مهرجان مواز للكتاب بسور الأزبكية قبل أيام من معرض القاهرة

شارك تجار سور الأزبكية في معرض القاهرة الدولي للكتاب طوال تاريخه، باستثناء مرة واحدة أقاموا فيها معرضًا خاصًا إبان ثورة 25 يناير التي شهدت إلغاء المعرض الرسمي حينها، وامتد لأسبوع فقط، وقد سبب تغيير صيغة المعرض القاهري الذي يحتفل بيوبيله الذهبي هذا العام، إلى امتناع تجار سور الأزبكية عن المشاركة فيه، لينظموا مهرجانا خاصا بهم في محاولة لإنقاذ التجار الذين اشتروا كميات كبيرة من الكتب للمشاركة في اليوبيل الذهبي لمعرض الكتاب.
القاهرة – أطلقت مكتبات سور الأزبكية بوسط القاهرة مهرجانًا للقراءة موازيًا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي، بعد حرمانهم من المشاركة للمرة الأولى منذ 50 عامًا، بتقليص المساحات المسموحة لهم للعرض ومضاعفة المقابل المالي للاشتراك.
شهد المهرجان في اليوم الأول له، والذي يستمر حتى 15 فبراير المقبل، حضورًا جماهيرًيا لافًتا منح نحو 133 تاجرًا للكتب بالأزبكية فرصة لتصريف مخزوناتهم المتراكمة من الكتب طوال العام مع خصومات تصل إلى 70 بالمئة على المطبوعات المستعملة القديمة.
شروط تعجيزية
يقدم المعرض توليفة متنوعة من الكتاب لا يفرق بينها انتماءات سياسية أو توجهات فكرية، فمؤلفات صلاح جاهين تجاور التفسير الماركسي للقرآن الكريم للدكتور محمد عمارة، والأطباق الخفيفة للحميات الغذائية تلتصق بـ”معجزات النبي” لابن كثير و”طعام الآلهة.. كيف جاءت إلي الأرض؟” للكاتب هـ. ج. ولز.
وحرصت مكتبات عديدة على الاحتفال بذكرى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الـ101 التي توافق 15 يناير، لتعرض صحفا قديمة تبرز أهم إنجازاته وقراراته من بينها “إعلان الوحدة” و”عبدالناصر يقرر أن يتنحى”، وعدد خاص من مجلة “روز اليوسف” عنوانه اقتباس لعبد الناصر يقول فيه إن الإنسان الحر أساس المجتمع الحر.
كما فضلت بعض المكتبات أن تعرض نسخًا نادرة من الصحف الصادرة في الستينات من القرن الماضي تحمل بعضها عناوين مثيرة على شاكلة: “ماذا قال السادات في الجلسة السرية؟”، و”الأسد يعترف بفشل الوحدة مع العراق”، بجانب مطبوعات متعددة تماشي مع المئوية الأولى لثورة 1919 وتاريخ حزب الوفد ورموزه السياسيين.
يقول محمود خليفة، صاحب مكتبة بسور الأزبكية، لـ”العرب” إن التجار اتفقوا على عدم المشاركة في المعرض الرسمي بعدما بلغت المساحة المسموحة للمكتبة الواحدة 9 أمتار مقابل 14 مترًا في السابق مع رفع المقابل المالي للمشاركة إلى 11 ألف جنيه (620 دولارًا) ما يجعلها غير مناسبة للتجار الصغار بالسور.
خليفة المتخصص في كتب الفلسفة والتراث التي غالبًا ما تجتذب جمهورًا بعينه من المثقفين كان سعيدًا بتواجد عدد كبير من القراء أمام مكتبته وتلقيه أسئلة متكررة عن عناوين مطبوعات تراثية نجح في تصريف عدد جيد منها في أول يوم من المهرجان.
ويضيف لـ”العرب”، أن التجار رغم مقاطعتهم المعرض الرسمي إلا أنهم يتمنون نجاحه ولا يستهدفون منافسته فهم يحاولون تصريف الكميات الكبيرة من الكتب التي اشتروها استعدادًا للمعرض، قبل أن تخصص الدولة مساحات لـ33 مكتبة فقط دون باقي التجار وأصحاب المكتبات الذين تبنّوا موقفا موحدًا بعدم المشاركة.
