التمكين الديني للمرأة ضمانة تحمي الأسرة والمجتمع في مصر

"تأنيث" إدارة المساجد تحصين ضد الأفكار المتطرفة، والرقابة على المساجد معضلة كبرى في المناطق النائية.
الخميس 2018/05/31
حضور ديني وليس سياسيا

القاهرة - أكدت وزارة الأوقاف المصرية، أن قرار تعيين سيدتين بمجلس إدارة كل مسجد في جميع أنحاء الجمهورية، يهدف إلى تبني قضايا المرأة والأسرة والطفل، وكي يكون لها تمثيل في العمل الديني، ما ينعكس على التوسع في عرض قضايا الأسرة التي كانت غائبة عن المساجد التي يحتكر إدارتها الذكور.

وسبقت هذه الخطوة المهمة في نظر الكثير من المراقبين، الاستعانة بسيدات واعظات، تم تعيينهن في المساجد داخل مصليات السيدات، للقيام بكل ما يقوم به الدعاة الرجال، وتم تحديد يومين أسبوعيا لهن لإلقاء المحاضرات في موضوعات تخص المرأة والأسرة.

تبدو الشروط التي يتم من خلالها اختيار عضوات بإدارات المساجد قريبة من مواصفات الواعظات، بحيث تكون كل منهن من خريجات مراكز إعداد الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف، وحظيت من قبل بالمشاركة في محاضرات وندوات على أيدي علماء مشهود لهم بالوسطية والاعتدال.

وقال مصدر بوزارة الأوقاف لـ”العرب” إن التوسع في التمكين الديني للمرأة بمصر، يرتبط بمساعي تجديد الخطاب الديني، والتركيز على النساء يتعلق بكونهن عناصر فاعلة ومؤثرة في الأسرة والحياة السياسية برمتها، واختراقهن فكريا خطر على استقرار المجتمع.

وأضاف “عندما تكون المرأة مثقفة ومنفتحة، ويتم إبعاد العناصر النسائية المتطرفة عنها، فإن ذلك ينعكس على أسرتها وتربيتها لأولادها”، لافتا إلى أن بعض السيدات يجدن في التجمعات النسائية بالمساجد فرصة لنشر أفكارهن المتطرفة واستثمار غياب الرقابة على المصليات.

من توصيات حسن البنا، التركيز على دور المرأة والرفع من شأنها  لاستخدامها كوسيلة لاختراق الأسر المختلفة

وتمثل مصليات السيدات في المساجد معضلة كبيرة لوزارة الأوقاف، حيث لا تستطيع الوصول إلى ما يجري بداخلها، أو معرفة الأفكار التي تطرح، ولا يستطيع إمام المسجد أو أحد معاونيه دخول المكان، والحيلولة دون مناقشة موضوعات بشكل يزرع التطرف الفكري عند النساء.

على مدار عقود مثلت ساحات السيدات في المساجد موطئا لتجنيد واستقطاب ونشر الفكر الإخواني بين الحاضرات. وتركز الجماعة على السيدات في نشر المضامين الشاذة بينهن، بحكم كونهن نواة للأسرة ومن خلالها تنتشر الأفكار أسرع وأشمل بين أفراد المجتمع.

كانت من ضمن توصيات حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان الموصوفة بالإرهاب في مصر، في كتابه مذكرات الدعوة والداعية، التركيز على دور المرأة والرفع من شأنها لنشر الأيديولوجيا الفكرية للجماعة واستخدامها كوسيلة لإقناع واختراق الأسر المختلفة عن طريق ربات المنازل.

وعلى النهج ذاته سارت الجماعات السلفية التي سعت لنشر مذاهبها المتشددة بين الأسر عن طريق السيدات الحاضرات باستمرار في مساجد الدعوة السلفية.

تكمن المشكلة في المعاهد والمراكز التابعة للتيارات الدينية التي لا تزال تحتضن متشددين، يقومون بتخريج واعظات وداعيات، أكثرهن يمارسن أدوارا مشبوهة في مصليات السيدات، في حين لا تعترف الحكومة المصرية بأي خريج من هذه المعاهد لأنها غير رسمية.

وأزمة سيطرة الرجال على دور العبادة في مصر طوال السنوات الماضية، وسعت من دائرة الجهل الديني عند السيدات، ما جعل فئة منهن يلجأن للحصول على معلومات وتفسيرات دينية من عناصر نسائية محسوبة على تيارات متشددة داخل المصليات.

