شحنة الكوكايين: العمل الخيري وتبييض الأموال في الجزائر

الجزائر - لا تزال التحقيقات سارية في الجزائر حول ظروف وملابسات الكمية الضخمة من مادة الكوكايين المحجوزة في ميناء وهران، ولا يستبعد أن تأخذ أبعادا أمنية خطيرة، بعد تواتر الأنباء عن ضلوع أطراف شريكة في العملية، معروفة بنشاطها الخيري.
وكانت مصالح جهاز الاستخبارات قد أوقفت كمية من الكوكايين تقدر بـ701 كلغ في ميناء وهران الأسبوع الماضي، في حاويات مصرح بها على أنها تنقل كميات من اللحوم المستوردة من أميركا الجنوبية.
وذكرت مصادر مطلعة، أن المصالح المختصة أشرفت على العملية، من أجل تحييدها عن أي طمس أو تدخل جهات نافذة، باعتبار أن الشركة المالكة للحمولة تعد صاحبة احتكار لنشاط استيراد اللحوم، وتحظى بنفوذ كبير في دواليب الإدارة، ويمتد نشاطها للعقار والبناء والإنشاءات في أرقى أحياء العاصمة والمدن الكبرى بالبلاد.
وتعترف مصادر من اللجنة الدينية بأنها كانت تتلقى دوريا أموالا معتبرة من مالك الشركة لتشييد مختلف مراحل بناء المسجد المتكون من أربعة طوابق، وأن العملية قطعت أشواطا قياسية بسبب المساهمة السخية للمعني الذي كان يظهر في ثوب الرجل المحسن والورع والمحب للعمل الخيري.
وذكر بعض مرتادي المسجد أن “الكثير كان يعتقد أن المسجد المذكور محظوظ مقارنة بالمشاريع الأخرى، نظرا لاستغراق تشييدها سنوات طويلة بسبب ظروف التمويل المتعثرة، والقائمة في الأساس على تبرعات الخواص ومساهمات خزينة الدولة، قبل أن يفتضح الأمر وتطرح مسألة الرقابة الحكومية على مثل هذه الأنشطة”.
ولا يستبعد متابعون للملف أن يمتد التحقيق ليطرح فرضية الصلة بين نشاط اللوبيات المالية المشبوهة في توظيف العمل الخيري وتشييد المساجد والمؤسسات الدينية في أغراض التمويه وحتى الضلوع في تمويل تيارات دينية متشددة تحت غطاء العمل الخيري.
وتحتكر الشركة المذكورة نشاط استيراد اللحوم، الذي وقع تحت طائلة الحظر الحكومي لبعض الواردات خلال الأشهر الماضية، وهو ما أدى إلى تراجع مساهمات المعني في تمويل إتمام تشييد المسجد المذكور، بدعوى تقلص مداخيل الشركة، بحسب مصدر من اللجنة الدينية. وعكست مسألة شحنة الكوكايين المحجوزة مدى تغلغل اللوبيات المالية في مفاصل النشاط التجاري والاقتصادي بالبلاد، لا سيما وأن الشكوك تبقى قائمة بشأن هؤلاء، كون النشاط الأصلي لا يحقق في الحالات العادية العائدات التي حولتهم إلى أثرياء فاعلين ومؤثرين في الحياة العامة.
وذكر ناشط في مجال القصابة أن “الثراء القياسي لمالك الشركة، وتمدد نشاطه للعقار والبناء والإنشاءات في أرقى أحياء العاصمة، لا يمكن أن يكون مصدره الاتجار في اللحوم في أي حال من الأحوال”.
ولم يستبعد أن تكون التجارة في اللحوم غطاء لممارسات محظورة، رغم ما يعرف عن الشركة بأنها تحتكر استيراد اللحوم منذ سنوات بتواطؤ مع جهات نافذة. وأعادت القضية التي هزت البلاد الحديث مجددا عن تصريحات كان قد أدلى بها وزير التجارة الراحل بختي بلعايب نهاية العام 2016.
وقال بلعايب حينئذ إنه “تم تهديده من طرف أحد اللوبيات داخل وزارته بسبب منعه لتفريغ حمولة من قطع الغيار المغشوشة وإنه عاجز عن غلق حتى محل لبيع البيتزا”.
وهو ما يطرح مسألة استشراء الفساد بسبب نفوذ اللوبيات المالية في مراكز القرار، ومدى التواطؤ الذي تحظى به داخل المؤسسات الرسمية.
وكان تفرد وزارة الدفاع بنشر بيانات تفصيلية عن عملية ضبط شحنة الكوكايين، قد انطوى على رسائل تكرس تفرغها للحرب على الاتجار بالمواد المحظورة والتهريب بالموازاة مع حربها على الإرهاب والتطرف، والعمل على تجفيف منابع تمويل التنظيمات المتطرفة والسرية، وترصّدها للأنشطة المشبوهة التي قد تستفيد من غفلة أو اختلالات المؤسسات الرسمية الأخرى.
وبات الثراء السريع لبعض الوجوه مثيرا للاستفهام حول استشراء الفساد في البلاد، والعلاقة المشبوهة لبعض اللوبيات مع دوائر نافذة في السلطة، حيث كثيرا ما يظهر هؤلاء في خندق الداعمين لقرارات وتوجهات سياسية للسلطة منذ تفجير فضيحة مجمع الخليفة للمصارف والطيران في مطلع الألفية.
كما بات دور الرقابة الحكومية على القطاعات التجارية والاقتصادية محل تساؤلات عميقة، في ظل توالي الفضائح المتصلة بممارسات اللوبيات النافذة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل الحديث الذي يدور حول وقوف لوبي بعض رجال الأعمال وراء الإطاحة برئيس الوزراء السابق عبدالمجيد تبون، بعدما أظهر فور تنصيبه في مايو 2017 نية حقيقية لشن حرب ضروس على الفساد.