تمائم في حالين

التمائم، جمع تميمة، والتميمة في اللغة، خرزة أو ما يشبهها، تُعلَّق في العنق، ظنّاً، أنها تدفع العين أو تقي من الأرواح الشريرة، أو شيء تنسب إليه قوة سحرية تحمي مالكه، وهي ممارسة غير مستحبة، إذ قيل: مَنْ علَّقَ تميمةً فلا أتمَّ الله له.
ولو توقفنا عند ورودها في الشعر العربي القديم، لكنا بحاجة إلى عدد كبير من الصفحات، ويكفي أن استشهد ببيتين جدّ معروفين، اختلف الرواة في شاعرها، ومنهم من نسبها إلى صبية طائية:
أحبُّ بلاد الله ما بين منعجٍ
إليَّ وسلمى أن تصوب سحابها
بلادٌ بها نيطت عليَّ تمائمي
وأول أرضٍ مسَّ جلدي ترابها
إن الذي أعادني إلى التمائم واستذكارها، ما قرأته أخيرا، عن إنجاز الكاتب العراقي حسين نهابة، كتاباً بعنوان “تمائم حميد سعيد” وكان قبل ما يقرب من عام، قد اتصل بي بشأن معلومات يستكمل بها عمله، لإعداد بحث عن تجربتي، إنسانا وشاعرا، يكتبه باللغة الإسبانية، غير أن ما توفر له من مصادر، جعله يتوسع في ذلك البحث، ليكون كتابا.
وإذ اطلعت على الفصل الأول منه، منشورا في صحيفة الزمان بطبعتيها المحلية والدولية، بعنوان “تمائم حميد سعيد.. مشاهد مدينة تنبثق من الطفولة” أدركت، لمَ اختار مفردة تمائم، لتكون العامل الفاعل في عنوان كتابه.
إن الكاتب حسين نهابة، من أبناء مدينتي –الحلة– وإذا كنّا لم نلتق، بسبب فارق العمر بيننا، ومن ثم إقامتي في عمّان، منذ خريف سنه 2003، غير أنه أدرك أصدقائي ومعارفي، ومنهم، من أقاربه ورموز أسرته، كما أدرك بهذا الشكل أو ذاك، حضوري الاجتماعي والثقافي وأفاد منهما في ما يتعلق بمشروعه من معلومات سيرية، وحين قرأتُ الفصل الأول من كتابه، فاجأني ما استحضر فيه من معلومات تخصني، صار بعضها بعيدا، إلى الحد الذي لا أقول أنني نسيتها، ولكنها لم تعد تحضر في ذاكرتي بوضوح.
وربما، إن ما اقترنت به حياتي أيامذاك، من معطيات ومفارقات ومواقف، تمثل ما يُتوهم للتميمة من دور، هي التي جعلت الكاتب، يختار أن تكون التمائم أساساً في عنوان كتابه، هذا هو الحال الأول. أما الحال الثاني، فقد كنت قبل احتلال بغداد، أشتغل في مشروع شعري، على هامش كتاباتي الشعرية، وكنت أكتب ما يخطر لي من ومضات شعرية في دفتر يكون معي دائما، ولا تتجاوز الومضة الشعرية الواحدة، عشرة أشطر، أكتبها في تسلسل مرقم، وهي جميعاً تحت عنوان “تمائم” أما لماذا اخترت لها هذا العنوان؟ فلأنها تعبّر عن أحاسيس ذاتية، فكأن التميمة تدفع عني التوتر الذي أعيشه في لحظة الكتابة الشعرية.
وحين غادرت بيت الحكمة بتاريخ 9-4-2003، كنت قد تركت الدفتر الذي كتبت فيه التمائم، في مكتبي، ومن المعروف، إن بيت الحكمة، ذلك الصرح الحضاري المهيب، قد تعرض للتخريب والنهب، كما تعرضت لهما جميع المؤسسات العلمية في العراق.
وشاءت المصادفة، أن الذي اختار المكتب الذي كنت أشغله، صيداً، سيتولى في ما بعد مسؤوليات رسمية عديدة، غير أن ما اقترفه في بيت الحكمة يعرفه آخرون، فظلوا يتحدثون عن سرقاته، حتى اضطر يوما إلى أن يدّعي بأنه يحتفظ بدفتر مذكراتي، وهو ادعاء كاذب، فليس هناك مذكرات، بل لم أكن قد كتبتُ مذكرات، ولم أفكر وقتذاك بكتابتها.
وهنا أجدني أقف، بين حالين، حال من سرق مخطوطة شعرية غير مكتملة، وربما مزقها أو حرقها، هي –تمائم– وحال من كتب كتابا بعنوان –تمائم– مهما كانت أهمية هذا الكتاب، غير أنه يعبر عن موقف ثقافي إيجابي وبناء، والفرق بين الحالين، هو الفرق بين الهدم والبناء.