في موقع الوعظ وليس الاتعاظ
في موقع الوعظ وليس الاتعاظ

وترى وزارة الأوقاف، أن الاستعانة بسيدات في عضوية مجالس إدارات المساجد، خطوة مهمة نحو الاهتمام بالمصليات حتى لا تعاني السيدات من الإهمال كما يحدث حاليا، على أن يتم فحصها وتوفير كل الاحتياجات اللازمة لها، فضلا عن زيادة عدد الواعظات والدروس الدينية التي تهم الأسرة.

ويعتقد مراقبون أن إحكام السيطرة على مصليات السيدات خطوة تأخرت كثيرا، لأن العناصر النسائية التي تتبنى أفكار الجماعات المتشددة زرعت مفاهيم مغلوطة لدى النساء، واستغلت المصليات التي تكون ملحقة بالمساجد وبعيدة عن أعين السلطات.

وقال هؤلاء، إن التمكين النسائي في المساجد خطوة نحو مواجهة الفرع الدعوي النسائي لتيار التطرف عموما، لأن جماعة مثل الإخوان تمتلك هذا الفرع وأنشطته بما لا يقل خطورة عن نظيره الرجالي، ويعتمد على استقطاب السيدات والنفاذ إلى الأسر عن طريق الأم أو الأخت.

وينشط الفرع النسائي في التيار الإسلامي بشكل واسع في محيط المناطق الشعبية والريفية، التي يعتمد فيها أنصار الفرع على ارتفاع معدلات الأمية والتمسك بالعادات والتقاليد والالتزام الديني غير القابل للنقاش أو المهادنة، ولا يجد هؤلاء صعوبة في نشر أفكارهم، وربما يستمر نفس الوضع لأن تعيين نساء بإدارات مساجد هذه المناطق أمر صعب وقد لا يكون مقبولا من الرجال.

وأوضح متخصصون في الشؤون الدينية، أن التصدي للجذور الفكرية للجماعات المتشددة في مصر، لا يمكن أن ينجح عن طريق الرجال فحسب، أو يقتصر الخطاب الديني المعتدل، دون التطرق إلى توجيه خطاب ديني مماثل للنساء، باعتبارهن أكثر العناصر المؤثرة في الأسرة.

استغلال المصليات لبث الأفكار المتطرفة
استغلال المصليات لبث الأفكار المتطرفة

وقال نشأت زارع، كبير أئمة وزارة الأوقاف، لـ”العرب”، إن العبث بعقول السيدات داخل المصليات يرتبط بغياب الحديث عن قضاياهن في خطب الجمعة والدروس الدينية بالمساجد، لافتا إلى أن عدد الخطب التي توزعها الوزارة على الأئمة وتخص المرأة والطفل والأسرة، لا تتخطى أربع خطب في العام الواحد.

وأضاف أن “نجاح خطة وزارة الأوقاف في السيطرة على مصليات السيدات بالمساجد، مرهون بإبعاد الأئمة والخطباء السلفيين، لأن نظرة هؤلاء إلى المرأة سلبية للغاية، ويتعاملون مع قضاياها ومشكلاتها باستخفاف”، مؤكدا أن اختيار الأئمة الوسطيين هو الباب السليم للقضاء على التشدد.

ويشير مؤيدون إلى أن توجه وزارة الأوقاف المصرية للاستعانة بالسيدات في إدارات المساجد والمصليات، يصطدم بذكورية المجتمع الذي لا يقبل أكثره بمشاركة المرأة في توجيه دفة الخطاب الديني، ما يجعل من وجودها في إدارة المساجد “أمرا شكليا، وإذا قبلت الأسرة بذلك، سوف يرفضه الأئمة من ذوي الفكر المتطرف”.

ودرجت وزارة الأوقاف المصرية على التأكيد أنها أبعدت السلفيين عن الإمامة والخطابة في المساجد التي تسيطر عليها، لكن نشأت زارع، تتمسك بوجود نحو 7 آلاف خطيب وإمام من التيار السلفي مازالوا يعملون، وهؤلاء تم تعيينهم في الفترة التي أعقبت سقوط نظام حسني مبارك، عقب ثورة 25 يناير 2011.

وتظل الرقابة على المساجد في مصر معضلة كبرى، ولا سيما في المناطق النائية التي ينشط فيها الفكر المتطرف، ما يشكل تحديا لاستراتيجية تجديد الخطاب الديني التي يدعمها الرئيس عبدالفتاح السيسي ويدعو إليها منذ 4 سنوات، دون أن تفضي إلى نتائج ملموسة على الأرض.

13