التوافق بين نداء تونس والنهضة يستنفد كل عوامل تسويقه السابقة

تونس- استنفدت في تونس كل السيناريوهات التي تسوق لفكرة التوافق السياسي بين حركتي نداء تونس والنهضة. إذ يرى نداء تونس أن تحالفه مع النهضة أضر كثيرا بصورته وبوزنه في المشهد السياسي في البلاد.
وأكد عضو في البرلمان التونسي أن نداء تونس لن يستمر في تحالفه الاستراتيجي مع حركة النهضة، مؤكدا أن هذا التحالف والتوافق أضرا كثيرا بحزب نداء تونس.
وقال محمد رمزي خميس، عضو مجلس نواب الشعب في تونس لـ”العرب”، إن “التحالف الاستراتيجي الذي كان لحركة نداء تونس مع النهضة لن يتواصل مستقبلا، فهو تحالف أضر بنا كثيرا”. وأضاف “التوافق الذي يتحدثون عنه هو توافق مصلحة ونحن ضد هذا الأمر إلا إذا كان توافقا يخدم مصلحة الوطن”.
عرّى قرار تعليق العمل بوثيقة قرطاج طبيعة الخلافات بين الأحزاب والمنظمات التونسية وأظهر درجة تفاقمها إلى مستوى لا يمكن أن تستوعبه كل محاولات التهدئة والحوار البناء، لكنه كشف أيضا عن سقوط كل السيناريوهات التي كان يتم اللجوء إليها في السابق لتسويق فكرة وجود توافق سياسي بين حركتي الحكم نداء تونس والنهضة
وأوضح خميس أن التعامل داخل البرلمان بين كتلتي نداء تونس والنهضة سيكون بالتوافق حول البعض من المواضيع وبالاختلاف في مواضيع أخرى بحسب ما تفرضه وجهات النظر بين الكتلتين. وأفاد بأنه فيما يتعلق بالمجالس البلديات ربما تكون هناك تحالفات بين نداء تونس والنهضة بحسب ما يراه مستشارو البلديات مناسبا.
وأصدر نداء تونس بيانا إثر انعقاد اجتماع الاثنين شاركت فيه قيادات بارزة في الحزب ومن بينهم وزراء في الحكومة وأعضاء في البرلمان، وأكد خلاله أنه “يرفض تلقي أي دروس من أي كان في الحرص على المصلحة الوطنية واستقرار البلاد”.
وتستعمل حركة النهضة مصطلحي “مراعاة المصلحة الوطنية” و”المحافظة على الاستقرار السياسي” كثيرا في بياناتها وتصريحات قياداتها خلال هذه الفترة، موجهة الانتقادات إلى حركة نداء تونس بسبب تمسكها بإقالة رئيس الحكومة.
ويأتي هذا الموقف من نداء تونس كرد على حركة النهضة، التي أكدت على لسان العديد من قياداتها وعلى رأسهم زعيم الحركة راشد الغنوشي، أن على الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج القيام بتنازلات خدمة للمصلحة الوطنية ولاستقرار البلاد في إشارة إلى كل من حركة نداء تونس والاتحاد العام التونسي للشغل اللذين يتمسكان بتغيير كلي للحكومة ولرئيسها.
وعقد الحزبان تحالفا سياسيا منذ فوزهما في الانتخابات التشريعية التي جرت في العام 2014 لتشكيل الحكومة حينها، وامتد تحالفهما إلى كتلتيهما البرلمانيتين وتمرير العديد من مشاريع القوانين التي تفرض المصادقة عليها الحصول على أغلبية.
ولطالما رددت المعارضة أن التوافق بين نداء تونس والنهضة ليس حقيقيا ووصفته بـ”التوافق المغشوش”. وترى هذه الأوساط أن التقارب بين الحزبين رغم اختلافاتهما الأيديولوجية، باعتبار أن نداء تونس حزب علماني في حين أن النهضة حركة إسلامية تنتمي إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، زاد من المشكلات التي تعانيها تونس بما أنه تقارب لم يقدّم حلولا بل ساهم في تعقيد الأوضاع.
واعتبر بيان نداء تونس “الحكومة الحالية التي تمخضت عن اتفاق قرطاج1 كمرجعية سياسية جامعة قد تحولت إلى عنوان لأزمة سياسية أفقدتها صفتها كحكومة وحدة وطنية”. وذكر البيان أن “المصلحة الوطنية واستقرار البلاد ينبغي أن يخرجا عن دائرة المزايدات الحزبية والابتزاز السياسي”.
ووفق نفس المصدر أعربت حركة نداء تونس عن “رفضها أن تكون أداة من أدوات ضرب التوافق الاجتماعي والسياسي الذي يمثل الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية أحد دعائمه الأساسية”.
وكان مجلس شورى حركة النهضة قد فوض خلال اجتماعه، الأحد، لرئيس الحركة راشد الغنوشي “مواصلة الحوار مع الأطراف السياسية والاجتماعية الشريكة بما يضمن الاستقرار ويدعم مسار الوحدة الوطنية وخيار التوافق الذي ميز تجربتنا التونسية طيلة السنوات الماضية”.
وتواترت ردود الفعل من قبل قيادات النهضة ونداء تونس، مبيّنة أن الطرفين يحاول كل منهما اتهام الآخر ولو ضمنيا بأنه سبب في تعقيد الأوضاع السياسية في البلاد. وتتهم حركة نداء تونس النهضة بأنها استغلت الأوضاع والتحالفات السياسية لخدمة أجندتها ومصالحها الحزبية الضيقة.
وقال خميس إن “نداء تونس لم يساوم أبدا ولم يقم بابتزاز الدولة للحصول على مكاسب معيّنة عكس شريكنا في الحكم الذي لم يفوت أي فرصة ليحاول خلالها تحصيل مكاسب له”.
وأكد أن أولوية نداء تونس في الوقت الحالي هي الخروج بتونس من “المأزق”، معتبرا أن حكومة يوسف الشاهد لم تعد حكومة وحدة وطنية لأنه لم يعد هناك توافق حولها وأنها من بين أسباب الأزمة التي تعيشها البلاد. وصرح خميس بأن “حركة النهضة والبعض من المناصرين لها أوهموا يوسف الشاهد بأن النهضة ستحميه”.
وفي المقابل، قال رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني إن قرار تغيير الحكومة أمر غير مقبول ويهدد استقرار البلاد في انتقاد واضح لموقف نداء تونس الداعي إلى إقالة رئيس الحكومة وفريقه.
وأفاد بأن “وصف نداء تونس العمل الحكومي بالفاشل هو تقييم غير موضوعي”. ورد على قول المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي بأن “الحكومة فشلت فشلا ذريعا”، معتبرا أنه “إذا تحدث عن فشل الحكومة فهو يتحمل المسؤولية في ذلك باعتباره مسؤولا في الحزب الأول الحاكم”.
وتم تعليق العمل بوثيقة اتفاق قرطاج بقرار من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بعد تعثر المفاوضات بشأن تغيير تركيبة حكومة يوسف الشاهد أو إقالتها.
وشهدت الأسابيع الماضية في تونس مشاورات ماراثونية ناقشت التعديلات التي يجب إدخالها على نص وثيقة قرطاج وإعداد نسخة جديدة من الاتفاق.
وكانت وثيقة قرطاج التي وقعت عليها أحزاب ومنظمات تونسية بارزة في يوليو العام 2016 القاعدة التي تشكلت على أساسها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد في أغسطس من نفس العام.