تحديات التمويل تقوض فرص الشركات التونسية الناشئة

تونس - تعكف الحكومة التونسية على إعداد خارطة طريق جديدة لدعم المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، من أجل إخراجها من دروب البيروقراطية، التي تواجهها وخاصة في ما يتعلق بالتمويل. وتشكل إعادة هيكلة تمويل مثل هذا النوع من المشاريع الواعدة لدعم أصحاب المبادرات ورواد الأعمال من بين أحد أبرز الإصلاحات المستعجلة، التي يقول خبراء إنها السبيل الوحيد لتعزيز دور الشركات الناشئة في الاقتصاد التونسي المتعثر.
وتشير الدراسات وتحليلات المختصين إلى أن مسألة التمويل تشكل أبرز المشكلات، التي تقف حجر عثرة أمام ولادة الشركات الناشئة أو حتى استمرار نشاطها. وتستهدف الحكومة، التي بدأت العام الماضي في تطبيق قانون جديد للاستثمار، تحفيز الاستثمارات الناشئة وتعزيز دورها في الاقتصاد، بعد أعوام من الركود بسبب الوضع الأمني الهش وتزايد الإضرابات.
وأكدت آمال الزاوي، مديرة التمويلات الصغيرة بوزارة المالية، خلال ندوة عقدت مؤخرا حول “آليات التمويل الصغير” أن الحكومة تعمل على إعادة هيكلة نظام القروض الصغيرة على أسس مستدامة من خلال وضع تشريعات تتلاءم مع الخطط الإصلاحية المتعلقة بتشجيع الاستثمار.
وقالت في تصريحات خاصة لـ”العرب”، إن “أصحاب المبادرات الخاصة يشكون من مشكلات كبيرة في ما يتعلق بتمويل مشاريعهم رغم أن الدولة وفرت العديد من الآليات لذلك دون اشتراط الضمانات لإعادة الأموال”، مشيرة إلى أن السلطات تعمل على تخصيص موارد إضافية للتمويل الذاتي.
جمعية تتولى منح القروض بتمويل من بنك للتضامن وبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة
وأكدت أن متابعة المشاريع في كامل مراحل الإنجاز أمر ضروري لإنجاحها خاصة وأن الحكومة لديها برنامج متكامل لدعم الشركات الناشئة و”هناك نسبة كبيرة من هذه المشاريع لا تتواصل وتقف في منتصف الطريق”.
وتظهر دراسة أعدتها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد أن نصف المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تم إطلاقها العام الماضي، أخفقت في تجاوز مرحلة الإنجاز وأن النصف المتبقي للعينة، التي شملت 427 مشروعا، توقفت عن العمل نهائيا.
ويرجع أصحاب المشاريع ذلك الفشل إلى طول إجراءات الحصول على التمويل وتعقيداته البيروقراطية، إلى جانب غياب التنسيق بين مختلف هياكل التمويل.
وتعمل 289 جمعية موزعة في البلاد تسند لها مهمة منح القروض لتلك المشاريع، ويتم تمويلها من البنك التونسي للتضامن وبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، بخط تمويل يتم إدراجه سنويا في ميزانية الدولة.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن تلك الجمعيات مولت في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام حوالي 14.8 ألف شخص بنحو 24.3 مليون دينار (8.7 مليون دولار).
واستفاد بخدمات الجمعيات، التي تشبه في نشاطها عمل البنوك، العام الماضي قرابة 60 ألف شخص بقيمة تجاوزت 107 ملايين دينار (نحو 38.4 مليون دولار).
وأما في ما يتعلق بمؤسسات التمويل الصغير، فقد ساعدت منذ بداية العام وحتى نهاية يونيو الماضي على تمويل حوالي 181 ألف مشروع بمبلغ 492.7 مليون دولار (176.2 مليون دولار).
وهناك خطوات بالفعل لتطوير برامج متابعة أصحاب تلك المشاريع، ولكنها تبدو خطوات بطيئة للغاية وتحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تظهر النتائج.
وتعهدت وكالة النهوض بالصناعة بالدفاع عن ملفات المشاريع متناهية الصغر، وفق ما أكده سمير بشوال مدير عام الوكالة.
ويلعب نظام القروض الصغيرة دورا كبيرا في توفير التمويلات التي تحتاجها الفئات غير المعنية بالتمويل المصرفية، حيث باتت هذه الشرائح مساهمة بشكل حيوي في الدورة الاقتصادية عبر العوائد المالية لنشاطها وإحداث فرص عمل جديدة، لكن ذلك لم يبن جدار صدّ في مواجهة مشكلات وصعوبات نظام التمويل الصغير. وتراهن تونس على دعم المؤسسات المالية الدولية لمواجهات تحديات البطالة المتفاقمة، التي تبلغ وفق الإحصائيات الرسمية 15.4 بالمئة.
وكان البنك الدولي قد أعلن في سبتمبر العام الماضي، عن تخصيص حوالي 60 مليون دولار لدعم سوق العمل التونسي في السنوات الست المقبلة لمواجهة تحدي البطالة.
ويجمع اقتصاديون على أن المنظومة الحالية المتعلقة بتمويل الشركات الناشئة تشكو من غياب الحوكمة وتفشي الفساد، إلى جانب غياب هياكل رسمية تدعم مجال التمويل الصغير، مثل سلطة مراقبة مختصة ومؤسسة لتقييم المخاطر.
وأشاروا إلى أن الدعم المالي المرصود لا يساعد على تغطية كل ما يحتاجه أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة وحتى متناهية الصغر، وبالتالي فإن المراهنة على استدامتها قد يكون فيها الكثير من المخاطر.
وبشكل عام ومنذ انطلاق منظومة القروض الصغيرة في عام 2005 وحتى نهاية يوليو الماضي، تم تمويل حوالي 770.5 ألف مشروع بقيمة 834 مليون دينار (298.4 مليون دولار).