المعرض استقطب قطاعات كبيرة من الشباب من مختلف الأعمار لينفي مقولة راسخة بأن تلك الفئة العمرية لا تفضل القراءة
وأعلنت الهيئة المصرية العامة للكتاب عن مشاركة 6 تجار من سور الأزبكية بالمعرض الرسمي، مع تقديم خطاب رسمي لاتحاد الناشرين المصريين يتعهدون فيه بعدم عرض الكتب القديمة، معتبرة أن ذلك دليل على عدم منع أي مكتبة من المشاركة، لكن أصحاب المكتبات بالأزبكية يقولون إنهم لن يشاركوا في ظل شروط وصفوها بـ”التعجيزية”.
معرض للجميع
أشرف عبدالفتاح، أحد المشاركين بمعرض سور الأزبكية، كان منهمكًا في تغيير قائمة الكتب التي عرضها باستمرار تلبية لرغبات عدد كبير من الفتيات تجمعن أمام مكتبته التي تعرض مطبوعات عن الموضة والأزياء، ومؤلفات عن الوصفات والطهي ومجلات فنية أجنبية.
ويوضح لـ”العرب” أن مكان تنظيم معرض القاهرة الرسمي للكتاب لعام 2019 بمنطقة التجمع الخامس في شرق القاهرة، يوحي بأنه يستهدف شريحة اجتماعية معينة من القراء، فالكتاب لا بد أن يكون قريبا من الجمهور ويناسب الفئات الاقتصادية المختلفة.
يخشى ناشرون أن يؤدي نقل الدورة الخمسين لمعرض الكتاب التي تبدأ في 23 يناير المقبل، إلى أرض المعارض الجديدة بالتجمع الخامس، والتي تبعد عن وسط القاهرة بنحو 40 كيلو مترًا، إلى انخفاض معدل الإقبال الجماهيري مع بعد المسافة وارتفاع تكلفة المواصلات.
وتعاني دور النشر العربية من انخفاض معدل القراءة وانتشار ثقافة تعتبر اقتناء الكتب رفاهية لكن تبدو المكتبات المصرية مشكلاتها مضاعفة، في ظل ارتفاع مستوى التضخم الذي يذهب بغالبية الدخول لصالح شراء السلع الأساسية، دون توفير فائض من الدخل الشهري لصالح شراء الكتب، ليبلغ متوسط معدل القراءة ربع صفحة للفرد سنويًا، وفقا لبيانات رسمية لوزارة الثقافة المصرية.
التجار اتفقوا على عدم المشاركة في المعرض الرسمي بعد تقليص المساحة المسموحة لهم مع رفع المقابل المالي للمشاركة
يشير عبدالفتاح إلى أن الطلب متزايد في اليوم الأول على كتب الديكور والعمارة، وسوف يتزايد مع نقل الحضور تجربتهم إلى أقرانهم بعد اكتساب المهرجان طابعا تنظيما ببطاقات تعريفية للجمهور وفتح مسارات للتحرك وتشكيلة الكتب المتنوعة التي يتم انتقاؤها لتلبية رغبات جميع الشرائح.
لجأ العارضون إلى أساليب تسويقية جديدة بإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخصومات كبيرة على بعض الكتب وكوبونات هدايا يتم توزيعها تمنح الفائزين عددًا من المطبوعات النادرة مجانًا.
يلفت محمد ياسر، صاحب مكتبة، لـ”العرب” إلى أن المعرض استقطب قطاعات كبيرة من الشباب من مختلف الأعمار لينفي مقولة راسخة بأن تلك الفئة العمرية لا تفضّل القراءة، وأن كثيرا من تلك الفئة يسأل عن مطبوعات متنوعة على عكس اختياراتهم المعتاد التي يغلب عليها الأدب والروايات.
ويضيف محمد عادل، صاحب مكتبة، لـ”العرب” أن سلسة كتب الجيب التي يعرضها اجتذبت جمهورًا كبيرا من الأطفال والشباب الصغير بعد تقديم تخفيض يصل إلى 60 بالمئة عليها رغم اندثار ذلك النمط من الكتب واختفائها منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، ما مثّل مفاجئة له ودفعته لعرض المزيد منها.
واستقطب المعرض زوّارا من جنسيات عربية، خصوصا من السوريين الذين حرصوا على شراء الكتب الخاصة بأساسيات التسويق والدعابة باللغتين العربية والأجنبية، بينما عرضت بعض المكتبات كتبا قيمة بأسعار مغرية تقل عن دولار واحد، وصلت إليها عبر بيع بعض الورثة مكتبات أجدادهم دون تقييم لقيمة ما تضمه من كنوز معرفية.