بوتفليقة يراوغ الطبقة السياسية بتجاهل جدل الانتخابات الرئاسية

مجلس الوزراء "لا حدث" سَوّق لصورة الرئيس أكثر من التكفل بالمطالب الحقيقية.
السبت 2018/12/29
بوتفليقة يختار الصمت

الجزائر - خابت انتظارات الطبقة السياسية والمتابعين للشأن السياسي في البلاد، من الهالة التي أحيطت في غضون الأيام الأخيرة، حول اجتماع مجلس الوزراء، بعدما أخذ اللقاء طابعا روتينيا تماشيا مع أحكام الدستور.

ولم يحمل الاجتماع أيا من التكهنات التي أثيرت في أعقاب تصريحات زعيمة حزب العمال لويزة حنون، التي وعدت الرأي العام باتخاذ الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لقرارات مهمة في اجتماع مجلس الوزراء.

وراوغ بوتفليقة جميع التوقعات التي تم تداولها خلال الأيام القليلة الماضية، بشأن قرارات مهمة سيتم اتخاذها في اجتماع مجلس الوزراء، إثر تصريحات أدلت بها في وقت سابق لويزة حنون، ضمّنتها مؤشرات المستقبل السياسي للبلاد، وطبيعة التوازنات داخل السلطة، ونسبتها إلى مصدر رسمي من السلطة.

وخلا البيان الختامي لمجلس الوزراء، من أي قرار أو إشارة للانتظارات التي خيّمت على الساحة السياسية، مما يؤكد أن الوضع السياسي في البلاد، والجدل القائم حول الاستحقاق الرئاسي المنتظر في أبريل المقبل، لم يكونا ضمن أجندة المجلس، لتبقى بذلك جميع التكهنات في مربع الصفر.

ووفق أحكام الدستور الجزائري، فإن أسابيع قليلة تفصل موعد صدور المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء الهيئة الانتخابية، تحسبا لتنظيم الاستحقاق المذكور في ظرف لا يتعدى مهلة الثلاثة أشهر.

لكن الجدل السياسي تصاعد بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الغموض الذي يكتنف الاستحقاق، حيث يتداول المتابعون عدة سيناريوهات منها الولاية الخامسة لبوتفليقة، وتأجيل موعد الانتخابات وتعديل الدستور. ويرى الإعلامي محمد بغالي أن “الرئيس بوتفليقة كان وفيا لخصاله السياسية، ولا زال يرفض الظهور في ثوب المذعن للإملاءات أو الضغوطات مهما كان شكلها”، في إشارة إلى تأجيل موعد مجلس الوزراء من الأربعاء إلى الخميس، بحسب ما أفادت به لويزة حنون، وهي الخصال التي تكرست بطبيعة الملفات المتناولة في مجلس الوزراء، البعيدة كليا عما وعدت به حنون.

واكتفى مجلس الوزراء بتصديق الرئيس بوتفليقة، على قانون الموازنة العامة للعام الداخل، وفق ما تمليه الأحكام الدستورية التي تستوجب أن تتم العملية المذكورة قبل انقضاء العام الجاري، فضلا عن ملفات أخرى تتعلق بالطاقة والاستثمارات الحكومية وحماية المبلغين عن الفساد.. وغيرها.

بوتفليقة يبقي الغموض حول الاستحقاق الرئاسي وعدم تفاعله مع التكهنات المطروحة، أعاد الحظوظ للولاية الخامسة

وبذلك مدّد الرئيس بوتفليقة من حالة الترقب والانتظار، رغم وضعية الاحتقان السياسي والاجتماعي التي تعيشها البلاد، وفي المقابل ضمّن خطوته رسالة إلى أذرعه السياسية، حول ضرورة احترامها لمسافة معينة بينها وبينه، وضرورة عدم تجاوزها. ويتجلى ذلك بعد تكذيب مجلس الوزراء الضمني لتصريحات لويزة حنون، التي كثيرا ما جاملها بوتفليقة، وحتى للحزب الحاكم، الذي ظهر عليه الارتباك هذا الخميس، بسبب تدوينة في صفحته الرسمية، نشرت في الصباح وحذفت في المساء، بسبب موقف سياسي من الاستحقاق الرئاسي.

وإذ لم تتفاجأ المعارضة لما وصف بـ”مراوغة” بوتفليقة للجميع، قياسا بمواقفها المبدئية من مسألة الولاية الخامسة والتمديد للولاية الرابعة أو تعديل الدستور، فإن الضحية الثانية للمفاجأة هو رئيس حزب “تاج” الموالي للسلطة عمار غول.

وكان غول يراهن على إشارة سياسية من الرئيس بوتفليقة في مجلس الوزراء، لدعم مبادرة الندوة الوطنية المفتوحة التي أطلقها خلال الأسابيع الأخيرة، من أجل ما أسماه بـ”الوصول إلى إجماع وطني حول جزائر جديدة”.

وليس أقل منه رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية عبدالرزاق مقري، الذي أطلق هو الآخر ما عرف بمبادرة الإجماع الوطني، لضمان انتقال سياسي واقتصادي في البلاد، يكون بدون بوتفليقة أو أحد مقربيه، واتهم رفيقه السابق في تيار الإخوان عمار غول، بـ”السطو على مبادرة حمس من أجل تمييع المسعى”.

ووصف أستاذ العلوم السياسية سفيان صخري، مجلس الوزراء بـ”اللاحدث”، قياسا بالمخرجات والنتائج الضحلة للاجتماع، وتركيزها على إظهار صور لائقة للرئيس أمام الرأي العام، بدل الاهتمام بالملفات والقضايا المطروحة في الساحة، وأن السلطة مهتمة بالأجندة الدستورية أكثر من اهتمامها بالشأن العام.

وأضاف أن “اجتماع مجلس الوزراء كان روتينيا كالعادة، ولم يتفاعل مع القضايا الشائكة التي تعيشها البلاد، وأكد هيمنة ذهنية الريع على السلطة، التي تستنفذ الثروات الباطنية وترهن مستقبل الأجيال، فبعد تضاؤل حظوظ النفط في إنقاذ الخزينة العمومية، اتجهت الحكومة إلى استغلال الفوسفات، دون إيلاء أهمية لتنويع الاقتصاد الوطني وتثمين ثروة الأرض في النشاط الزراعي”.

وأبقى خذلان بوتفليقة، للطبقة السياسية والمتابعين، الغموض سائدا حول الاستحقاق الرئاسي المنتظر، ولو أن عدم تفاعله مع التكهنات والانتظارات المطروحة، أعاد الحظوظ للولاية الخامسة، لأنه بهذا المنحى، يتحول عامل الوقت إلى ورقة ضغط وتبديد لمشاريع التمديد والتأجيل وتعديل الدستور، في حين تبقى الولاية الخامسة ورقة خلاص أخيرة للسلطة للاستمرار في مواقعها.

4