لا حديث للصحافيين المصريين إلا عن ضرورة البحث عن مهنة أخرى

الصحافيون المصريون يعانون من الإحباط بسبب التضييق على عملهم، ونقابة الصحافيين تقف عاجزة في ظل غياب دعم الحكومة.
الأربعاء 2018/09/19
أقلام الصحافيين لم تعد تؤمن لقمة العيش

أضحى قطاع كبير من الصحافيين في مصر أمام تحديات صعبة وسط أزمة مادية طاحنة تواجهها المؤسسات الصحافية، أدت إلى إنهاء عملهم أو انقطاع رواتبهم، ولجأ العديد من العاملين في الصحف إلى الهروب من تلك الأزمة بتغيير وظيفتهم إلى سائقين وسماسرة عقارات ومديري مطاعم ومقاه، بحثا عن قوت يومهم.

القاهرة - تعصف الأوضاع الاقتصادية التي تواجهها مصر بالإعلام بشكل عام، لكن الصحافيين هم الفئة الأكثر تضررا مما تعانيه الصحافة في ظل أزمة تبدو انفراجتها بعيدة.

واستغنت بعض الصحف الخاصة في مصر عن عدد من العاملين، بينما انسحب آخرون من مهنتهم الأساسية بحثا عن وسيلة أفضل لتأمين مستلزمات الحياة لأسرهم، واختارت مجموعة منهم الانضمام إلى صفوف العاطلين عن العمل انتظارا لفرصة جديدة.

وتقف نقابة الصحافيين المصرية عاجزة أمام الوضع الراهن، في ظل غياب دعم الحكومة وتراجع المعلنين. ويدور نقاش محتدم بين كتاب وحقوقيين ومالكي صحف ومسؤولين عن إدارتها، حول ما آل إليه حال الصحافة بمصر.

ويرى البعض أن المسؤولية يتقاسمها الصحافي مع الحكومة المتهمة بعدم مساندتها للإعلام، بعدما فشل الأول في تطوير قدراته بشكل يسمح له بإيجاد وظيفة في صحف ومواقع إلكترونية أجنبية شرطها الأول امتلاك الصحافي لكفاءة جيدة دون غيرها.

ويقول آخرون إن العاصفة التي أطاحت بالعمل الإعلامي بشكل عام لم تستثن أحدا، سواء كانوا من الموهوبين أو الموظفين الذين يؤدون أعمالا يومية إدارية.

وكثيرة هي الأمثلة عن لجوء صحافيين إلى مهن جديدة لحل أزماتهم المالية. فلم يجد صحافي بإحدى الصحف الحزبية سوى شركة “كريم” لتطبيقات النقل الذكية، للالتحاق بها للإنفاق على أسرته، بعدما سئم من التظاهر على سلالم نقابة الصحافيين الشهيرة في القاهرة للمطالبة بتوفير فرصة عمل جديدة.

وقام صحافي آخر بإعداد وجبات طعام جاهزة في منزله وبيعها لزملائه لتحسين دخله المادي.

محمد سعد عبدالحفيظ: مناخ الإحباط يسود الصحافة بسبب التراجع على المستوى المهني وضعف الحريات
محمد سعد عبدالحفيظ: مناخ الإحباط يسود الصحافة بسبب التراجع على المستوى المهني وضعف الحريات

ومنذ أن تضاعفت تكلفة طباعة الصحف، انضمت دفعة جديدة من الصحافيين النقابيين لطابور العاطلين، بعد إغلاق صحفهم معتمدين فقط على معونة من نقابتهم وبدلات شهرية لا تتجاوز 2000 جنيه (111 دولارا).

ويعيش العاملون بالصحافة عموما نوبة من الإحباط مع التضييق على القضايا التي يتناولونها وتدهور أوضاع مؤسساتهم المالية، وبينهم عاملون في صحف حكومية تتأخر مستحقاتهم المالية باستمرار، ولا حديث يدور بين الجميع إلا عن ضرورة البحث عن مهنة أخرى أساسية أو مكملة للصحافة.

وحصل صحافي بجريدة حكومية، قبل أيام، على إجازة للتفرغ لإدارة مطعم للأسماك بمحافظة الجيزة المتاخمة للقاهرة، بالتعاون مع زملاء له، بينما افتتح خلال الفترة ذاتها صحافيون يعملون كمراسلين بالمحافظات، مقاهي ومتاجر لبيع الملابس ومحالا للبقالة (سوبر ماركت).

