوسع الكنسي يعبر عن إدراك الكنيسة والحكومة المصرية أنها ورقة رابحة تستطيع توظيفها دينيا أو سياسيا ويمكنها التأثير على الجهات التي تلعب دورا في صناعة القرار.
الخميس 2021/04/01
توسيع حضور الكنيسة المصرية وممثليها

تدفع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية نحو تمددها في العالم لتكريس التواجد القبطي من خلال ما أسماه قادة من الكنيسة بـ”خطة الانتشار وخدمة الأقباط في المهجر كنسيا حتى عام 2040” من أجل بلوغ العديد من الأهداف أهمها تلك التي تلبي دعوة الإنجيل إلى نشر البشارة في المناطق المأهولة بالسكان وكذلك استغلال البابا تواضروس لهذه الخطوة من أجل خدمة النظام.

القاهرة- عززت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية جهودها للتمدد وترسيخ التواجد القبطي حول العالم عبر إنشاء مقار لها في دول مختلفة؛ حيث قام البابا تواضروس بطريرك الأقباط الأرثوذكس قبل أيام بتقسيم فرنسا إلى إيبارشيتين، بحيث تكون باريس إيبارشية منفصلة بينما تدخل مدن جنوب فرنسا ضمن إيبارشية أخرى. كذلك فعل في أميركا؛ فهناك إيبارشية (أسقفية) شرق أميركا وكندا، وإيبارشية جيرسي سيتي ونيوجيرسي.

وأطلقت قيادات كنسية على هذا التمدد تسمية “خطة الانتشار وخدمة الأقباط في المهجر كنسيا حتى عام 2040″، بما يتناسب مع نمو الكنيسة المصرية في مجتمعات جديدة.

وأعلن البابا تواضروس عن تلك الخطة عام 2018، ورغم محدودية التفاصيل والمعلومات المتوافرة فإن أخبارا تداولتها وسائل إعلام مصرية أخيرا كشفت عن بعض ملامحها؛ منها إنشاء عدد من الإيبارشيات الجديدة، حيث يتم التخطيط لتقسيم الولايات المتحدة إلى عشر إيبارشيات قبطية، وكندا إلى ثلاث، وتأسيس إيبارشية جديدة في شمال فرنسا، وإقامة كنائس قبطية في الدول التي لا توجد فيها كنائس.

وتتضمن خطة الكنيسة إرسال رجال الدين المسيحي إلى كنائس الخارج لربط الأجيال القبطية بالكنيسة الأم في مصر، وتنظيم زيارات لمجموعات صغيرة من الشباب القبطي بالخارج إلى الكنائس والأديرة المصرية، وإعداد خدام شباب بأسلوب يتناسب مع أفكارهم العصرية، فضلًا عن الاهتمام بالمدارس القبطية وإنشاء معاهد لاهوتية، مثل الكليات الإكليريكية، وتشجيع الأسر المسيحية على إلحاق أبنائها بها.

نشر البشارة

الكثير من الأجيال الجديدة تذهب إلى الكنيسة مجاملة للآباء، ويتيح تمرد الشباب على نمط الفكر الروحاني الفرصة لانتشار أدبيات الفكر الإلحادي

يصعب الجزم بدوافع المشروع الكنسي للتوسع؛ فالكنيسة المصرية تصنف على أنها من الكنائس الوطنية المحصورة في منطقة جغرافية معينة، لكن بفعل حركات الهجرة النشطة لأتباعها حمل تمددها أهمية للطرفين.

وإلى جانب الأسباب اللاهوتية تلبي خطة التمدد دعوة الإنجيل إلى نشر البشارة في المناطق المأهولة بالسكان، حيث تبنت الكنائس الجديدة الأنشطة التبشيرية والتنموية التي تقوم بها الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية، وهناك أسباب أخرى لوضع خطة طويلة للتمدد عالميا والإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها.

ولا يستطيع المتابع للشأن القبطي فصل توجهات الكنيسة المصرية عن السياق العالمي؛ فالملامح التقليدية للتدين بدأت تتفسّخ في بعض الدول مع تناقص مستمر لأعداد رعايا الكنائس الغربية خاصة الكاثوليك، وهي الطائفة الأكبر عددا في العالم، بعد تورط عدد من أعضائها في قضايا فساد واغتصاب وتجارة غير مشروعة، ما تسبب في هجر الأقباط الكاثوليك للكنائس وبعضهم انسلخ عن الملة، علاوة على ظهور توجهات لادينية في صفوف الشباب كظاهرة عامة في دول مختلفة.

