استنفار بين الأسر الجزائرية بعد توسع عدوى الحصبة

عزوف الأولياء عن التلقيح لأبنائهم تسبب في تفشي الداء، ومرض الحصبة يمزق أجساد الصغار والكبار في القرى المعزولة.
السبت 2018/03/24
تشكيك في جدوى التلقيح

 الجزائر- توسعت عدوى داء الحصبة لتمس 13 محافظة من مجموع 48 محافظة تشكل تراب الجمهورية الجزائرية، وشملت الإصابات أكثر من ثلاثة آلاف شخص، كما أودت بحياة 12 آخرين بحسب مصادر متطابقة، وأبرزت عضوة اللجنة التقنية للوقاية بمديرية الصحة الأستاذة ليلى سماتي، أن “الحصبة مرض معد يمس الأطفال، وقد يودي بحياة المصابين به، كما أن له قوة انتشار كبيرة، مما أدى إلى توسع نطاق العدوى إلى 13 محافظة”.

وألمحت في تصريح للإذاعة الحكومية، إلى أن “تسجيل نسب تلقيح منخفضة في التجمعات والمدن الكبرى، على غرار العاصمة وقسنطينة ووهران وتيبازة، حيث لم تتجاوز النسبة سقف 25 بالمئة، يفتح المجال إلى توسع هائل للعدوى في الأيام المقبلة، وتسجيل المزيد من الوفيات، إذا لم يتم تصحيح الوضع”، في إشارة إلى التكثيف والتسريع في حملات التلقيح التي أطلقتها وزارة الصحة.

البلدات التي تنتقل فيها العدوى، تتميز بظروف معيشية صعبة، كسوء التغذية وغياب النظافة  وتدهور الإطار المعيشي

ولا يزال الشارع الجزائري، يتطلع إلى نتائج التحقيق الذي فتحته الوزارة الوصية، حول أسباب عودة المرض إلى الواجهة، بعدما تم القضاء عليه في البلاد خلال العقود الماضية، ولا سيما في ظل التبادل المبكر للتهم بين الفاعلين في القطاع، ففيما أرجعت تصريحات مسؤولين في وزارة الصحة، أسباب تفشي المرض إلى عزوف الأولياء عن تلقيح أبنائهم، ذهبت جهات أخرى إلى التشكيك في جدوى التلقيح نفسه، على اعتبار أن بعض المصابين والموتى سبق لهم التلقيح، كما أن الأمر لم ينحصر في فئة الأطفال فقط، بل مسّ شريحة الكبار أيضا. وأخذ داء الحصبة، أبعادا أيديولوجية بين المحافظين والحداثيين، بعدما وجه الكاتب الفرانكوفوني كمال داود، في منشور له، أصابع الاتهام، الى ما أسماه بـ”الأساتذة والإعلاميين الإسلاميين، الذين حرضوا الأولياء خلال الأعوام الماضية على عدم التلقيح، وبثوا الشكوك وأجواء الريبة في العملية، دون أخذ هذه العواقب بعين الاعتبار”.

ورد عليه الإعلامي شوقي عماري، بأن “الجزائر ليست أفضل من اليابان، التي يمثل فيها التلقيح خيارا للأولياء، وعاب عليه توظيف المرض في أغراض سياسية وتصفية حسابات أيديولوجية، على حساب مواطنين جزائريين يعانون الحياة البدائية في مناطق نائية ومعزولة، ظلت مهمشة من طرف السلطة، ولم تستفد من الخدمات والحياة الكريمة”.

ويعيش الشارع الجزائري حالة من القلق والخوف، خشية توسع رقعة العدوى، وخروجه عن السيطرة، ولا سيما في ظل الأخبار المتداولة، حول تسجيل حالات الحصبة في 13 محافظة من مجموع 48 محافظة، والارتفاع السريع لعدد المصابين في ظرف قياسي، فخلال أيام معدودة فقط، استفحل المرض من بلدة الربابة بمحافظة وادي سوف الحدودية، ليمتد إلى المحافظات المجاورة، ويتصاعد من عشرات الحالات إلى أكثر من ثلاثة آلاف حالة، حسب آخر الأرقام المتداولة.

