الجزائر.. "الأفافاس" ومسك العصا من الوسط

الخميس 2017/09/21

خلال الأسبوعين الماضيين كثّف الأمين الوطني الأول بحزب جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر محمد حاج جيلاني نشاطه السياسي على مستوى وسائل الإعلام المكتوبة بشكل خاص وعلى مستوى عقد الندوات بشكل عام وهدفه من ذلك هو التوضيح لجمهور حزبه ولقواعده الشعبية في الجزائر العميقة وللنظام الحاكم وكذلك لمختلف أحزاب المعارضة موقف حزبه من الوضع الجزائري المتأزم منذ سنوات وخـاصة طوال فترة مرض رئيس البلاد عبدالعزيز بوتفليقة الذي لا يظهر إلا نادرا في المشهد السياسي ثم يغيب لشهور.

وبهذا الشأن سجل المسؤول الأول بجبهة القوى الاشتراكية موقفه من النقاش الدائر حول تطبيق المادة 102 من الدستور، ومن دعوات عدد من الأحزاب والشخصيات المعارضة لتثبيت شغور منصب رئيس الجمهورية الجزائرية عبدالعزيز بوتفليقة، ومن ثم إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة.

وبهذا الخصوص أبرز حاج جيلاني أن حزبه غير متحمس لهذا النمط من الجدال، وبدلا من ذلك يعتقد أنه لا ينبغي أن تحصر الأزمة الجزائرية في تغيير رئيس بآخر فقط بل من الضروري تنفيذ تحوّل راديكالي يطال منظومة الحكم برمتها.

إلى جانب هذا الموقف اتهم حاج جيلاني، في الحوار الذي أجرته معه يومية “الخبر” الجزائرية في السادس من هذا الشهر، النظام في الجزائر بالتسلط وإهدار دم الديمقراطية، وفضلا عن ذلك أكد أن القرارات التي تتخذ تتم بشكل متعسف وخارج الأطر القانونية.

ويلخص جيلاني البرنامج الذي بمقتضاه يمكن في تقديره أن يصنع الحل وفق الصيغة التي يقترحها حزبه في التصورات التالية: “ما نلاحظه اليوم هو أن الكل، سلطة ومعارضة، يتحدث عن الإجماع الوطني. بعد سنوات من التنافر والصراع الأيديولوجي، ثم الشرخ بين أنصار النظام وأنصار إسقاط النظام، ظل الأفافاس (حزب جبهة القوى الاشتراكية) يقترح الحوار والمصالحة من أجل بناء الإجماع الوطني، من خلال مسار تأسيسي يخرج البلاد من أزمة، ويضع أسس الجمهورية الثانية في إطار دولة القانون وهكذا لازلنا وسنبقى إلى غاية الوصول إلى مبتغانا”.

لا شك أن أطروحتي الإجماع الوطني والحوار اللتين يتبناهما حاج جيلاني تتميزان بالرومانسية والسذاجة حيث أنه لا يمكن أن يحصل حوار تفاوضي منتج وحقيقي بين الدكتاتورية وبين الحرية، أو يتم إجماع بين أحزاب السلطة المتسلطة الفاقدة للشرعية وبين بعض القوى التي تدعو إلى ممارسة الديمقراطية في إطار الدولة المدنية.

وفي الواقع فإن حاج جيلاني لا يرسم الصورة الواقعية الكاملة للوضع السياسي الجزائري المتأزم وخلفياته التاريخية، كما أنه لا يحلل السياسات المتسببة في تحطيم الأبنية السياسية والاجتماعية والثقافية الجزائرية.

لا شك أن الأزمة الجزائرية المـركبة متعددة الأبعاد، حيث ساهم النظام الحاكم في صنعها منذ بـداية الاستقلال وذلك بتغليب كفة العسكري والأمني على السياسي، كما ساهمت الأحزاب المعارضة بدورها في تثبيت سلبياتها وذلك بتغليب الزعامات الفردية على النضال الجماعي وبسبب السقوط في فخ إنشاء الأحزاب المجهرية التي تخلو من الرصيد الشعبي، وذلـك مباشرة بعد السماح بالتعددية الحزبية في التسعينات من القرن الماضي، بما في ذلك حزب جبهة القوى الاشتراكية نفسه الذي يتزعمه حاج جيلاني حاليا والذي عانى وما زال يعاني من عدة مشكلات في مقدمتها جمود العقيدة التقليدية التي تبناها منذ تأسيسه بعد استقلال الجزائر في عام 1963.

وهنا نتساءل؛ ماذا تبقى من اشتراكية حزب جبهة القوى الاشتراكية اليوم؟ وأين هذه الاشتراكية التي يتحدث عنها البعض في المناسبات؟ ولماذا لم يقدم هذا الحزب أية رؤية جديدة للفكر الاشتراكي بأسسها الوطنية المتميزة يقنع بها الرأي العام الوطني؟ ولماذا عجز عن تأطير وإنقاذ شريحة الشبان الغارقين في أوحال الثقافة الرأسمالية المتوحشة في المدن والقرى؟ في هذا السياق يلاحظ أن العقيدة الاشتراكية لهذا الحزب قد أصابها التكلس الفكري، فضلا عن انعدام أسلوب العمل التنظيمي الحيوي الذي يمكن أن يؤدي إلى استقطاب الجماهير الشعبية وخاصة شريحة الشباب التي تشكل 75 بالمئة من الشعب الجزائري، وهكذا لم ينفذ حزب جبهة القوى الاشتراكية أي برنامج يفضي إلى بناء قوة بشرية عريضة في الجزائر.

إلى جانب هذه المطبات ذات الطابع الفكري والعقائدي هناك أيضا تكرار لأخطاء حرب المواقع على منصب الأمين العام إذ شهدت جبهة القوى الاشتراكية منذ 1991 إلى 2017 استبدال أمين عام بآخر كل سنتين، وهذا لا يعني التجديد بقدر ما يعني الصراع الفردي على المسؤوليات القيادية.

من الواضح أيضا أن السكرتير الأول لحزب القوى الاشتراكية السيد حاج جيلاني لا يعالج في حواراته والمناقشات التي يخوضها آفة الانقسامات التي عصفت بحزبه في السنوات الأخيرة ومن قبل في ظل حياة مؤسسه التاريخي الراحل محند أولحسين أيت أحمد، الأمر الذي أفقد ولا يزال يفقد هذا الحزب إمكانية بناء كتلة متراصة على مستويَيْ العقيدة والتنظيم الهرمي والقاعدي.

كاتب جزائري

9