وقال ستيفن بولفانت، أستاذ علم اللاهوت وعلوم الدين في جامعة سانت ماري في لندن، “الدين يحتضر، فباستثناء البعض لا يعتنق معظم الشباب الآن دينا بعينه.. لم يعد الدين المسيحي السمة المميزة لأوروبا، لقد ذهب الدين إلى الأبد، وأعتقد أنه لن يعود على الأقل خلال المئة سنة المقبلة”.

وبنى بولفانت استنتاجاته التي جاءت ضمن دراسة حول “الشباب والدين في أوروبا” على استطلاع رأي اجتماعي أوروبي جرى خلال الفترة من 2014 إلى 2016.

وتعتبر تلك الظروف مثالية للكنيسة المصرية إن أرادت الانتشار، ومن السّهل جذب أتباع جدد للطائفة الأرثوذكسية وتوافر فرصة جيدة لاحتواء أتباعها تحت مظلتها عن طريق شراء الكنائس المهجورة من أبناء الطوائف الأخرى، لأن هناك من يشتكي من أن كلفة تشغيل الكنيسة والدير تمثل عبئا ثقيلا.

وقد هجرها الكثير من الأتباع وتناقص عدد المصلين الى نسبة متدنية، ما يدفع المسؤولين إلى التفكير في تأجير الكنيسة أو بيعها بأرقام زهيدة، تستطيع الكنيسة المصرية سدادها من خلال تبرعات أقباط المهجر، أو عبر قروض وأقساط يسددها هؤلاء أيضًا.

ثمة محفزات أخرى لامتلاك المزيد من الكنائس، وهي عدم وجود صعوبات أو تعقيدات في تغيير طائفة الكنيسة أو الدير، وعلى الكنيسة المصرية فقط إحلال الطقس القبطي محل طقوس الكنائس الأخرى عن طريق وضع أيقونات قبطية وتغيير شكل مذبح الكنيسة، وتعيين قساوسة أقباط للخدمة فيها تحت رعاية الأساقفة في المهجر.

توظيف للسلطة الروحية

البابا تواضروس أعلن  عن خطة التمدد في 2018، ورغم محدودية المعلومات المتوافرة فإن أخبارا تداولتها وسائل إعلام مصرية أخيرا كشفت عن بعض ملامحها، منها إنشاء عدد من الإيبارشيات الجديدة  في عدة دول
البابا تواضروس أعلن  عن خطة التمدد في 2018، ورغم محدودية المعلومات المتوافرة فإن أخبارا تداولتها وسائل إعلام مصرية أخيرا كشفت عن بعض ملامحها، منها إنشاء عدد من الإيبارشيات الجديدة  في عدة دول

لم يكن الاهتمام بأقباط المهجر وليد الفترة الراهنة؛ ففي منتصف القرن العشرين وخلال فترة تولي البابا كيرلس السادس عيّن الأنبا صموئيل سنة 1954 مندوبًا باسمه للأقباط في أوروبا، وفي عام 1964 تأسست أول كنيسة قبطية في كندا، وتوالت التوسعات حتى أصبح هناك حوالي 600 كنيسة مصرية في 65 دولة و120 ديرا وتم شراء أو تأجير أكثر من 80 في المئة منها.

وأكد الكاتب القبطي كمال زاخر أن مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي شهدت هجرات عشوائية جمعت بين الأسباب الاقتصادية والتصاعد في وتيرة استهداف الأقباط، ما تطلب وجود كنائس لتغطية احتياجات المناطق التي هاجر إليها المصريون.

ويتراوح الوجود الكنسي القبطي في بلاد المهجر والمنطقة العربية بين الإيبارشيات، كما هو الحال في الأميركتين وأستراليا وأوروبا، وبين كنائس منفردة، كما هو الحال في منطقة الخليج ولبنان والأردن، وبعض الكنائس المتفرقة في دول آسيا.

ويعبر التوسع الكنسي عن إدراك الكنيسة أن هذه ورقة رابحة في يديها تستطيع توظيفها دينيا أو سياسيا، فرؤية البابا الراحل شنودة الثالث جعلته يعطي وقتا ومجهودا للتوسع الأرثوذكسي عالميا، مؤكدا أهمية المهجر كفضاء وامتداد للكنيسة القبطية مستقبلا، والتي وصلت في عهده إلى قارات العالم الست.

وتقوم الكنائس في الخارج بدور مهم في دعم الكنيسة والأقباط في الداخل، روحياً وسياسياً ومالياً واجتماعياً، وبدا ذلك جليا في ظل حوادث العنف الطائفي في مصر خلال فترة السبعينات من القرن الماضي والتضييق على بناء الكنائس، فعندما تبدأ كنائس مصر إضرابًا وصيامًا تساندها كنائس المهجر، وبذلك يكون الصوت مدويًا في أرجاء المعمورة وليس قاصرا أو منزويا داخل الدولة.

