مقاومة إلكترونية لضريبة الوثائق البيومترية في الجزائر

الجزائر - وجدت الحكومة الجزائرية مقاومة إلكترونية شديدة على شبكات التواصل الاجتماعي للرسوم الإضافية التي أقرتها في مشروع قانون المالية التكميلي للعام 2018، من أجل تعزيز مداخيل الخزينة العمومية، وضمان تغطية جزئية للعجر الداخلي الذي فاق 24 مليار دولار، ولم تتمكن عبر تدخل كل من رئاسة الوزراء ووزير الداخلية من لجم موجة الانتقادات التي تلاحقها.
وأمام حالة الفراغ والركود السياسي التي تعيشها البلاد في الآونة الأخيرة، مكنت الإجازة غير المعلنة للبرلمان، وتواري الطبقة السياسية والحزبية عن الأضواء من بروز مقاومة إلكترونية على شبكة الإنترنت للمشروع الحكومي، خاصة مع المعالجة المالية لما اعتبره ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي “مساسا بالرموز الوطنية، كما هو الشأن بالنسبة لوثيقة بطاقة التعريف الوطنية”.
وعلاوة على الأصوات التي دعت إلى رحيل رئيس الوزراء أحمد أويحيى من منصبه، وذكّرت بمساره المهني والسياسي المعادي للطبقات الاجتماعية الهشة، فإن المبررات التي قدمتها الحكومة لقرارها، فاقمت من موجة الانتقادات.
وكان مشروع قانون المالية التكميلي قد أُخضع لقراءة ثانية من طرف مؤسسة الرئاسة، حيث ظهرت بصمة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة على النسخة الثانية من المشروع، إذ أزاح منه توجه الحكومة لفتح العقار الزراعي المملوك للقطاع العام أمام الاستثمارات الأجنبية، لكنه أبقى على الضرائب والرسوم على الوثائق البيومترية، كبطاقة التعريف الوطنية، جواز السفر، رخصة السياقة وبطاقة تسجيل السيارات والمركبات.
وعبر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي عن رفضهم لخطوة الحكومة، بتنظيم حملة لرحيل رئيس الوزراء، ومقاطعة الوثائق المذكورة، والتنديد بالمساس برمزية بطاقة الهوية، وإضفاء الحكومة الطابع التجاري على وظيفتها، بعد تصريح وزير الداخلية والجماعات المحلية نورالدين بدوي للصحافيين بأن “استخراج الوثائق البيومترية يكلف خزينة الدولة أموالا معتبرة، وأن دائرته الوزارية أخضعت العملية لمبدأ تغطية الكلفة وتحقيق هامش ربح”.
السلطة الجزائرية قد تضحي ببعض رموزها، لأن الأجندة السياسية تتطلب مهادنة الشارع
وذكر بيان لرئاسة الوزراء أن “الانتقادات التي طالت الحكومة بخصوص الضرائب الجديدة والزعم بتأثيراتها على القدرة الشرائية للمواطنين غير مؤسسة، وأن الوثائق المعنية بالتسعيرة الجديدة هي وثائق تمتد مدة صلاحيتها لعشر سنوات على الأقل، وعليه فإن سعر تسليم كل وثيقة من هذه الوثائق بعد رفع مدة صلاحيتها، يصبح سعرا زهيدا”.
وأضاف “التسعيرة الجديدة لإصدار الوثائق مبينة على تقرير للمؤسسة المنجزة التابعة لوزارة الداخلية، وهي التي حددت قيمة تكلفة كل وثيقة، وبموجب ذلك تصبح كلفة بطاقة التعريف الوطنية ما يعادل 16 دولارا، وجواز السفر العادي (28 صفحة) حوالي 65 دولارا، وغير العادي (48 صفحة) 325 دولارا، في حين يقدر سعر الجواز الاستعجالي بـ130 دولارا وبـ400 دولار، أما رخصة السياقة فهي الأخرى بـ65 دولارا، وبطاقة ترقيم المركبة بـ130 دولارا”.
ويرى الخبير المالي والاقتصادي فرحات آيت علي أن “الحكومة في حالة تخبط حقيقي أمام تقلص هامش مناورتها أمام ارتدادات الأزمة الاقتصادية، ولذلك لجأت إلى قرارات غير شعبية، بما فيها الوثائق الرمزية التي تدخل عملية إصدارها في الضرائب المحصلة من المصادر الأخرى”.
وأمام مؤشرات توظيف القرارات الشعبية في خانة صراع غير معلن بين مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، لوقف قرارات حكومية، مراعاة لردود فعل الشارع تحسبا للاستحقاق الرئاسي المنتظر بعد أقل من عام، وفي ظل فشل الطبقة السياسية والكتل النيابية في شل خيارات الحكومة، وتراجع وسائل الإعلام التقليدي في التعبير عن نبض الرأي العام، تحول إعلام المواطن والمقاومة الإلكترونية إلى منصة لملء الفراغ في الساحتين السياسية والإعلامية، ومكنته من افتكاك سلطة مؤثرة، أرغمت الفاعلين في الساحتين السياسية والاقتصادية على مراجعة حساباتها.
فبعد الحملة الواسعة التي أطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي لمقاطعة السيارات المركبة محليا، بسبب غلاء أسعارها والشبهات التي تحيط بالعملية، حاولت الحكومة التماهي مع توجهات الحملة الإلكترونية واضطرت إلى مراجعة النشاط برمته، وتوالت حملات المقاومة الإلكترونية لوقف جشع المتعاملين في مختلف القطاعات، لا سيما تلك المتصلة بالمواد الموجهة للاستهلاك.