وعلق محمد سعد عبدالحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين، على هذا الوضع بالقول إن المهنة أصبحت لا تحظى بتقدير الحكومة، حتى الامتيازات التي كانت تسهل عمل الشباب الصحافيين وتخفف الضغط المالي عليهم، كمنحهم نصف التذاكر بقطارات الأنفاق تم إلغاؤها بحجة تقليص النفقات.

وقبل سنوات قليلة، كانت الفقرات الإخبارية وبرامج “توك شو” بالفضائيات الخاصة الوسيلة المثلى أمام الصحافيين لتحسين رواتبهم، لكن الجانب السياسي والإخباري انحسر بجميع القنوات وتحولت للمضمون الترفيهي، كما تم إغلاق فضائيات كاملة والتفكير في إغلاق أخرى، ليقفل آخر أبواب للصحافيين بتحسين وضعهم المادي.

وأضاف عبدالحفيظ لـ”العرب” أن مناخ الإحباط يسود الصحافة حاليا بسبب التراجع على المستوى المهني وضعف الحريات حتى أن الكثير من العاملين بها والذين يعرفهم بصورة شخصية اتجهوا للانسحاب من مزاولة الصحافة والعمل في مهن أخرى. ولجأت صحف خاصة إلى تخفيض رواتب الصحافيين إلى الربع، بينما أجبرتهم أخرى على توقيع استقالات مسبقة ما يعطيها شرعية قانونية تحميها من عدم الالتزام بالتعاقدات المبرمة بين الطرفين حال الإغلاق، وعدم منحهم مكافأة نهاية خدمة.

ويبرر أصحاب الصحف أفعالهم بالظروف الصعبة التي يواجهونها، وآخرها رفع مطابع المؤسسات الصحافية الحكومية، التي تتولى طباعة وتوزيع الصحف الحزبية والخاصة، تكلفة الطباعة مئة بالمئة.

وأوضح نبيل زكي رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهالي الصادرة عن حزب “التجمع” اليساري، أنه يتلقى اتصالات من زملائه من مجالس إدارات الصحف الأخرى لمناقشة الأوضاع المالية، وتصب حصيلتها في صالح التوقف عن الصدور لارتفاع التكلفة، وترك مصير المحررين لنقابة الصحافيين لتسوية أوضاعهم.

وبلغ عدد الصحافيين النقابيين العاطلين عن العمل بمصر حاليا قرابة المئتين، بينهم 116 ينتمون لصحف حزبية، لكن العدد مرشح للارتفاع في ظل تحذير وجدي زين الدين رئيس تحرير صحيفة الوفد الحزبية وتضم العشرات من الصحافيين، من أنها قد تغلق قريبا لعدم قدرتها على مواصلة الاستمرار.

وقبل ثورة 25 يناير عام 2011، اعتاد الحزب الوطني الحاكم تمويل المطبوعات الحزبية والخاصة بنشر إعلانات أسبوعية، عبر وزارة الثقافة للأنشطة والفعاليات المسرحية والفنية، بجانب توجيهات لرجال الأعمال المنتمين للحزب بنشر إعلانات شهرية على صفحاتها للحيلولة دون تعرضها للإغلاق.

وأمام البحث عن مصادر تمويل جديدة، اضطرت بعض الأحزاب لبيع رخص إصدار صحف للراغبين مقابل دفع ثمنها، وباتت إحدى صحف الحوادث بالدلتا ذات الرخصة الحزبية خاضعة لإدارة تاجر بمجال البناء، ويصدرها بصورة غير منتظمة كلما حصل على إعلانات معظمها لمهنيين ومحال تجارية صغيرة. وتلجأ بعض الصحف الصغيرة إلى الابتزاز بنشر إعلانات تحريرية مسبقة عن مسؤولين وشركات ورجال أعمال ومفاوضتهم بعدها على دفع مقابل مادي، بينما يستغل البعض الآخر قضايا الفساد المساومة على التمويل مقابل عدم النشر.

وأكد زكي لـ“العرب” أن الهيئة لديها تصور واحد لا تريد سواه، يتعلق برفع أسعار بيع الجرائد رغم تداعياته الخطيرة على الصحف في ما يتعلق بمعدلات البيع في ظل ارتفاع أسعار جميع السلع الأساسية التي تجعل المواطن في معادلة اختيار بين شراء احتياجاته الأساسية أو الإنفاق على شراء بعض الصحف.

ويدلل على كلامه بالأزمة التي تعاني منها جريدته الأسبوعية التي لم تتلق منذ توليه مجلس إدارتها قبل عامين أي مبالغ مالية، في ظل قدرة الحزب فقط على تمويل نفقات مقاره في المحافظات ورواتب العاملين، ليبقى صدورها مرهونا بقدرتها على توفير إعلانات تجارية جديدة.

18