الرأسمال الرمزي والنقد الثقافي

المفكر أنطونيو غرامشي قد انتبه مبكرا إلى هذا الترابط العضوي كما انتبه إليه بعده كل من المفكر الفرنسي لوي ألتوسير والناقد الثقافي البريطاني رايموند وليامز وغيرهما قليل.
الجمعة 2018/06/01
البنية الثقافية الفوقية إحدى خصائص المجتمع الجزائري (لوحة معتز الإمام)

يبدو أن أغلب النقد الثقافي اليساري المعاصر لا يهتم إلا قليلا بالجانب التطبيقي الذي يسبر دور الرأسمال الرمزي في صنع التاريخ وتقرير مصير حركته في مختلف المجتمعات بما في ذلك مجتمعاتنا من المحيط إلى الخليج، وهذا يعني قلة الدراسات الفكرية النظرية المكرسة للنظر في العلاقة الترابطية بين البنية التحتية وبين البنية الفوقية ودور هذا الترابط في صنع ما يسمى اصطلاحا بالكتلة التاريخية، التي تعني تضافر الثقافي والروحي والمادي معا في أي مجتمع.

ولا شك أن المفكر أنطونيو غرامشي قد انتبه مبكرا إلى هذا الترابط العضوي كما انتبه إليه بعده كل من المفكر الفرنسي لوي ألتوسير والناقد الثقافي البريطاني رايموند وليامز وغيرهما قليل.

وفي هذا الخصوص فقد وجدت كتابات المفكر الفرنسي بيير بورديو المكرسة للمجتمع الجزائري أثناء الحقبة الكولونيالية مؤسسة على تضافر ركائز نظرية وتطبيقية متطورة حيث قدَم فيها مفهوم الرأسمال الرمزي بشكل مبتكر علما أن بناءه لنظرية الرأسمال الرمزي يدخل أيضا في نطاق إبراز دور الثقافة والقيم والبعد الروحي في صنع التاريخ.

من الملاحظ أن مساهمة بورديو قد ساعدت ولا تزال تساعد في كسر جمود النظرية التقليدية التي تزعم أن البنية المادية هي التي تحدد فقط شكل ودرجة وعي البشر.

ففي تحليل الباحثة بريجيت فولر لمفهوم الرأسمال الرمزي عند بورديو وخاصة في أعماله التي تناولت بالدراسة والتمحيص الجزء الشمالي من المجتمع الأمازيغي الجزائري على نحو تجريبي أكدت أن “كلا من المجتمعات ما قبل الرأسمالية والرأسمالية قد نظمت على أساس الرأسمال الرمزي”.

 كما اقتبست المقطع التالي من  كتابات بورديو الذي يبرز فيه خصائص بعد الرأسمال الرمزي في المجتمع الأمازيغي الجزائري هكذا “فالجزائريون يمتلكون إحساسا صارما بالشرف، والشهرة والكرامة، وهذه العناصر منظمة بواسطة التقسيم الجنسي للعمل. إن الشرف – وليس تراكم المال أو الرأسمال- هو الذي يدفعهم ويحركهم”.

لا شك أن هذا الاستنتاج الذي توصَلت إليه بريجيت فولر نجد مضامينه أكثر وضوحا في كتابات بورديو التي نقتطف منها قوله “إن إحدى خصائص المجتمع الجزائري تبدو في أن البنية الثقافية الفوقية وعنصر الإحساس بالشرف، والكرامة جزء منها، هي التي تحرك التاريخ داخل هذا المجتمع″.

يبرز بورديو أيضا أن “النقص الذي كان يعاني منه المجتمع الجزائري بشأن التحكم في الطبيعة قد تمَ تعويضه بالتنظيم الاجتماعي، وبخاصية ‘الشرف الاجتماعي’ الذي يدعوه بالرأسمال الرمزي.

إنَ مصطلح “الشرف الاجتماعي” في نظر  بيير بورديو لا يقتصر على المواقف والممارسات الأخلاقية فقط وإنما يشمل كذلك المواقف الثقافية من علاقات العمل وعلاقات الإنتاج وهنا ينبغي التوضيح أنه لا يسقط في النزعة المثالية لأنه لا يستبعد من تحليلاته القوة التأثيرية للعوامل المادية في تشكيل تاريخ أي مجتمع.

15