الاستحقاق الرئاسي في الجزائر تحت المنظار الأميركي

واشنطن تعد من القوى الإقليمية المؤثرة في القرار الجزائري، ولا يستبعد أن تسعى لتعزيز مواقع الموالين لها في السلطة، إذ تبحث عن نظام سياسي يحفظ مصالحها.
الأحد 2018/09/30
واشنطن تستفيد من الخلافات الفرنسية الجزائرية

الجزائر - تتطلع الأوساط السياسية في الجزائر إلى معرفة موقف القوى الإقليمية المؤثرة في القرار السياسي من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أبريل عام 2019، في ظل الغموض المحيط بالمرشح الذي ستتقدم به السلطة الجزائرية لخوض السباق الرئاسي القادم.

ومنذ أبريل الماضي يواجه عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس البالغ من العمر 81 عاما والممسك بزمام السلطة منذ 1999، مطالبات من معسكره بالترشّح لولاية خامسة لكن الجنرال السابق الذي تردّت حالته الصحية منذ أصيب بجلطة دماغية في 2013، لم يكشف حتى اليوم عما إذا كان سيخوض الانتخابات المقبلة أم لا.

وكشفت نائبة مدير مكتب التواصل الإعلامي الإقليمي في وزارة الخارجية الأميركية إريكا تشوسانو، عن لقاءات مرتقبة ستجريها سفارة الولايات المتحدة في الجزائر مع سياسيين وإعلاميين وفعاليات من المجتمع المدني لاستقراء الوضع في البلاد، في خطوة تعكس الاهتمام الأميركي بتفاصيل الاستحقاق الرئاسي المرتقب.

وتأتي إشادة إريكا تشوسانو، في ندوة صحافية عبر الهاتف بمقر السفارة الأميركية في الجزائر، حضرها صحافيون جزائريون، بما أسمته بـ”حجم ونوعية العلاقات الثنائية التي تربط البلدين على المستويين الحكومي والشعبي”، لتؤكد شروع واشنطن في جسّ نبض الطبقة السياسية والجمعيات الأهلية بهدف معرفة مسار العلاقات من جهة وحقيقة الوضع السياسي في البلد من جهة ثانية.

وتعد واشنطن من القوى الإقليمية المؤثرة في القرار الجزائري، ولا يستبعد أن تسعى لتعزيز مواقع موالين لها في السلطة، إذ تبحث دوما عن نظام سياسي يحفظ ويعزز مصالحها في المنطقة، في الوقت الذي تخوض فيه صراعا غير معلن مع باريس لسحب نفوذها التاريخي في العواصم الأفريقية الكبرى.

وتشكل الأزمة الصامتة بين الجزائر وفرنسا، التي تجلت في تصريحات وقرارات حول ملفات تاريخية مشتركة، فرصة سانحة لواشنطن لملء فراغ باريس، خاصة في ظل تنامي تيار داخل المؤسسات الرسمية الفرنسية، يدفع باتجاه سحب الدعم والتزكية اللذين حظيت بهما السلطة الجزائرية في العقدين الأخيرين من طرف باريس، لا سيما خلال انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2014.

ويمثل الدبلوماسي ومسؤول الاستخبارات السابق بيرنار باجولي، قاطرة التيار الذي يعمل على إعادة ترتيب أوراق فرنسا في الجزائر، بمساعيه للترويج إلى سلطة جديدة تفتح معها باريس آفاقا جديدة، وهو ما تفصح عنه الانتقادات الجريئة التي ووجها باجولي للنظام الجزائري وللرئيس بوتفليقة تحديدا، على خلفية ما أسماه بـ”عرقلة فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وتوظيف ورقة التاريخ في إثارة مشاعر الجزائريين”.

إريكا تشوسانو: أعتقد أن علاقة الولايات المتحدة بالجزائر مثمرة وعميقة، ليس فقط بالحكومة وإنما حتى على المستوى الشعبي
إريكا تشوسانو: أعتقد أن علاقة الولايات المتحدة بالجزائر مثمرة وعميقة، ليس فقط بالحكومة وإنما حتى على المستوى الشعبي

وفي المقابل أطنبت المسؤولة الأميركية في مدح علاقات الطرفين، وقالت “أعتقد أن علاقة الولايات المتحدة بالجزائر مثمرة وعميقة، ليس فقط بالحكومة وإنما حتى على المستوى الشعبي”، ويتنافى هذا التصريح مع حقيقة الانزعاج الأميركي الصريح للإدارة الأميركية من امتناع الجزائر عن فتح أراضيها لإقامة قيادة الأفريكوم، والدراسة الجارية لإمكانية فرض عقوبات أميركية على الجزائر، إذا استمرت في سياسة التسليح من السوق الروسية.

