موديز تتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم بشأن آفاق الاقتصاد التونسي

تونس - أعطت وكالة موديز للتصنيف الائتماني بارقة أمل للاقتصاد التونسي المتعثر، بفضل تعافي قطاع السياحة، رغم الشكوك في إمكانية تحقيق معدل النمو، الذي تستهدفه الحكومة مع استمرار الوتيرة البطيئة للإصلاح وركود البعض من القطاعات الحيوية.
ويرى اقتصاديون أن الارتفاع المستمر في حجم الدين العام يشكل حجر عثرة أمام الحكومة، وذلك استنادا لتوقعات موديز، التي ذكرت أن معدل النمو هذا العام سيبلغ 2.8 بالمئة، في حين تتوقع الحكومة نموا بنحو 3 بالمئة.
وصنفت موديز تونس عند مستوى بي 2 مع آفاق مستقرة، بعد أن خفضته في العام الماضي إلى درجة بي 1، وهو ما أثار المخاوف باعتبار ارتفاع مخاطر استمرار استنزاف احتياطي النقد الأجنبي في تلك الفترة.
ويلعب التصنيف الائتماني للوكالات الدولية دورا كبيرا في كسب ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، مما دفع الحكومة للدخول في نفق التقشف الإجباري وتنفيذ إصلاحات اقتصادية قاسية لتساعدها على مواجهة الصعوبات المتراكمة وتوفير عوائد إضافية لخزينة الدولة.
وقال إلياس الفخفاخ وزير المالية الأسبق في تصريحات لـ“العرب”، إن “الفرق بين توقعات موديز وحتى صندوق النقد الدولي وبين توقعات الحكومة التونسية ليس كبيرا”.
وأوضح أن المشكلة الأكبر تتمثّل في ارتفاع نسبة التضخم، والتي بلغت مستويات غير مسبوقة عند 7.8 بالمئة الشهر الماضي، في حين أن الحكومة تستهدف معدل سنوي عند حاجز 5 بالمئة.
ويعتقد أن يكون لارتفاع التضخّم انعكاسات كبيرة على الوضع الاقتصادي المضطرب أصلا، في ظل ترجيحات البعض بارتفاع معدل التضخم إلى 10 بالمئة بحلول نهاية 2018، ما يفرض على الحكومة اتخاذ إجراءات طارئة وسريعة لتخفيف الأضرار.
ويعيش الاقتصاد التونسي انتعاشة منذ مطلع العام لأول مرة منذ ثلاث سنوات، بفضل القفزة الكبيرة في قطاعات السياحة والزراعة والخدمات بالأساس.
وذكرت موديز في بيان أصدرته هذا الأسبوع أن الاقتصاد التونسي تحسن كثيرا بفضل تحسن الوضع الأمني وزيادة عوائد السياحة، والتي نمت خلال النصف الأول من العام الجاري بنحو 46 بالمئة، لتبلغ 490 مليون دولار، بمقارنة سنوية.
ويعوّل المسؤولون التونسيون على ارتفاع عوائد السياحة مع استمرار الاستقرار الأمني وتوقع توافد أكثر من 8 مليون سائح بنهاية العام، رغم التجاذبات السياسة وبطء الإصلاحات الاقتصادية.
وتشكّل صناعة السياحة نحو 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتعد من أهم القطاعات لأنها توفر أكبر نسبة من فرص العمل بعد القطاع الزراعي، حيث يضم وفق البيانات الرسمية أكثر من 400 ألف شخص.
ووصف الخبير الاقتصادي معز الجودي في تصريح لـ“العرب” الوضع في تونس بأنه “صعب وخطير”. وقال إن “ارتفاع معدل النمو لا قيمة له في ظل ارتفاع نسبة التضخم”.
ويرى أن النمو ليس مبنيا على جميع محركات الاقتصاد الاستراتيجية، بل هو مبني فقط على تحسن الإنتاج الزراعي والخدمات والإنتاج الصناعي دون تحقيق القيمة المضافة.
ولا يتوقع الجودي أن تصل نسبة النمو إلى 2.8 بالمئة بالنظر إلى ضعف الإنتاج ودخول بعض القطاعات في ركود، مشيرا إلى أن الضبابية التي تخيم على المشهد السياسي تؤخر تنفيذ السياسات الاقتصادية بنجاح.
وفي ظل كل ذلك، تتصاعد التحذيرات من الارتفاع المتواصل لحجم الدين العام بعد توقعات موديز بأن يبلغ 72 بالمئة هذا العام، و73 بالمئة العام المقبل مع تدهور قيمة الدينار وارتفاع الفوائد واستمرار العجز في الموازنة.
وعلقت إليسا باريزي كابوني، نائب رئيس موديز، على ذلك بالقول إن “ارتفاع نسبة ديون تونس في العام الماضي فاقم ضغوط الإنفاق المتوقعة وأن مخصصات بند الرواتب في القطاع العام حد كثيرا من مرونة الموازنة”.
وتعاني التوازنات المالية للحكومة من اختلالات مزمنة بسبب العجز في الموازنة البالغ 6.4 بالمئة، ارتفاعا من 4 بالمئة قبل عامين، نتيجة ارتفاع الديون والإنفاق، وهو ما يجعل السلطات في سباق مع الزمن لإعادة إحياء محركات النمو وتطويق ظاهرة التهريب ومكافحة الفساد.
وقال الفخفاخ إن نسبة الاستدانة تصاعدت بشكل كبير خاصة خلال السنوات الأربع الأخيرة وأن هذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة على توازنات المالية العامة”.
ولفت الجودي إلى أن المديونية تزيد بشكل مقلق. وقال إن “المشكلة الأساسية تكمن في أن الأموال التي تقترضها الحكومة من المؤسسات المالية الدولية تذهب غالبا لتغطية النفقات المتمثلة في مصاريف التسيير والرواتب وترقيع عجز الموازنة”.
ويتفق الخبيران التونسيان على أن تسديد الديون مكلف مع ارتفاع نسب الفائدة، وبالتالي فهي تؤثر على احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة، والتي بلغت وفق آخر الأرقام الرسمية نحو 4.4 مليار دولار.
ويمارس صندوق النقد الدولي ضغوطا على تونس لإصلاح المالية العامة عبر زيادة عوائد الضرائب وإقرار زيادات في أسعار وتجميد زيادة رواتب القطاع العام والعمل على خفضها بتسريح شريحة من الموظفين.