مخرجات يتحدثن عن بنات جنسهن في مهرجان لندن السينمائي

فيلم "الخادمة" للمخرجة المكسيكية ليلا أفيليس يرصد التناقض الطبقي الحاد في المجتمع المكسيكي، بالتركيز على فئة المحرومين الذين لا يشعر بوجودهم أحد.
الجمعة 2018/10/19
الخادمة المكسيكية تعيش داخل سجن عملاق

ثلاثة أفلام جديدة شهدت عرضها الدولي خارج بلادها في مهرجان لندن السينمائي الـ62، والأفلام الثلاثة من إخراج ثلاث مخرجات من ليبيا والفلبين والولايات المتحدة، اثنتان منهن قدّمتا فيلميهما الأولين.

“حقول الحرية” (Freedom) الوثائقي، هو أول أفلام المخرجة الليبية- البريطانية نزيهة عريبي وقد تلقى الفيلم دعما وتسهيلات إنتاجية من جهات عدة في هولندا وكندا وبريطانيا وقطر وهولندا والولايات المتحدة، وقد استغرق تصويره خمس سنوات بداية من 2012، أي بعد أن كانت أحداث الثورة الليبية قد هدأت.

وتقوم فكرة الفيلم على مقاربة الصحوة الثورية في ليبيا مع رغبة المرأة في التحرر من القيود التي يفرضها المجتمع البطريركي تحت قشرة سميكة من المفاهيم الدينية العتيقة، ويستخدم الفيلم ثيمة رمزية تدور حول رغبة مجموعة من الفتيات الليبيات في تكوين أول منتخب نسائي لكرة القدم في ليبيا، يثبت ويؤكد قوة المرأة وقدرتها على اقتحام مجال كان دائما قاصرا على الرجال.

ولع خاص

تتابع المخرجة أحداث الواقع الملتهب في ليبيا من خلال هذا الموضوع وبتركيز خاص على ثلاث فتيات تلقين تعليما عاليا ويتأهبن لبدء العمل في مجالات مثل الطب والصيدلة، دون التخلي عن ولع خاص بكرة القدم والرغبة في تكوين منتخب يمكنه أيضا تحقيق الفوز، رغم الظروف الصعبة في الواقع الليبي.

في البداية تتعرض الفتيات لهجوم شديد واتهامات شتى من جانب رجال الدين، كما نشاهد من خلال البرامج التي يبثها التلفزيون، أو من جانب خطباء المساجد الذين يحذرون من الانهيار الأخلاقي المتمثل في إقبال الفتيات على لعب الكرة وما يمكن أن ينتج من ممارسة رياضات أخرى.

دائرة الحصار حول الفتيات تتسع بعد أن يبدأ المنتخب بمعاونة اتحاد الكرة الليبي في ترتيب أولى مقابلاته الخارجية مع منتخب مشابه في لبنان، لكن فجأة يعلن الاتحاد منع منتخب الفتيات من الذهاب إلى لبنان بدعوى عدم القدرة على ضمان الأمن لهن. وفي مؤتمر صحافي تحتشد الفتيات أمام مسؤولي الاتحاد بإصرار على مواصلة الطريق مهما كلفهن الأمر.

وتقترب المخرجة بكاميراها من الفتيات، تناقشهن وتحاورهن وتستمع لشهاداتهن، وترصد علاقاتهن بأسرهن، كيف يفكرن، وما يلقينه من تشجيع من جانب المستنيرين من الأهل، والضغوط التي تمارسها بعض الأمهات على بناتهن لإقناعهن بالزواج والتخلي عن اللعب، وفي الوقت نفسه يرصد الفيلم ما يحدث في الشارع من أحداث عنف واشتباكات بين الفصائل المسلحة، وعبر ما يبثه التلفزيون عن أحداث القتال والاشتباكات.