وأشارت إريكا تشوسانو إلى أن “واشنطن تراقب التطورات عن كثب.. التطورات المتصلة بالانتخابات الرئاسية المنتظرة في شهر أبريل القادم، وأن السفارة الأميركية في الجزائر، ستفتح سلسلة لقاءات ونقاشات مع الطبقة السياسية ومع صحافيين وجمعيات لفهم الوضع والاطلاع على التفاصيل”، وهي خطوة صريحة تترجم الاهتمام الأميركي بالاستحقاق الرئاسي والرغبة في الاطمئنان على مصالحها، ولأملها في أن يبدي الرئيس الجديد انفتاحه على التوجه الأميركي في المنطقة.”

وأضافت أن “بلادها مستعدة للعمل مع الحكومة الجزائرية التي ستتمخض عن الانتخابات الرئاسية القادمة”، في حين لم تخض في مسألة الاستقطاب القائم حول الموالين والمناهضين لمشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس بوتفليقة.

ويمثل وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، المعروف بشبكة علاقاته القوية مع دوائر النفط الأميركية، المرشح الأنسب لحماية مصالح واشنطن بالجزائر، ويطرح اسم الرجل كواحد من الخيارات الممكنة في حال استقرار السلطة على خوض الاستحقاق الرئاسي بخليفة لبوتفليقة، خاصة وأن الرجل لم يتوان في الجهر بعدائه للنفوذ الفرنسي وبانتقاده للدوائر الموالية لباريس في السلطة الجزائرية.

ولفت نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان على هامش لقائه بوزير الخارجية عبدالقادر مساهل في واشنطن، بمناسبة الدورة الخامسة للحوار الأمني الثنائي الجزائري الأميركي، إلى “دعم الولايات المتحدة لإجراء انتخابات ديمقراطية في الجزائر تحترم فيها إرادة الشعب، وأن واشنطن تريد أن تترجم إرادة الشعب الجزائري على أرض الواقع، وذلك عبر انتخابات عادلة وحرة”، وهو الانشغال الذي يترجم مخاوف المعارضة السياسية من تلاعب السلطة بالاستحقاقات الانتخابية.

وأدرج محللون سياسيون الاهتمام الأميركي بالاستحقاق الرئاسي في الجزائر، والهجوم الذي يشنه بيرنار باجولي، عبر كتابه “الشمس لن تشرق من الشرق”، لسرد تجربته الدبلوماسية في المنطقة العربية والجزائر تحديدا، في خانة الضغوط التي تمارسها واشنطن وباريس، وفي إطار صراع المصالح والنفوذ بينهما. ففيما يمثل باجولي التيار الذي يهدد بسحب دعمه وتزكيته لنظام بوتفليقة، من أجل الحصول على تنازلات جديدة لخدمة مصالح بلاده، لعلمه المسبق بتقلص هامش المناورة الدولية للسلطة الجزائرية في تمرير التجديد لبوتفليقة، فتحت واشنطن نقاشا لفرض عقوبات على الجزائر، في حال استمرارها في سياسة التسليح من روسيا.

وصرّح المتحدث باسم السفارة الأميركية في الجزائر لسيانس كنوكس براون، لموقع “تي آس آ” الناطق بالفرنسية، بأن “البند 231 من قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات، يفرض عقوبات إلزامية على أي شخص يقرر وزير الخارجية أنه علم منذ 2 أغسطس 2017، بمشاركته في صفقة كبيرة مع أي شخص تم تحديده كجزء من قطاع الدفاع أو الاستخبارات الروسية”.

وبرّر العقوبات المذكورة بفرض بلاده، لـ”تكاليف على روسيا بسبب أنشطتها الخبيثة، بما في ذلك الهجوم الإلكتروني، والأنشطة غير المقبولة في أوكرانيا، وانتهاكات حقوق الإنسان”، وأن إدارة بلاده “أجرت سلسلة من المناقشات مع شركائها الجزائريين بخصوص قانون مكافحة أعداء واشنطن من خلال العقوبات، وأن مناقشتها مستمرة”.

ويمكن للجزائر أن تتعرض لعدة عقوبات في حالة عدم الاستجابة للطلب الأميركي، إلى خمس عقوبات على الأقل من بين 12 عقوبة يقرها القانون، منها الاستبعاد من النظام المالي الأميركي، وحظر التداول بالدولار الأميركي، وفرض حظر على الاستيراد والتصدير مع واشنطن.

2