هل استطاعت قضايا الخلع أن تهز سلطة الرجل

أكثر الطبقات التي تلهث وراء قانون الخلع هي الطبقات الثرية وستصبح الخالعة أكثر خطرا من المطلقة لأنها ستشعر بالانتصار في حين كانت المطلقة تشعر في داخلها بالانكسار.
السبت 2018/07/14
حرية الرجل المخلوع مقيدة
 

تفاقمت ظاهرة طلب خلع الزوج في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، فهل استطاعت قضايا الخلع التي تكسبها الزوجة ضد زوجها أن تهز سلطة الرجل وتجعله يفقد سلطانه على المرأة؟ وهل انتهى عصر سلطة الرجل بعد نجاح قضايا الخلع؟

أكدت دراسة مصرية أن قانون الخلع رغم أنه ساهم في رفع المعاناة عن النساء وأطلق حريتهن فإنه قد قيد حرية الرجل المخلوع، حيث بلغت نسبة النساء الرافضات الزواج برجل مخلوع أكثر من 61 بالمئة في عينة الدراسة.

وأظهرت الدراسة التي أنجزتها الدكتورة سهير كامل -أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية في مصر- أن نسبة كبيرة من النساء تعتقد أن الرجل يفقد قيمته وربما جزءاً من رجولته إذا لم يطلق هو زوجته بإرادته، مشيرة إلى أن هناك صعوبات في أن تتقبل النسوة الزواج برجل مخلوع.

وفي هذا السياق قال أحمد إسماعيل (36 عاما) ”تركتني زوجتي وكسبت قضية الخلع وتعجبت لماذا تغيّر الناس تجاهي بصورة لم أكن أتوقعها من قبل؟ أشعر أن عيون الناس تلاحقني، الأسئلة تحاصرني وتملأ نظراتهم، ولا أعرف كيف أجيب عنها، ولا أجد أمامي إلا الهروب، وحتى الآن لا أعرف لماذا فعلت زوجتي ذلك؟ هل لأنها تصغرني بعشرة أعوام، وتريد أن تجرب حظها مع رجل آخر؟”.

وأضاف “كنت طوال تلك الفترة الزوج المخلص، وحرمت نفسي من أشياء كثيرة حتى أوفر لها الحياة التي كانت تحلم بها دائمًا، كنت أعمل طوال اليوم حتى أزيد من دخلي، وحتى تشتري هي ما تريد من أحدث الثياب وغيرها من الأشياء التي تحبها النساء. آه من هذا القانون الذي جعلنا نتخفى عن الناس ونبتعد عنهم”.

نسبة كبيرة من النساء في مصر تعتقد أن الرجل يفقد قيمته وربما جزءا من رجولته إذا لم يطلق هو زوجته بإرادته

ويقول علي عبدالرحمن خليل (32 سنة) ”أكثر الأسئلة غرابة، والذي لم أعرف له إجابة منذ أن رفعت زوجتي دعوى الخلع هو: لماذا خلعتني زوجتي؟ لم أستطع الإجابة لأنني لا أعرف حتى الآن كيف أقدمت على ذلك، ومن هو هذا الشيطان الذي زيّن لها هذه الفعلة ؟ لماذا لم يراع المشرع أن المرأة تمر بظروف نفسية متغيرة، ومتقلبة ربما تؤثر على قراراتها؟”.وتابع “تسببت زوجتي بهذا التصرف الأرعن في هز صورتي أمام الناس، سواء في محيط الأسرة أو في مكان العمل، أسير في الشارع وكأن الناس جميعًا يشيرون إليَّ: هذا هو ‘المخلوع” الذي خلعته زوجته. لم أعد قادرًا على تسيير الأمور مع من هم دوني من الموظفين، فقد اهتزت ثقتي بنفسي، وحتى مع من هم أعلى وأكبر مني أشعر بنظرات الشفقة في عيونهم”.

ويقول ممدوح إبراهيم (45 عاما) ”أنا مهدد بالخلع، لقد فكّرت في الانتحار بعد أن أقدمت زوجتي على طلب الخلع بتشجيع من أحد المحامين، زوجتي من الحاصلات على شهادة عليا، وليست لديها النعرة التي تسيطر على نساء الطبقات الجديدة التي تتحدث كثيرًا عن المساواة والحقوق، إنها امرأة بسيطة تريد أن تعيش.. نعم تحدث بيننا خلافات، ولكنها الخلافات العادية التي تحدث كثيرًا في مجتمعنا المصري، بسبب مصاريف الأولاد وارتفاع الأسعار وظروف العمل الشاق، وكانت عندما تغضب تذهب إلى منزل والدها أو أحد إخوتها، وذهبت في المرة الأخيرة لإحضارها فوجدتها ترفض، وتقول: إذا لم تطلقني سوف أخلعك. وذهبت إلى ذلك المحامي ليحل المشكلة فقال إنها مصممة على رفع دعوى الخلع، والقانون معها وفي صفها، وعرفت أن الأمر لديه لا يعني أكثر من عمل “بزنس” ولما ضاقت الدنيا في وجهي قررت الانتحار، خاصة بعد كلام الناس ولمزهم وغمزاتهم، ولكن عندما فكرت في أولادي تراجعت”.

