الولاءات تقسم مثقفي الجزائر إلى محظوظين ومهمشين

الجزائر - أعلن الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج، عن مقاطعته للصالون الدولي للكتاب، المزمع تنظيمه نهاية شهر أكتوبر المقبل، على خلفية ما أسماه بـ”الفساد الثقافي”، وعرقلة مشروع فيلم الأمير عبدالقادر، المقتبس من كتابه الأمير، ليكون بذلك إيذانا بتوسع دائرة النخب المثقفة الغاضبة عن سياسة وزارة الثقافة في تسيير الشأن الثقافي.
واعتذر واسيني الأعرج، في منشور له على صفحته الرسمية، لقرائه وللأمير في معرض الجزائر للكتاب بالقول “بعد صراع طويل ومرير مع الوثائق التاريخية الحساسة بالخصوص تلك التي يملكها هيكل الشرق الماسوني في باريس حول ماسونية الأمير عبدالقادر الجزائري، والوثائق الخاصة بجهود الأمير في إطفاء نيران الفتنة بدمشق بين المسيحيين والمسلمين، أصبح بالإمكان الحديث عن الجزء الثاني من كتاب الأمير”.
واستدرك “لكن للأسف لن يكون حاضرا في معرض الجزائر، وعليه أعتذر من مئات القرّاء الذين راسلوني يسألون عن إمكانية توفر الرواية في المعرض؟ لكن سيكون حاضرا في معرض بيروت والمعارض العربية”.
وعزا سبب القرار إلى ما أسماه بـ”قرار ذاتي لا يخص إلا شخصي، أنا لا أريد أن أشترك في مذبحة الأمير، وهم يستعدون الآن لنحره سينمائيا، بعدما بهدلوا الكثير من أبطال المقاومة والإصلاح والثورة، بطرقهم الفجة التي لا شيء من ورائها إلا المال ثم المال، والتخفي وراء الوجوه المستعارة، ونهب خزينة الدولة والفساد الثقافي”.
وأضاف “يكذبون في كل شيء، حتى في المسلمات.. سيناريو ومشروع الأمير موجود منذ سنوات في رئاسة الجمهورية، وقد أنجزه سيناريست إيطالي اشتغل مع كبار السينمائيين الإيطاليين، بمشاركتي لأن السيناريو مقتبس من كتاب الأمير، وقد تم اللقاء مع رئيس الحكومة السابق عبدالعزيز بلخادم، وتحدثنا طويلا”.
وتابع “كان رجلا كريما، وأتذكر اليوم كلمته الكبيرة: لا تظن يا واسيني أنهم يحبون الأمير، وسيعملون طويلا على إفشال المشروع، وها هم يجهزون على كل شيء، وسنشهد قريبا نفس السيناريوهات.. نعم، عدم عرض رواية الأمير2 في صالون الجزائر، هو شكل احتجاجي على هذا الفساد الثقافي”.
مطالب بمراجعة القوانين التي تكبح حرية العمل الثقافي والتعبير الفني، وفي مقدمتها قانون السينما وقانون الكتاب
وتعكس مفردات الروائي واسيني الأعرج، حالة الاستقطاب الحاد، بين النخب الثقافية في الجزائر، وتؤسس لمرحلة اصطفافات جديدة، بين نخب موالية للسلطة ومستفيدة من ريع القطاع، رغم الأزمة التي يتخبط فيها القطاع، وبين نخب مهمشة أو تصنف في خانة المغضوب عليهم، بسبب مواقفهم وأفكارهم الرافضة للسائد.
ويبقى مشروع فيلم الأمير عبدالقادر (مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة)، المقتبس من كتاب “الأمير” لواسيني الأعرج، ينتظر التجسيد، لا سيما وأنه استهلك ما يفوق الستة ملايين دولار، دون أن تصوّر منه لقطة.
ومن المتوقع يكون تقلص موازنة القطاع، وتبني وزارة الثقافة لسياسة تقشفية غير مسبوقة، العائق الأكبر الذي قد ينسف المشروع تماما، فضلا عن النوايا والخلفيات السياسية والأيديولوجية التي ألمح إليها الأعرج في منشوره.
واتهم الإعلامي والكاتب ورئيس جمعية “الكلمة” عبدالعالي مزغيش، وزارة الثقافة بـ”ممارسة المحسوبية والمحاباة والجهوية “، في إشارة إلى إرساء مختلف المشاريع الثقافية والفنية على أشخاص وجهات معينة من البلاد. وأشار إلى التلاعب في تسيير أموال القطاع، بترتيب صفقات ضخمة لحساب جهات وأشخاص معينين، وبدعم من المسؤول الأول في الوزارة عزالدين ميهوبي.
ويعتبر الصالون الدولي للكتاب الذي تنظمه الجزائر سنويا خلال شهر أكتوبر، موعدا لانطلاق الموسم الثقافي. ورغم تفرغ المنظمين إلى إحصائيات الزوار والمبيعات والدول ودور النشر المشاركة، إلا أن الحدث الثقافي الأبرز في البلاد، يبقى محل انتقادات النخب، بسبب مقص الرقيب الذي تشدد في السنوات الأخيرة، بدعوى محاربة الإرهاب.
وجاءت مقاطعة واسيني الأعرج للصالون المذكور، لينضاف إلى جدل صاخب تفجر بسبب تدخل جهات حكومية في منع عرض فيلم العربي بن مهيدي، للمخرج بشير درايس، بحجة الإساءة إلى التاريخ وتزوير الحقائق، ودعته إلى مراجعة مضمونه.
وهو ما رفضه المخرج الذي ألمح إلى تصفية حسابات سياسية وفكرية، وهو المحسوب على جناح أزيح من السلطة، في إطار صراع محتدم دام سنوات وانتهى إلى حسم محيط الرئاسة معركته لصالحهم.
وكانت عريضة نشرت على منصات التواصل الاجتماعي، وقعها نحو مئة شخصية مثقفة، قد أكدت على أن “الوضع الثقافي في الجزائر يعرف أزمة عميقة تجلت خاصة في الثورة والاحتجاجات التي قادها الشارع ضد نشاطات منظمة من طرف وزارة الثقافة”.
وخرج محتجون في عدد من المحافظات خلال الأشهر الماضية للتعبير عن رفضهم للمهرجات والحفلات التي تنظمها وزارة الثقافة، معتبرين أن الأموال التي تنفق على هذه التظاهرات أولى بها أن تنفق في التنمية
ووصف البيان سياسة القطاع بـ”الفاشلة”، بسبب ما أسماه بـ”هيمنة وزارة الثقافة على الفعل الثقافي وإقصاء المبادرات الخاصة، الأمر الذي أدى إلى انتشار عدة ظواهر سلبية كالرقابة والمحاباة ونهب المال العام”.
ودعا البيان وزارة الثقافة إلى فتح باب الحوار، ووضع سياسة ثقافية واضحة بالتشاور مع الفاعلين الثقافيين مع ضمان مكانة القطاع الثقافي المستقل، فضلا عن مراجعة النصوص التشريعية والقانونية التي تكبح حرية العمل الثقافي والتعبير الفني، وعلى رأسها قانون السينما وقانون الكتاب.