ولا تزال وزارة الصحة ترفض الإعلان عن حالة الوباء، لاعتبارات إحصائية ومعطيات تعداد المصابين وحالات الوفاة، حيث شدد مدير الإعلام في وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات سليم بلقسام، في اتصال لـ”العرب”، بأن “محافظتي الوادي وورقلة تبقيان خارج تصنيف البؤر الوبائية لأنهما مازالتا دون سلم التصنيف الذي يشترط تسجيل 5 وفيات في أسبوع واحد في نفس المحافظة، وهو الأمر الذي لم يتم تسجيله لحد الساعة في المحافظات المعنية، وأن وزارة الصحة بدأت تسجل منحنى تنازليا للوباء، بفضل تكثيف عمليات التلقيح، في انتظار نهاية الوضعية الوبائية في الأيام القادمة بالمحافظتين”.

وعزا المتحدث، تفاقم الوضعية إلى ما أسماه بـ”عزوف سكان المحافظتين عن التلقيح، لا سيما وأن بعض البلديات سجلت أضعف نسب تلقيح على المستوى الوطني بمعدل يصل إلى أقل من ثمانية بالمئة، وهو ما يرفع إمكانيات انتشار الوباء، باعتبار الخبراء والهيئات الصحية الدولية يضعون سقف 90 بالمئة من التغطية اللقاحية للتحكم في مرض الحصبة”.

 

عدوى الحصبة التي تجتاح العديد من المحافظات الشرقية والجنوبية في الجزائر منذ عدة أسابيع، تتحول إلى سجال أيديولوجي بين أطراف متنافرة تحاول تصفية حساباتها بالنيابة عن أقطاب فكرية ومرجعية، ما يكرس التوظيفات السياسية حتى للأمراض التي تمزق أجساد الصغار والكبار في قرى وبلدات نائية ومعزولة، لم يكن لها لتقفز إلى الواجهة لولا عدوى “البوحمرون” الذي أصاب عشرات المئات من الجزائريين، وإدّى إلى وفاة عدد منهم.

وكانت وزارة الصحة والتربية، قد تعرضتا خلال السنوات الماضية إلى حملات انتقاد شديدة، حول الظروف التي ألمّت حينها بحملات تلقيح الأطفال في المدارس، بسبب الشكوك المثارة آنذاك حول مركبات ونجاعة اللقاح، بالموازاة مع الفضائح التي تفجرت حول المصدر الهندي المنتج له، وهو ما أدّى إلى فشل تلك الحملات، وتسجيل نسبة عزوف غير مسبوقة.

وأبدى الدبلوماسي والوزير السابق عبدالعزيز رحابي، استغرابه من فشل الحكومة في إقناع مواطنيها حتى بحملات التلقيح، وعزا ذلك إلى ما أسماه بـ”الفجوة العميقة بين السلطة والشعب، واهتزاز الثقة بين الطرفين بسبب التراكمات المترسبة في السنوات الأخيرة، فخلال سنوات الاستقلال كانت النسبة تصل إلى 80 بالمئة، بينما لم تتجاوز في السنوات الأخيرة حدود 20 بالمئة”.

وفيما شدد مدير الوقاية في وزارة الصحة جمال فورار، على سلامة اللقاح ونجاعته الوقائية، وخضوع صفقات توريده للمقاييس اللازمة، ألمح الأستاذ مصطفى خياطي، إلى إمكانية وجود خلل ما في اللقاح على مستوى المصدر أو ظروف التخزين والنقل، خاصة وأن المحافظات المعنية ذات طابع ومناخ صحراويين، ودعا الوزارة الوصية إلى فتح تحقيق جاد حول الأسباب التي فجرت عدوى البوحمرون بهذا الشكل المخيف.

وذكر بأن “لقاح الروفاكس الأحادي الفعالية، يتطلب درجة حفظ حرارية أقل من ست درجات وإلا يفقد فعاليته، وهو ما قد يكون غير متوفر في المحافظات المذكورة بسبب الظروف المناخية الصحراوية، مما يعرضه لإمكانية الفساد وفقدان صلاحيته وفعاليته”، وهو ما يتنافى مع نفي مسؤولي وزارة الصحة، ومع اتهاماتها الصريحة للأولياء بالعزوف عن حملات التلقيح خلال السنوات الماضية.

وذكر مصدر صحي أن “القرى والبلدات التي تنتقل فيها العدوى بشكل كبير، تتميز بالظروف المعيشية الصعبة، كسوء التغذية وغياب النظافة وضعف الخدمات الصحية، وتدهور الإطار المعيشي”، وهي إشارات توحي بغضب السكان ومقاطعتهم لكل ما يرمز للدولة بما فيها حملات التلقيح، وتعزز الانتقادات الشديدة للحكومة حول إهمالها لهؤلاء، وعدم اهتمامها بالمناطق النائية والمعزولة، وحرمان سكانها من الخدمات الضرورية”.

21