ومن جانبه يوضح عبدالله الدسوقي الخبير في علم الاجتماع والعلاقات الأسرية قائلا “الآثار الاجتماعية المترتبة على الخلع سوف تتوارثها الأجيال، لأن الفتاة سوف تسأل أمها عن سبب خلعها والدها، خاصة إذا جاء من يخطبها، فهو سوف يخاف منها، ومن تقليدها أُمها، وكذلك الشاب ابن الرجل المخلوع سيعاني كثيرًا، حيث ينظر إليه الناس على أنه وارث عيوب أبيه التي جعلت زوجته تخلعه، أما ‘المخلوع” نفسه فإنه سوف يعاني كثيرًا من عدم القدرة على التكيف الاجتماعي لإحساسه بالنقص ونظرة الجميع إليه التي يملأها الشك والريبة، ولذلك فإن معدل الجرائم الاجتماعية والأخلاقية سوف يتضاعف.. لا شك أن الخلع يخلق نوعًا من العنف المُضاد، وأن الزوج المخلوع  إذا لم يشعر بمقدمات وشواهد تمهد لهذا الأمر، فسوف يُصاب بصدمة نفسية شديدة”.

ومن وجهة نظر الدكتور رؤوف الجندي أستاذ خدمة الفرد في المعهد العالي المصري للخدمة الاجتماعية فإن الخلع يسبب شرخا اجتماعيا عميقا، لأن التفكك الأُسري وتشرد الأبناء الناتجين عن الخلع هما حجر الأساس لكل الجرائم الاجتماعية.

ويشير إلى أن “أكثر الطبقات التي تلهث وراء هذا القانون هي الطبقات الثرية، وستصبح الخالعة أكثر خطرًا من المطلقة، لأنها ستشعر بالانتصار، في حين كانت المطلقة تشعر في داخلها بالانكسار، هذا الشعور سيكون دافعًا للتمرّد والمطالبة بالمزيد من الحقوق التي ليست لها، ولا نستبعد ظهور النساء كثيرات الخلع للرجال، وتتحول القضية إلى كوميديا اجتماعية شديدة السواد”.

وأفاد الدكتور محمد الشحات عطا -أستاذ الشريعة في كلية الحقوق بجامعة حلوان- بأن قانون الخلع جاء استجابة للصيحات التي تنادي بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل. وكيف تنادي المتحررات بحقهن في القوامة على اعتبار المشاركة في نفقات الأُسرة إذا كانت المرأة عاملة؟ إنّ إقرار الخلع ترضية لشريحة من المجتمع ويزيد من المشاحنات والمنازعات، ومن يقل إن معدلات الجريمة الناتجة عن تعنت الزوج في حق الطلاق سوف تنخفض، يقلب الحقائق، لأن العكس هو الصحيح، وستشهد الأعوام القليلة المقبلة نتائج شديدة الضرر على المجتمع.

66 بالمئة من قضايا الخلع التي تقدمت بها سيدات مصريات للخلع من أزواجهن تبين خلالها أن الأزواج تعرضوا للضرب على يد زوجاتهم

ونبه إلى أن العلاج يتطلب صحوة إعلامية وتربوية ودعوية، تبين مثالب هذا القانون، وتبين المنهج الإسلامي في إقامة أُسرة سليمة متكاملة، لأن البُعد عن هذا المنهج هو الذي أدى إلى مثل هذه الظواهر.

وشدد الدكتور شوكت رمزي -أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر- على ضرورة العمل على إنشاء مراكز للتوجيه الأُسري على مستوى رسمي، تدعمها الدولة، كحل وقائي، إضافة إلى إنشاء مراكز لإعادة التكييف النفسي والاجتماعي للمخلوعين، من أجل إيجاد أرضية ثقافية وعمل تحول تدريجي للفكر الاجتماعي حتى نتلافى ونقلل من الآثار السلبية لهذا القانون.

وناشد رمزي العاملين في وسائل الإعلام التمهل والدراسة المتأنية قبل تناول هذه القضية الحساسة حتى لا تضيع وسط الزحام. ويطالب بضرورة أن تكون هناك حملات توعوية مكثفة لخلق نوع من القبول الاجتماعي بتغيير الموروث التقليدي للفكر الذكوري.

يشار إلى أن دراسة حديثة رصدت وفق عينات عشوائية أن 55 بالمئة من الزوجات اللاتي لجأن إلى الطلاق والخلع، اشتكين من تقصير أزواجهن في أداء مهامهم الزوجية، بسبب تعاطي العقاقير المنشطة والمواد المخدرة مما سبب لهن أثارا جانبية على المدى الطويل.

وأكدت أن 100 بالمئة من الزوجات اللاتي أقمن دعاوى طلاق وخلع وأقيمت في حقهن دعاوى نشوز وطاعة تعرضن للعنف الجنسي، و10 بالمئة منهن خضعن لإجراءات طبية بسبب تعرضهن لإصابات جسدية نتيجة لذلك العنف، وفق الشهادات المقدمة.

ونقلا عن محاكم الأسرة كشفت إحصائية أن 66 بالمئة من قضايا الخلع التي تقدمت بها سيدات مصريات للخلع من أزواجهن تبين خلالها أن الأزواج تعرضوا للضرب على يد زوجاتهم.

21