رغبة المرأة الليبية في التحرر يمر بممارسة كرة القدم
رغبة المرأة الليبية في التحرر يمر بممارسة كرة القدم

وكلها لن تنجح في قمع رغبتهن في بلوغ التحرر المنشود من خلال تكوين الفريق الذي يبدو في الكثير من الجوانب، يدعو إلى الرثاء، فالكثير من الفتيات يفتقرن أصلا للرشاقة المطلوبة ويعانين من الترهل والسمنة وعدم تلقي مستوى أساسي من التدريب، ولكنهن رغم هذا كله يمضين، ويتدربن، ويتحدين الدنيا بأسرها، وينجحن في ترتيب مقابلات مع فرق مماثلة في فلسطين والأردن ولبنان، دون أي دعم من اتحاد الكرة الليبي، وعلى نفقتهن الخاصة، يتحملن المشاق إلى أن يحققن الانتصار في لحظة يعادلها الفيلم بفكرة تحرير الذات من الدور المرسوم سلفا للمرأة.

ومن الأشياء ذات الدلالة في الفيلم أن الفتيات في الجزء الأول منه يظهرن حاسرات الرؤوس، ومع تطور الأحداث في الواقع وفي القسم الثاني نراهن وقد وضعن غطاء الرأس وأصبحن يمارسن اللعبة بهذه الأغطية، وهو ما يشير إلى ما وقع من تغيّر في الواقع.

في الفيلم الكثير من المشاهد القوية المعبرة والتي تستخدم فيها المخرجة الكاميرا المتحركة واللقطات القريبة، والقطع السريع والمتابعة المستمرة مع الانتقالات الدائمة بين الداخل والخارج، وبين الخاص والعام.

لكن يعيب الفيلم تداخل الكثير من الشخصيات وكثرة التكرار والثرثرة البصرية والكلامية، وكان يمكن أن يتزن إيقاع الفيلم لو تعاملت المخرجة مع مادتها المصورة وهي دون شك غزيرة، بصرامة أكثر وحددت نفسها في إطار زمني أقل من المدة الزمنية للفيلم (99 دقيقة) لكي يصبح الفيلم متوازنا، ومع ذلك يظل “حقول الحرية” محاولة أولى لا بد من دعمها، ولا شك أن نزيهة العريبي يمكن أن تمتد تجربتها على استقامتها وتستفيد من أخطاء التجربة الأولى لتحقق السيطرة على موضوعها.

"الخادمة" المكسيكية

فيلم “الخادمة” (The Chambermaid)، هو أول أفلام المخرجة المكسيكية ليلا أفيليس الذي يشارك في مسابقة العمل الأول بمهرجان لندن السينمائي الحالي، وهو ينتمي إلى الدراما التسجيلية الواقعية.

إنه فيلم روائي ولكن دون حبكة درامية تقليدية، الشخصية الرئيسية في الفيلم هي الخادمة “إيف” التي تعمل في واحد من أفخم فنادق العاصمة المكسيكية، لا تشبه خادمة بونويل في “يوميات خادمة”، لكنها قد تكون قريبة الشبه من خادمة ألفونسو كوارون في فيلم “روما” حائز “الأسد الذهبي” مؤخرا في مهرجان فينيسيا.

تخرج إيف كل يوم في الرابعة صباحا من بيتها الواقع في الضواحي البعيدة، لتصل إلى الفندق في السادسة، حيث تبدأ العمل في تنظيف غرف النزلاء من أبناء الطبقة البورجوازية.

نحن إذن أمام فيلم يرصد التناقض الطبقي الحاد في المجتمع، بالتركيز على فئة المحرومين الذين لا يشعر بوجودهم أحد، ففي حقيقة الأمر إيف لا أحد ينتبه لها، لكن ما يجعل إيف تختلف عن “كليو” في فيلم “روما”، أنها لا تتمتع بما تتمتع به خادمة “روما” من ألفة وتجاوب وتفاهم من جانب مخدومتها البورجوازية، فهي تعاني من الوحدة والشعور بالاغتراب الذي يتزايد يوميا مع تزايد وطأة العمل الشاق الذي تقوم به داخل هذا السجن العملاق الذي تقضي فيه اليوم بكامله، تفصلها عن العالم الخارجي تلك النوافذ الزجاجية الضخمة التي لا ترى من خلالها سوى تلك المباني العالية التي تشعر أمامها بالضآلة.

إننا نتابع إيف (24 سنة) وهي تنتقل من غرفة إلى أخرى، تبذل كل جهدها في العمل، كل أملها أن تترقى وتصعد إلى الطابق الثاني والأربعين الذي افتتح حديثا، وهو أعلى طوابق الفندق لكي تتمتع بتنظيف أجنحة رفيعي المستوى VIP.

