الرئيس العراقي في شارع المتنبي: رسالة رمزية في واقع سياسي ملتبس

بغداد – لم يتهيأ شارع المتنبي الثقافي الشهير في بغداد لاستقبال رئيس الجمهورية السيد برهم صالح حينما زاره بشكل مفاجئ ترافقه عقيلته السيدة سرباغ خان، بالرغم من وجود حشد غير قليل من الأدباء والمثقفين والأكاديميين وشباب الجامعات والفنانين والنساء والرجال والأطفال، بعدما مال الطقس إلى الشتاء قليلا وانحسرت موجة الحر الشديدة، وبات “المتنبي” الشارع مفتوح الأجنحة على آخر الإصدارات والندوات والمحاضرات لروائيين وباحثين وشعراء.
بيان رئاسة الجمهورية الذي أعلن عن زيارة الرئيس العراقي إلى هذا الشارع المتميز أشار إلى حرص صالح على الاهتمام بالمعالم الثقافية والحضارية في العراق ولا سيما شارع المتنبي لما يمثله من رمزية عند المثقف العراقي والعربي.
والإشارة هذه ستبدو في سياقها الطبيعي كأنما الرئيس يريد أن يقدم أوراق اعتماده من هذا الشارع لرمزيته وفاعليته الثقافية التي خرجت عن الحدود الوطنية إلى آفاق ثقافية وسياحية أكثر اتساعا عربيا وعالميا، ويعطي صورة إيجابية عن اهتمامات رئاسية مبكرة بالنوع الثقافي والأدبي، لكن ما حدث، وهذا متوقع، أنّ الجماهير العابرة في الشارع وهي ليست جماهير نوعية في الأحوال كلها قاطعت المشوار الرئاسي بطلبات وشكاوى متفرقة، وبالتالي فالجمهور الثقافي المتواجد لم ينضم إلى التجمع الرئاسي، وهذا متوقع، وبدوره نسي الرئيس هدفه الأساسي وظل يصغي إلى الشكاوى التي لا تنتهي من دون أن يحظى بلقاء الأدباء والمثقفين مع إشاراته السريعة إلى وجوب احتضان الأدب العراقي ومثقفيه وتيسير سبل النجاح في المشروعات الأدبية وفتح الآفاق أمام المبدعين، وهي رسائل صغيرة وعاجلة قالها صالح أمام المواطنين بعدما وجد الطريق إلى المتنبي جماهيريا.
العراقيون وفي مثل هذه الظروف يشككون في نوايا الرئيس بعد خمسة عشر عاما من التغيير شهدوا خلالها أربعة رؤساء لم يكن لديهم هم ثقافي ولا أدبي ولو بشكله العابر، لذلك امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالنقد اللاذع لهذه الزيارة التي عُدّت استعراضا في غير وقته والبلاد تعاني من مشكلات أمنية واجتماعية وسياسية لصرف الأنظار عنها وإشغال الناس بزيارات رئاسية لا داعي لها، فيما كان البعض القليل يعدّها بادرة طيبة من رئيس خرج من قصره الرئاسي و”نزل” إلى الشارع العراقي مبتدئا من شارع المتنبي الثقافي برمزية إعطاء الأولوية إلى الثقافة بوصفها الحاضنة الأولى للمتغيرات المقبلة التي يجب أن تكون عليها السياسة العراقية. فالثقافة شريان لم يتوقف منذ التغيير السياسي، بل ازداد انفتاحا وإنتاجا وحضورا عربيا واضحا وسبق السياسة إلى الجمال والإنسانية.
رمزية أخرى قادت الرئيس إلى زيارة مقهى الشابندر (مؤسس سنة 1907) وهو أحد معالم شارع المتنبي التراثية العريقة، الذي شهد انفجار سيارة مفخخة مع العنف الطائفي عام 2007 أدّى إلى مقتل العديد من الكتبيين والمتسوقين راح ضحيته جميع أبناء صاحب المقهى، فحمل المقهى اسما آخر هو “مقهى الشهداء”.
وقد تكون هذه الرمزية شكلية في ظاهرها وباطنها بوقعها محدود التأثير في جو أدبي/اجتماعي كثير الشكوك برؤسائه ومرؤوسيه ونيّاتهم، لكنها من جانب آخر كانت تحية متأخرة جـدا لشهداء المقهى كما يراها كثيرون.
لم يلتق الرئيس بالأدباء كما كانت الخطة الرئاسية تقضي بذلك، واكتفى في بعض الوقت بالتجول بين الأكشاك ولم يدخل إلا مكتبة واحدة اقتنى منها المجموعة الكاملة للشاعر محمود درويش، إضافة إلى مجموعات شعرية للشاعر بلند الحيدري، بينما اقتنت عقيلته كتابا عن العشبيات في العراق مطابقا لتخصصها الأكاديمي الزراعي.