ظهر تيار انعزالي متطرف له طموحات سياسية، ومثّل انقلابا على مسار الكنيسة التاريخي؛ حيث تلقت نخبة أرثوذكسية تعليمها في الغرب، ولا تتمسك بالتراث القبطي

وفي موقف يحمل دلالة واضحة على توظيف الكنيسة المصرية لورقة أقباط الخارج روي عن البابا شنودة أنه أصدر تعليماته لكهنة الكنائس في أميركا بالخروج لاستقبال الرئيس الراحل حسني مبارك الذي كان يعتزم زيارة واشنطن عقب حوادث قرية الكشح المصرية وما تبعها، كالعادة، من اتهام الحكومة بتعمد اضطهاد الأقباط.

ويشير هذا الموقف إلى أهمية السلطة الروحية المطلقة للكنيسة المصرية على كنائس الخارج وقدرتها على توظيفها سياسيا لتحريك الكهنة، ومن ثم أقباط المهجر، في الاتجاه الذي تريده؛ فمن يأمر أتباعه باستقبال الرئيس يستطيع إصدار أوامر تقضي بمقاطعته.

وتعلم الحكومة المصرية أن أقباط المهجر قوة ناعمة مهمة، ومهما كان عددهم لهم تأثيرات حيوية على بعض الجهات التي تلعب دورا في صناعة القرار، ومنهم من يشارك في الحياة السياسية في بلد الإقامة، وربما ساعدت الكنيسة على التوسع خارجيا لاحتوائهم باعتبارهم مواطنين مصريين وتشغلهم هموم وطنهم، وتستطيع توظيف أدواتها الدبلوماسية لدعم النظام الحاكم والتماهي معه والحشد له.

وتشجع علاقة مؤسسات الدولة المصرية الجيدة بأقباط المهجر الكنيسة على المزيد من الانفتاح والتوسع، في حين يضع توتر العلاقة الكنيسة أمام خيارات صعبة، كأن تتهاون تجاههم فتصيبها نيران الاتهام بالتواطؤ، أو تتخذ موقفا صارما فتخسر دعما ماديا هي في حاجة إليه، أو إمساك العصا من المنتصف باستخدام مبدأ التقية، فتعطي لنفسها رخصة تركهم وشأنهم حينما تحتاج إلى ذلك وتهاجمهم حين تضطر إلى الهجوم.

ويحرص البابا تواضروس أثناء زياراته للخارج وتدشين كنائس جديدة على تجميل صورة النظام المصري الحاكم، وتصحيح أي صورة سلبية عنه لبناء علاقة ودية بين النظام وأقباط المهجر.

انتشار الفكر الإلحادي

الملامح التقليدية للتدين بدأت تتفسّخ في بعض الدول مع تناقص مستمر لأعداد رعايا الكنائس الغربية خاصة الكاثوليك
الملامح التقليدية للتدين بدأت تتفسّخ في بعض الدول مع تناقص مستمر لأعداد رعايا الكنائس الغربية خاصة الكاثوليك

يمكن الربط بين تمدد الكنيسة المصرية عالميا ووضعها خطة مستقبلية لسنوات قادمة والمخاطر التي هددت أقباط المهجر، كذوبان الأجيال الناشئة من الأقباط في مجتمعاتهم الجديدة وما يقابله من انحسار لدور الكنيسة الأرثوذكسية في أجيال المؤسسين وبحكم دورة الزمن، وخروج هؤلاء من المشهد، سوف تندثر كنيسة المهجر، إلا من بضع مئات من المهاجرين الجدد.

كما أن الكثير من الأجيال الجديدة تذهب إلى الكنيسة مجاملة للآباء، ويتيح تمرد الشباب على نمط الفكر الروحاني الفرصة لانتشار أدبيات الفكر الإلحادي، وهو ما ينتهي بمجرد بلوغ الأبناء مرحلة الاستقلال إلى الإلحاد أو اللادينية.

وقد ظهر تيار انعزالي متطرف له طموحات سياسية، ومثّل انقلابا على مسار الكنيسة التاريخي؛ حيث تلقت نخبة أرثوذكسية تعليمها في الغرب، ولا تتمسك بالتراث القبطي، وتمتلك المال والنفوذ، والأخطر اندماج أجيال الجاليات القبطية في دول المهجر.

