صنعة الكتابة

محمد زفزاف يحفر عميقا في منجم أدبه ويستخرج منه لآلئ ونفائس، ينحت منها كنزه السردي، يعد من بين أثمن الثروة الأدبية الحديثة في المغرب وعربيا.
السبت 2018/06/02
الكاتب المنحاز إلى الفئات المسحوقة

هذا العنوان “صنعة الكتابة” مجتزأ من عنوان كتاب صدر مؤخرا في العاصمة المغربية الرباط، بعنوان “محمد زفزاف.. صنعة الكتابة”، والكتاب الذي نحن بصدده صدر في الذكرى السادسة عشرة لرحيل القاص والروائي المغربي محمد زفزاف، من تأليف جماعة من الأدباء والباحثين ومن إعداد وتنسيق الروائي والأكاديمي أحمد المديني، وهو من منشورات المكتبة الوطنية المغربية، ويضم دراسات كتبها نقاد ومبدعون وأكاديميون، تناولت تجربة محمد زفزاف، قاصا وروائيا، وشهادات أدلى بها أصدقاء زفزاف ومجايلوه، أضيئت من خلالها جوانب من سيرته وعمله الإبداعي،  وكان العام الماضي قد شهد إصدار كتاب عن الشاعر المغربي الراحل أحمد المجاطي، رافق صدوره احتفال احتضنته المكتبة الوطنية المغربية، كما كان ذلك مع كتاب “صنعة الكتابة” في هذا العام، وعلمت بأن العام القادم سيشهد صدور كتاب جديد يرافق صدوره احتفال ثقافي عن الكاتب الرائد عبدالمجيد بن جلون.

وإذ كانت لي شهادة عن الشاعر أحمد المجاطي، فلم أكن بعيدا عن الجهود التي بذلها أحمد المديني في الكتابين سالفي الذكر، منذ بداية الفكرة حتى صدورهما، واقترانهما باحتفال ثقافي، إذ كان يحاورني في ما يتعلق بمشاركة الكتاب المشارقة، بل لقد تابعت بعضا منهم بشأن إنجاز مقالة أو شهادة.

ولولا ما عرف عن المديني من جدية وصبر وقدرة على المتابعة، لما ظهر الكتابان المذكوران، بل لما كان هذا المشروع الثقافي.

لقد كنت على علاقة طيبة بمحمد زفزاف، أتابع ما يكتب ويتابع ما أكتب، وترجم عددا من قصائدي إلى الفرنسية ونشرها في الطبعة الفرنسية من صحيفة البيان المغربية وفي صحف أخرى، وكان يحرص على أن يبعث بالأعداد التي تنشر تلك الترجمات على عنواني البريدي، بل لقد تبادلنا عددا قليلا من الرسائل وفي فترات متباعدة، وأذكر أنني كنت العربي الوحيد من غير المغاربة الذي حضر ليلة زواجه الذي لم يدم طويلا، وقد أحيته فرقة غنائية شعبية على سطح العمارة التي كان يسكن فيها بحي المعاريف في مدينة الدار البيضاء، وإذ كان يواصل جهده الإبداعي، حتى كأن لا صنعة له إلا صنعة الكتابة فمن النادر أن يتحدث عن نفسه أو عما يكتب، وقد التقينا في مناسبات كثيرة مع أدباء وكتاب وفنانين، في الدار البيضاء وطنجة وبغداد والبصرة، فلم أسمع منه إلا تعليقات عابرة يتخللها صمت طويل أو نكتة ذكية ومختصرة، فلا يطيل ولا يسهب كما هو كذلك في كتاباته القصصية والروائية، كما كتبت عنه وتناولت في ما كتبت معرفته بمجتمع قاع المدينة وهو في هذا الجانب يشارك صديقه الأثير محمد شكري، وأستطيع القول، وقد عرفتهما عن قرب معا، إن محمد زفزاف كان أكثر عمقا من شكري في ما كتب عن مجتمع قاع المدينة.

وعن هذا الأمر يقول القاص أحمد بوزفور “هو الكاتب المنحاز إلى الفئات الشعبية المسحوقة والمعبر عن مصالحها، ومن جهة أخرى، الكاتب الحر الذي يستطيع أن يقف ليس فقط في وجه السلطة، بل وكذلك في وجه المجتمع إذا لزم الأمر، وحتى في وجه الفئات التي ينحاز إليها، إذا كان ذلك لصالح الحداثة والمستقبل ولصالح الدخول إلى العصر مع الداخلين، بدل الاستسلام لدعة الخصوصية وسكون الهوية والتمسك الأعمى بالاستثناء الأعمى”.

ومما لم أجد أي خلاف بشأنه، في الوسط الأدبي المغربي، بل في الوسط القارئ، وهنا يكون الأمر نسبيا، فالوسط القارئ بالنسبة لي هو الوسط الذي عرفته من مثقفين وسياسيين وإعلاميين، إن محمد زفزاف وكما يصفه المديني يحفر عميقا في منجم أدبه ويستخرج منه لآلئ ونفائس، ينحت منها كنزه السردي، يعد من بين أثمن الثروة الأدبية الحديثة في المغرب وعربيا.

14