أحيانا تقلب في حاجيات النزلاء، تلتقط ما ينسونه وراءهم وتسلمه للإدارة، كما تواجه الكثير من السلوكيات الغريبة من جانب النزلاء، فمنهم من يطلب يوميا
كميات كبيرة من المناشف وأدوات الحمام، دون أن يستعمل منها سوى كمية ضئيلة للغاية، وهناك اليهودي المتدين الذي يطلب منها الضغط على أزرار المصعد في عطلة السبت المقدسة، وهناك رجل تدخل لتنظيف غرفته لتكتشف أنه يرقد أسفل
الفراش، لا ينطق بكلمة، يرفض أن تساعده في النهوض، يحرك يديه في يأس غامض عندما تسأله ما إذا كانت تستمر في عملها أم تغادر.

يدور الفيلم داخل غرف الفندق وردهاته وغرف الغسيل وخزين أدوات التنظيف والمناشف والأغطية ومكاتب الإدارة، ولا تغادر الكاميرا الفندق قط، كما لا تستخدم المخرجة الموسيقى، وتحافظ على إيقاع بطيء ينساب في سلاسة وتمهل، تتوقف بالكاميرا طويلا أمام وجه إيف الذي يشي ببعض ما تشعر به، بمعاناتها الصامتة، بوطأة العمل الشاق، لكنها تحافظ على ابتسامة مصطنعة أمام الجميع حسب التعليمات.

إيف لديها طفل في الرابعة تتركه وراءها يوميا في رعاية إحدى قريباتها، لكنها ليست متزوجة، وهي تقبل مساعدة سيدة أرجنتينية ثرية من النزيلات في رعاية طفلها الرضيع لكي تتيح لها فرصة للاستحمام، هذه السيدة تحاول إغراءها بالذهاب معها إلى الأرجنتين لتصبح خادمة الأسرة.

يصور الفيلم تفاصيل العمل اليومية في حياة امرأة لا تتمتع بخبرة كافية في الحياة، لا تريد أن تغامر بالإقدام على مغامرة غير مأمونة العواقب، لكنها لا تحصل على الترقية التي وعدت بها، كما يغلق القسم الذي افتتح في الفندق لتعليم العاملات القراءة والكتابة والذي كانت قد بدأت تتردد عليه، وتحصل صديقتها “ميريام” المثلية على الترقية التي كانت تنتظرها هي، إنهم يمنحونها فقط الفستان الأحمر الذي نسيته إحدى السيدات منذ فترة طويلة، كتعويض عن خسارتها الترقية، مع وعد بفتح باب الوظيفة مجددا في القريب.

هذا “بورتريه” إنساني متوهج تتألق فيه الممثلة غابرييل كارتول التي تتقمص دور الخادمة بدقة وبراعة كبيرتين، ومثل بطل فيلم “المذنب” تظهر الممثلة في جميع مشاهد الفيلم، في لقطات قريبة ومتوسطة، تؤدي كل ما تؤديه خادمات غرف الفنادق يوميا في سلاسة ومعرفة دقيقة، كما تكشف عن موهبة كبيرة في الأداء الصامت بعينيها وحركات جسدها وإيماءات وجهها. ولا شك أن الفيلم يكشف عن موهبة المخرجة ليلا أفيليس في التعامل مع المكان والممثلين، وهي التي بدأت كممثلة ثم مخرجة مسرحية قبل أن تنتقل إلى الإخراج السينمائي.

وجه نيكول كيدمان

نيكول كيدمان الجميلة ظهرت في فيلم "مدمرة" بتجاعيد كثيرة على الوجه وبعينين ضيقتين، حيث بدت وكأنها {تأكل نفسها}
نيكول كيدمان الجميلة ظهرت في فيلم "مدمرة" بتجاعيد كثيرة على الوجه وبعينين ضيقتين، حيث بدت وكأنها "تأكل نفسها"

بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان تورونتو يأتي فيلم “مدمرة” (Destroyer) إلى مهرجان لندن السينمائي، حيث دشن عرضه الدولي خارج أميركا الشمالية، تمهيدا لانطلاق عروضه العامة بعد عرضه في المهرجان مباشرة.

