أكاديمية اللغة الأمازيغية ورهانات النظام الجزائري

في الحديث الذي أجرته معها يومية الخبر الجزائرية ونشرته على صفحاتها الثلاثاء الماضي توصّلت الباحثة الجزائرية داليا غانم يزبك، التي تعمل في معهد كارنيجي الأميركي، إلى تشخيص أهم مكوَنات تضاريس الخارطة السياسية الجزائرية وإبراز السيناريوهات التي يعمل على إنضاجها النظام الجزائري لضمان بقاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في قصر المرادية لعهدة خامسة.
حيث أكدت قائلة “لا أعتقد أن الرئيس بوتفليقة سيستمع إلى الدعوات التي تدعوه إلى عدم الترشح لعهدة خامسة حيث أنه من الأهم أن نتذكر أنه إلى جانب الطريقة التي يعمل بها النظام، يتألف هذا النظام من أشخاص، ومن ثم فإن علم نفس وبسيكولوجية هؤلاء يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
طبيعة الرئيس بوتفليقة تشير إلى أنه يريد المكوث في السلطة إلى الأخير، وربما يكون ذلك انتقاما من التاريخ الذي وضعه خارج النظام عند وفاة الرئيس بومدين”. وفي هذا السياق تضيف داليا غانم يزبك موضحة أن النظام الجزائري سوف يمارس ما تدعوه “بالسماح بمشاركة سياسية أكبر، والاعتراف بالأقليات الإثنية ودعوة أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني إلى الانضمام إلى المشاورات مع الحكومة وتبنّي سياسة وطنية للشباب”.
لا شك أن النقطة الأخيرة المتصلة بالاعتراف بالإثنيات ذات أهمية بالغة في فهم الاستراتيجيات التي تعمل جماعة الرئيس بوتفليقة على تنفيذها على مراحل لضمان استقطاب المواطنين إلى صفه خلال مرحلة الشروع في الانتخابات الرئاسية في عام 2019.
وهكذا نفهم أن الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية، وبعد ذلك الاعتراف بها كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، وكذا الإعلان عن مشروع إنشاء أكاديمية اللغة الأمازيغية، تمثل مجتمعة سياسات الجرعات التي ينتهجها الرئيس بوتفليقة والنظام السياسي الذي يدعمه.
على أساس ما تقدّم فإن الآراء التي تذهب إلى القول بأن إنشاء أكاديمية اللغة الأمازيغية تمثّل خطوة على الطريق الصحيح لإبعاد اللغة الأمازيغية عن المزايدات السياسية خاطئة تماما، لأن هذه الأكاديمية سوف لن يشرف عليها ماديا وتوجيها وتسييرا المجتمع المدني وروابطه الثقافية والفكرية والفنية والأدبية واللغوية، أو الحركة الثقافية الأمازيغية عينها، بل هي مشروع خاص بالنظام الجزائري الحاكم بقيادة الرئيس بوتفليقة نفسه حيث أن هذا الأخير هو الذي سيقرَر الأسماء المكوّنة لقيادة هذه الأكاديمية التي ينتظر أن يكون أعضاؤها الأساسيون، ورئيسها وأمانتها العامة ولجانها الوطنية على مستوى عاصمة البلاد، والفرعية على مستوى المحافظات في الجزائر العميقة من أبناء النظام الحاكم الذين يشكّلون طاقم الموالاة للنظام وللعهدة الخامسة أو للمرشح الذي سيختاره الرئيس بوتفليقة في حالة تفاقم مرضه واستحالة عودته إلى المسرح السياسي بصفة نهائية.
وفي الواقع فإن أحد الأهداف المركزية للنظام الجزائري من وراء إعلانه عن مشروع أكاديمية اللغة الأمازيغية هو تبرئة ذمته من قضية الحروف التي ستكتب بها اللغة الأمازيغية بصفة رسمية في المستقبل، وذلك عن طريق تكليف هذه الأكاديمية والمخابر العلمية التي ستنشأ وتسند إليها مهمة البحث اللغوي باختيار الحروف الملائمة، وهذا يعني سياسيا أن النظام يريد ينأى بنفسه لكي يظهر أمام الرأي العام الجزائري بأنه بعيد عن فرض أبجدية اللغة الأمازيغية، غير أن كل القرائن تشير إلى أن النظام الجزائري الحاكم متأرجح في مواقفه بخصوص هذه المسألة. حيث نجده لا يرى مانعا في إرضاء التيار الأمازيغي الفرنكفوني الذي يشدَد في طلبه أن تكتب اللغة الأمازيغية بالحروف اللاتينية، والدليل على هذا هو أن وزير الداخلية الجزائري نورالدين بدوي قد سمح لوزارته بكتابة بيان التسجيلات لموسم الحج لهذا العام بالحروف اللاتينية الأمر الذي أثار انتقادات ضده سواء من طرف بعض الصحف التابعة للقطاع الخاص، أو من طرف مجموعة من أعضاء البرلمان التابعين لأحزاب المعارضة التي رفضت ولا تزال ترفض استخدام الحروف اللاتينية بل طالبت باستخدام إما الحروف العربية وإما حروف التيفيناغ.
وفي تقدير الملاحظين السياسيين فإن مسألة اختيار الحروف التي ستكتب بها اللغة الأمازيغية هي من أخطر المشكلات التي يمكن أن تفجّر الوضع الجزائري، لأن التيار الأمازيغي الراديكالي لن يقبل بالحروف العربية، كما أن التيار القومي العربي والتيار الإسلامي لن يسمحا باستخدام الحروف اللاتينية التي سوف تكرَّس بشكل مباشر التبعية لفرنسا ومشاريعها الثقافية في الجزائر وتطمس في الوقت نفسه خصوصية الهوية التاريخية للجزائر وللغة الأمازيغية نفسها.
هناك قضية أخرى لا تقلّ تعقيدا عن قضية تباين وجهات النظر تجاه الحروف الملائمة للغة الأمازيغية، وتتمثل في الصعوبات التي سوف تقف دون إخراج هذه اللغة من الطور المحكيّ الدارج إلى طور اللغة الفصحى التي تكتنز المفاهيم والمصطلحات الفكرية والعلمية، وكل ما يتصل بمجالات لغة النقد الثقافي والأدبي والفني التي تفتقد إليها الأمازيغية على مدى قرون من الزمان.
لم تسع الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا إلى الاعتماد على شرائح العلماء والمفكرين الذين لهم القدرة على صنع مثل هذه المفاهيم التي تغطي مختلف الحقول المعرفية النظرية في مجالات العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والفنون. وبسبب ذلك نرى أن النظام الحاكم في الجزائر يراهن على اللغة الأمازيغية من أجل أغراض سياسية تضمن له البقاء في الحكم وليس كقضية ثقافية ذات علاقة عضوية بعمليات بناء الهوية الوطنية، بعيدا عن مزايدات الصراعات على السلطة.