وأدرك البابا تواضروس مخاطر ذلك على مشروعه الإصلاحي وما ينجم عنه من انفصال هذا التيار بكنائس لها أفكار خاصة به في المستقبل، مثلما فعل بعض المنشقين عن الكنيسة في مصر. وقد تجذب تلك الكنائس المزيد من الرعايا بأفكارها البراقة للجيل الجديد، فيتركون عضوية الكنيسة القبطية، أو يفقدون الهوية المصرية وسط صخب الحياة الغربية.

تفسر هذه الأسباب اهتمام بابا الأقباط بالشباب وحرصه الشديد على التواصل معهم ودعوتهم إلى زيارة مصر تحت مبادرة “العودة إلى الجذور” وتذليل عقبات كثيرة لربطهم بالكنيسة. كما نصح المركز الإعلامي للكنيسة بترجمة قصصه للأطفال إلى اللغة الإنجليزية للتواصل مع الأجيال الناشئة ممن يعيشون في المهجر.

تشجع علاقة مؤسسات الدولة المصرية الجيدة بأقباط المهجر الكنيسة على المزيد من الانفتاح والتوسع، في حين يضع توتر العلاقة الكنيسة أمام خيارات صعبة

وقرر تواضروس أن تكون الصلوات في الكنائس المصرية في المهجر باللغة القبطية ولغة البلد الذي يعيش فيه المواطنون، وعدم التمسك باللغة العربية لأن أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين لا يتقنونها.

أثار هذا الأمر لغطاً، وبعد أن كان سلفيو الكنيسة يشجبون ازدواجية القبطية – العربية أصبحوا يصوبون سهامهم صوب ثلاثية القبطية – العربية – لغة الموطن.

ولم يلتفت البابا إلى الانتقادات التي وجهت له بسبب رحلاته الرعوية وإنفاق الكنيسة أموالها على بناء كنائس بالخارج بينما يعاني بعض رعاياها بالداخل من الفقر والجوع، ولم تثنه الحرب التي شنّت عليه والمطالبة بعزله عن استكمال خطته.

وما شجعه على ذلك العلاقة الجيدة التي ربطته برجال الدين في الدول الأخرى، والتي يمكن لمسها من تنازلهم عن كنائس كهدية للكنيسة المصرية.

ودشن البابا مؤخرا كنيسة السيدة العذراء والقديس يوحنا الإنجيلي بمدينة أنتويرب البلجيكية، بعدما أعلن أنها مهداة من الكنيسة الكاثوليكية، وأثناء زيارته لألمانيا عام 2019 تسلم كنيسة من الطائفة ذاتها بمدينة دوسلدورف كهدية من الكاثوليك هناك، وخلال زيارة رئيس توغو للقاهرة سلم البابا عقد تأسيس أول كنيسة قبطية في بلاده.

وتبرعت الكنيسة الكاثوليكية بدير الأنبا موسى الأسود في ولاية تكساس الذي زاره البابا تواضروس، شريطة تعميره بالرهبان واستمرار الصلوات فيه.

الحفاظ على الهوية

الكنائس الجديدة تبنت الأنشطة التبشيرية والتنموية التي تقوم بها الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية
الكنائس الجديدة تبنت الأنشطة التبشيرية والتنموية التي تقوم بها الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية

استقراء حالة الأقباط المهاجرين مسألة صعبة لعدم وجود خارطة معلوماتية وسوسيولوجية لهم، من زاوية أعدادهم الحقيقية وهياكلهم العمرية وأجيالهم وسنوات الهجرة والعاملين منهم والعاطلين وتخصصاتهم.

واختلفت التقديرات بالنسبة إلى عددهم، وبحسب بعض المصادر القبطية يتراوح عددهم بين 600 ألف ومليونين، وتتشابه إشكالية عددهم مع إشكالية تعداد الأقباط داخل مصر، فبينما يقول زعماء الأقباط إن نسبتهم حوالي 20 في المئة من تعداد السكان البالغ عددهم نحو 105 ملايين نسمة تقول مصادر حكومية إن نسبتهم لا تتعدى 10 في المئة، تشمل كل الطوائف المسيحية.

ومن خلال رصد كتاباتهم والتواصل مع بعضهم عبر صفحاتهم على مواقع التواصل يمكن ملاحظة أن بناء كنائس مصرية في بلاد المهجر ينقذهم من ضياع هويتهم هم وأجيالهم ويمنع ذوبانهم في العادات والتقاليد الغربية.