للوهلة الأولى يبدو أن المخرجة كارين كوساما أرادت أن تجعل من نيكول كيدمان في فيلمها “مدمرة” (Destroyer) نموذجا ماديا واضحا وملموسا ومحفورا للشخصية المتآكلة المدمرة التي تعيش فقط تحت وطأة اجترار ذكريات الماضي بحلوه ومرّه، لحظات الحب التي عاشتها عندما كانت تتمتع بالجمال والرونق والسحر، ثم انهيارها النفسي بعد المأساة التي تسببت فيها والتي جعلتها مسكونة بالرغبة المستبدة في التكفير عن الذنب وتحقيق الانتقام.

في المؤتمر الصحافي بعد عرض الفيلم في مهرجان تورنتو وجه أحد الصحافيين سؤالا إلى نيكول كيدمان يتعلق بالباروكة الرديئة التي ترتديها في الفيلم والتي لم يقصد منها فقط تصوير تقدمها في العمر، بل لكي تبدو أيضا كشبح امرأة، فأبدت كيدمان ضيقها من هذا السؤال واعتبرته سؤالا سخيفا.

لكن كل من يشاهد هذا الفيلم البوليسي الذي تقوم فيه كيدمان بدور مفتش شرطية سرية، ربما يتفق مع ما أبداه الصحافي إزاء تلك الباروكة التي بدت وكأنها تتأرجح فوق رأس نيكول الجميلة، ولكن أضيفت إلى فكرة الباروكة الرمادية، الكثير من التجاعيد إلى الوجه، وتضييق العينين، وتصغير فمها بحيث تبدو كيدمان وكأنها “تأكل نفسها”.

هل كانت حيل الماكياج كافية لكي تقنعنا بواقعية الشخصية؟ مخرجة الفيلم تحاول أن تصنع عملا تعتقد أنه يمكن أن يرقى إلى كلاسيكيات الأفلام البوليسية مثل “سبعة” (Seven) و”حرارة” (Heat) وغيرهما، لكن المشكلة الأساسية تكمن في السيناريو الذي يختار كاتباه خطا متعرجا يتأرجح بين الحاضر والماضي، لكي يكشف تدريجيا عن شخصية “إيرين” (كيدمان) التي تميل إلى تدمير الذات وكأنها تعاقب نفسها على ما تسببت فيه برعونتها في الماضي البعيد، من مقتل “كريس” حبيبها ووالد ابنتها الذي كان شرطيا اشترك معها أيضا في عملية سطو مسلح على أحد البنوك ضمن عصابة متخصصة يقودها مجرم عتيد هو “سيلاس”، وكان الأخير هو الذي قتل كريس ثم اختفى تماما ومن معه إلى أن عادوا أخيرا لاستئناف عمليات السطو.

هناك بعض المشاهد العنيفة التي تُضرَب خلالها إيرين، وتصاب، وتلهث وتتقطع أنفاسها قبل أن تنهض وتتمكن من النفاذ بجلدها في اللحظة الأخيرة، وكيف تلجأ إلى التهديد والابتزاز ولا تتورع أيضا عن القتل خارج القانون، فنحن في عالم وحشي تحرر خارج القانون.

يعاني الفيلم كثيرا من بطء الإيقاع، والترهل، والمشاهد الطويلة، والحوارات المليئة بالثرثرة، كما يعاني من الكثير من الغموض وعدم وضوح بعض الشخصيات مثل “بيترا” التي تنقذها إيرين رغم اشتراكها في السطو المسلح الأخير، لكي تحصل منها على معلومات عن سيلاس الذي ترغب الشرطية في الانتقام منه.

ومن مشاكل الفيلم أنه يدخر كشف حقيقة الشخصية وسبب معاناتها ومظهرها المثير للرثاء، مرة واحدة في نهاية الفيلم، بدلا من أن يكشف لنا عن طيات الحبكة تدريجيا، وبسبب الجمود المستفز، يكون طبيعيا أن يتساءل المتفرج بعد أن ينفد صبره: ما الذي يحدث بحق السماء؟

16