رفاهية الطفل.. أقصى طموحات الأم وأثقل همومها

تتلخص مهمة معظم الأمهات في الوقوف بثبات في خط الدفاع الأول أمام أي مشكلة يمكن أن يواجهها أطفالهن، تقدم الأم كل ما لديها من جهد وطاقة ووقت لتزيح الهموم من قلب صغيرها قبل أن تتراكم عليه وتخنقه، وهي لا تتردد في فعل أي شيء حتى يستعيد طفلها ابتسامته بعد أن يتخطى شدة مرض أو مشكلة أو أي إعاقة يمكن أن تعرقل خطواته الرقيقة على درب الحياة. هذه هي حقيقة الأم التي يراها معظم الناس، فلا يمكنهم تصورها بملامح مختلفة أو بقدرة أقل على العطاء والتضحية التي ترتبط عادة باسمها مثل هالة قدسية.
تفعل الأمهات هذا وأكثر ويقمن بأدوارهن على حساب حياتهن الشخصية؛ فالأم التي ترعى ابنا أو أكثر لا تمتلك شيئا من نفسها أو عالمها الخاص وهي أسيرة لحاجات طفلها ومتطلباته، أحلامه ورغباته، تفعل هذا بسماحة نفس ورضا وسعادة أيضا وهذا هو السّر الذي يحاول الاختباء دائما خلف ابتساماتها، حتى في خضم ساعات تعبها النفسي والجسدي؛ فشعور السعادة والرضا هو كل غايتها.
وتؤكد العديد من الدراسات الأخيرة على أن واجبات الأم البيتية، حتى لمن تعمل خارج المنزل، لا تقتصر على التنظيف والطبخ وترتيب حاجيات الأبناء، بل إن جلّ اهتمامها يكون منصبا على ضمان رفاهية الصغار والتأكد من أن كل شيء يجري على ما يرام. هذا العمل هو الأكثر شقاء من كل أعمال المنزل؛ إذ كيف يمكنها أن تقيس أداءها على هذا المقياس العاطفي، في الوقت الذي يبدو فيه الصغار غير معنيين بالإجابة على سؤال معقد من هذا النوع “هل أنتم على ما يرام، هل ينقصكم شيء، هل تستمتعون بوقتكم؟”.
وقد لا يكون للتقصير في واجبات المنزل تأثير بعيد الأمد على شعور الأمهات بمسؤولياتهن تجاه الأبناء، مقارنة بخيبة الألم والخوف التي تنتابهن إذا أخفقن، مثلا، في ملاحظة أعراض الاكتئاب لدى الطفل أو التقصير في تقديم الدعم المناسب له عندما يتعرض للتنمر من قبل زملائه في المدرسة.
وترى أستاذة العلوم النفسية في جامعة ميسوري الأميركية د. أماندا روز؛ أن بعض الأمهات قد يشعرن بالوحدة وغياب الأمان والثقة بالنفس إذا ما كانت تقديراتهن لحجم المشكلات غير صائبة، أو أنهن تعاملن مع الصعوبات العادية التي يمكن أن يتعرض إليها أي طفل بشيء من المبالغة وسوء التقدير.
الأطفال الذين يعيشون مع أمهاتهم يهتمون بالتعليم الأكاديمي أكثر من الأطفال الذين عاشوا مع آبائهم
وتنصح روز الأم بمحاولة تقييم الوضع جيدا عندما يواجه الطفل صعوبات وتحديد الطريقة التي يمكن أن تتدخل من خلالها، بهدوء واتزان من دون الحاجة للإصابة بالذعر. مع ذلك، فإن الشعور بالثقة في اتخاذ القرار في هذا الموقف قد يكون صعبا خاصة إذا كانت الأم عازبة أو منفصلة عن زوجها، لأن التشاور مع الآخرين ربما يكون مفيدا ومثمرا ويعزز الشعور بالثقة، بصرف النظر عن طبيعة شخصية الشريك ومدى تعاونه أو تفهمه في مثل هذه المواقف.
ويوضح متخصصون ضرورة مشاركة هذا الحمل العاطفي والمفعم بالمسؤولية بين الأم والأب، إذ أن الحوار المشترك من شأنه أن يمنح حلولا وبدائل مختلفة إضافة إلى تهوين أحد الطرفين (خاصة الآباء) من جدية المشكلة، وهي قد تصح في بعض الحالات، من شأنه أن يقلل الشعور بالذنب في حالة اختيار الأم عدم التدخل في المشكلة.
ومن جانب آخر، يؤكد أستاذ مساعد في علم الاجتماع في جامعة ولاية أوهايو الأميركية دوغلاس داوني؛ أن الأطفال الذين يعيشون مع أمهاتهم لا يختلفون عن غيرهم ممن يعيشون في أسرة مع الأم والأب، حيث يفترض البعض متأثرين بأفكار مسبقة أن وجود الأب والأم معا هو ضرورة لأن الأبناء سيفتقدون بغياب أحدهما عنصرا مهما في الحياة، الحاجة للحنان المفرط أو الحاجة للانضباط والسيطرة الموجهة والمطلقة للسلوك وهذه تتركز عادة في دور الأب وشخصيته التي يحددها سلوكه داخل الأسرة.
وكان دوني قد أشرف على دراسة تتعلق بتأثير غياب أحد الوالدين عن تفاصيل الحياة اليومية في الأسرة، وتقييم آثاره بعيدة المدى في الصحة النفسية للأبناء، السلوك الجانح، تقدير الذات وكيفية تطور القدرات العقلية. وكان أفراد العينة من الراشدين الذين نشأوا في كنف أحد الوالدين فقط؛ الأم أو الأب.
وأظهرت النتائج، التي أدهشت الباحثين أنفسهم، أن التباين الموجود بين الفريقين لا يشكل أهمية تذكر، في حين اتضح أن الأطفال الذين يعيشون مع أمهاتهم كان أداؤهم أفضل قليلا في الاختبارات المعيارية وكانوا يميلون إلى الاهتمام بالتعليم الأكاديمي بصورة أكبر وبمعدل عام دراسي واحد في الأقل، بصورة أكثر مقارنة بالأطفال الذين عاشوا مع آبائهم.
ويعتبر داوني هذه النتائج طبيعية فالآباء المنفصلون عن أمهات أبنائهم يميلون عادة إلى الحصول على وضع اقتصادي أعلى ويحاولون تعزيز موقفهم المالي بطموح أكبر، في حين يتركز طموح الأمهات العازبات في الحصول على فرص تعليم أوفر لهن ولأبنائهن لضمان مستوى وظيفي أفضل، وهذا الأمر بالطبع ينعكس على الأبناء الذين يشاركونهم العيش في منزل واحد.
وتجد العديد من الأمهات أن التحقق من سلامة طفلها ورفاهيته قد يتعلق بأمور روتينية، مثل ضمان حصوله على الفيتامينات والمكملات الغذائية وقد يكون لهذا الأمر تفسيره المنطقي، إذ أثبتت بعض الدراسات الطبية أن الأطفال الذين يتناولون المكملات الغذائية ويتبعون أنظمة غذائية صحية، أقل معاناة من المشكلات السلوكية من أقرانهم.