الفردية الغائبة في الثقافة العربية

الجمعة 2017/09/22

يلاحظ كل من مصطفى صفوان وعدنان حب الله في كتابهما المشترك “مشكلات المجتمع العربي” أن الخاصية المركزية للتحليل النفسي تتمثل في أنه “مبني على علاقة الفرد بنفسه، وفيما يتأكد أن الفردية غير موجودة في الثقافة العربية أو تتهمش أمام الجماعة، أضف إلى ذلك أن البنية الاجتماعية العربية لا تزال في أكثر المناطق الريفية قبلية”.

نرى هنا أن كلام صفوان وحب الله يجعلنا نضع عدة علامات استفهام كبيرة أمام صلاحية هذا الفرع المعرفي العيادي لإنجاز عمليات تفكيك البنيات اللاواعية المشكلة لشخصية إنساننا الذي يفتقد إلى الذاتية. من الملفت للنظر هو أن الدكتورين صفوان وحب الله يحاججان بأن غياب الفردية في الثقافة العربية يعود إلى عدم النجاح في إنجاز عملية الانتقال من طور ثقافة القبيلة إلى طور ثقافة الفرد الحر، حيث “أن الانتقال من التوزيع القبلي إلى الثلاثي الأوديبي يتطلب أجيالا، وإذا ما حصل بسرعة من دون تمهيد يؤكد مما لا شك فيه العنف”.

وهنا نتساءل: هل يعني هذا أن التحليل النفسي، كتقنية عيادية تستخدم العلم والمعرفة والأساليب الفنية للكشف عن اللاوعي الثقافي، لا يقدر أن يعمل في مجتمعاتنا لسبب هو أنها لا تتوفر فيها الذاتيات المستقلة عن العشيرة أو الطائفة أو الشلة أو القبيلة؟

ففي تقديري فإن غياب هذه الفردية في مجتمعاتنا المؤسسة على ثقافة التسلط هو الذي يدعونا بقوة إلى توظيف التحليل النفسي من أجل دراسة البنيات اللاواعية التي شكلتها ثقافة القبيلة أو الطائفة، وذلك بهدف إبرازها إلى العلن وقصد معرفة كيف تمَ التماهي مع القبيلة أو الطائفة على نحو أصبح العالم الداخلي لإنساننا نسخة مكررة لهما ومن ثم العمل على القضاء على هذه الآفة الخطيرة.

لا شك أن التحليل النفسي للثقافة التسلطية السائدة التي تترجم غالبا إلى سلوك فردي أو إلى أشكال السلطة والسياسة في المجتمع مطلب معرفي ضروري، لأن العلاج النفسي للسياسة ولإشكالية السلطة من شأنه أن يساعد أيضا على إدراك زوايا الخلل المعتمة في النسيج الداخلي غير المرئي للمجتمع والتي تعتبر بمثابة إعادة إنتاج لذلك الخلل القائم في نفسيات الأفراد الذين يعيشون فيه.

فلقد تبين للكثير من الدارسين أن الأسر التي يتم توزيع السلطة فيها توزيعا متساويا، ودون إقصاء أو إلغاء أو إنكار لهذا أو لذاك من أفرادها، هي مصدر الذهنية الديمقراطية، كما أن بناء الفرد المشبع بذاتيته الحرة داخل الأسرة هو المقدمة التي يمكن أن تفضي إلى القضاء على النموذج الثقافي الكلي السائد في مجتمعاتنا والمتمثل في دكتاتورية الآباء.

كاتب جزائري

15