وعندما سئل البابا شنودة عن الأسباب التي أدت إلى تمدد الكنيسة خارج الحدود قال “الجنسية شيء، والولاء شيء آخر، والأطفال في الصلوات يتم تذكيرهم باستمرار بالكنيسة وآبائهم وقوانينها”.

مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي شهدت هجرات عشوائية جمعت بين الأسباب الاقتصادية والتصاعد في وتيرة استهداف الأقباط، ما تطلب وجود كنائس لتغطية احتياجات المناطق التي هاجر إليها المصريون

ويجد أقباط المهجر أنفسهم أمام أزمة التعاطي مع تباين الثقافات بين الموطن الأصلي والموطن الجديد، خاصة إذا كانت هجرتهم إلى مجتمعات مفتوحة وسقف الحريات عندهم مرتفع، فضلا عن التصادم بين المجتمع الأبوي المنغلق والمجتمع المنفتح.

وقال مايكل ميخائيل، رجل أعمال من أقباط المهجر، لـ”العرب” “بعد هجرتي أنا ومجموعة من الأقباط إلى أستراليا توجهنا للصلاة في إحدى الكنائس، ورغم الخدمة المميزة إلا أنها كانت دارا للعبادة فقط، وكنا نفتقد روح كنيستنا المصرية، لكن عادت إلينا تلك الروح بعد تدشين البابا تواضروس كنيسة الشهيد مار مينا والشهيدة مارينا بهالام، في ملبورن منذ ثلاث سنوات”.

وبعد أن كان يذهب إلى كنائس أخرى ويأتي إليه الراعي ليقيم صلاة مصرية بين حين وآخر أصبحت لديه كنيسة مصرية، وتزايد العدد والإقبال، ومن هنا بدأوا غرس بذرة الثقافة القبطية والكلام باللغة المصرية.

يعد التوسع في بناء كنائس في دول المهجر ضروريا للحفاظ على الهوية القبطية لأن الصلاة في كنائس أخرى تعرض الشخص لسماع أقوال وتعاليم تختلف عن التعاليم الأرثوذكسية، ويمكن أن يُتأثر بها مثلما حدث للصيدلي حنين عبدالمسيح مؤلف كتاب “كنت أرثوذكسيا والآن أبصر”.

وأكدت ماريان فادي، وهي من أقباط المهجر، لـ”العرب” أنه “عندما يبني الأقباط كنيسة في أي دولة فأول شيء تفعله العائلة هو شراء منزل قريب منها، وبذلك يتم تكوين تجمع مصري بجوار الكنيسة، وتتكون الصداقات بين العائلات وتختصر المسافات بين أبناء الجالية وتعوضهم عن الحرمان الذي يكابدونه لبعدهم عن عائلاتهم وأقاربهم، واعتاد الشباب والأطفال في المهجر أن يطلقوا لقب الخال والخالة والعم والعمة على الكبار من الأصدقاء لفقدانهم أقاربهم الحقيقيين”.

الحكومة المصرية تعلم أن أقباط المهجر قوة ناعمة، ولهم تأثيرات حيوية على بعض الجهات التي تلعب دورا في صناعة القرار

وأشارت إلى أن “الكنيسة المصرية في بلاد المهجر، بجانب أنها دار للعبادة، هي ملتقى اجتماعي وثقافي للحفاظ على الأخلاق والقيم في مجتمع مختلف وبعيد عن العادات والتقاليد التي هي ثروة حقيقية، فيجتمع حولها شباب الجيل الثاني والثالث والمهاجرون الجدد، وهناك زيجات كثيرة بين الشباب فيها وتكونت أسر مصرية جديدة”.

وأوضح كمال زاخر أنه “خلال نصف قرن ولدت أجيال من أبناء وأحفاد المهاجرين الأوائل، وشكلوا ما يمكن تسميته أوروبيين من أصول مصرية، وأميركيين وكنديين وأستراليين من أصول مصرية، وصارت لهم ثقافات مختلفة تحتاج إلى تطوير تعامل الكنيسة الأم معهم، بعد أن توافر منهم خدام وكهنة وأديرة قبطية وفرت رهبانا منهم”.

في ظل التطورات التي ستشهدها إيبارشيات المهجر، من تأسيس أديرة وإنشاء كليات إكليريكية في بعضها، من الطبيعي أن تشهد الأديرة طالبي رهبنة من الأقباط الجدد هناك، وتشهد الإكليريكيات دارسين منهم، ويترتب على هذا اختيار أساقفة وكهنة من تلك الأديرة والإكليريكيات والأجيال، فهل رتبت الكنيسة ما يضمن استمرار التواصل معهم، وسط فرق الثقافات والأجيال ونزعة الانفصال أو الاستقلال؟

13