اعتداء على معلمة تونسية يكشف الصراعات الأيديولوجية في المدارس

باتت مشكلات القطاع التربوي في تونس معروفة لدى الجميع، وتفاقمت هذه المشكلات مع بداية العام الدراسي الحالي إذ تأخرت الدروس في مدارس عديدة بسبب نقص كبير في عدد المدرسين بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية. وتضاف إلى هذه الصعوبات مسألة الزج بالمؤسسة التربوية في صراعات أيديولوجية وسياسية، فضحتها حادثة اعتداء على معلمة ومحاولات منعها من التدريس بتهمة كونها “ملحدة”.
الأربعاء 2017/09/20
ضحية صراعات لا دخل لهم فيها

تونس - استأنفت مدرسة ابتدائية بمدينة صفاقس جنوب شرق تونس استقبال تلاميذها، الثلاثاء، بعد تعطل الدروس بها منذ العودة المدرسية بسبب خلاف بين أولياء تلاميذ ومدرّسة بعد أن اُتهُمت بـ"الإلحاد". وتطور الخلاف ليصل إلى حد نشوب اشتباكات بين الطرفين تطلب إنهاؤها تدخل رجال الأمن.

وشهدت المدرسة، يوم العودة المدرسية، أوضاعا متوترة بعد أن منع أولياءُ تلاميذ المعلمةَ فائزة السويسي من دخول المدرسة.

وقال نجيب الغربي، مدير المدرسة خلال الساعات الماضية، إن “الأمور أصبحت طبيعية في المدرسة". وأكدت مصادر قضائية أن السلطات بدأت، الاثنين، التحقيق في الحادثة بعد تقدم السويسي بشكوى لدى الجهات الأمنية. وتم إيقاف 3 أولياء تلاميذ بتهمة "الاعتداء بالعنف والاستيلاء على الهاتف الجوال للمتضررة وتعطيل حرية العمل".

ونفذت مجموعة من أولياء التلاميذ، الاثنين، وقفة احتجاجية للمطالبة بإيقاف المدرّسة عن العمل، وفي المقابل ساند معلمون زميلتهم. وتدخل رجال الأمن لإنهاء الفوضى التي حدثت أمام المدرسة وفض اعتصام الأولياء بالقوة.

وتثير حادثة منع المدرسة من عملها بسبب اتهامات لها بـ”الإلحاد” وصلت إلى حد تكفيرها ضجة واسعة في تونس. وقادت بعض الصفحات على موقع فيسبوك حملة لتشويه المدرّسة، فيما استنكرها نشطاء افتراضيون معبرين عن مساندتهم للمدرّسة فائزة السويسي.

وأعلنت وزارة التربية، في بيان أصدرته الاثنين، رفضها لما حدث مع المدرّسة السويسي. وتعهدت الوزارة “بفتح تحقيق في الحادثة لتحديد المسؤوليات وضمان عدم تكرار مثل هذه التصرفات”.

ودعت الوزارة إلى “ضرورة احترام المربين وتقدير رسالتهم التربوية النبيلة، اعتبارا لمكانتهم الرمزية وتثمينا لأدوارهم النوعية في المساهمة بتكوين الشخصية المتوازنة للطفل التونسي”.

سليم قاسم: هناك أطراف تسعى للسيطرة على المدرسة لتسيطر على المجتمع

وتفاعلت أوساط سياسية ومدنية مع حادثة الاعتداء على المعلمة ومنعها من مواصلة عملها. ووصفت الحادثة بـ”الخطيرة”، حيث طالب متابعون “بعدم محاولة فرض أفكار غريبة على أجيال المستقبل”.

كما ندد العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بتعطيل الدروس وإدخال المؤسسة التربوية في سجال بين أولياء التلاميذ والمدرسين. ورأى البعض أن الحادثة ليست سوى محاولة لإسقاط صراعات أيديولوجية وسياسية على الفضاء التربوي.

وقال سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم، في تصريح لـ”العرب”، إن “المسألة على غاية من الخطورة لأنها تتجاوز شخص المربية لتشمل مستقبل مدرسة الجمهورية التي تحاول بعض الأطراف السيطرة عليها حتى تستطيع السيطرة على المجتمع التونسي وتغير طبيعته”.

وأصدرت الهيئة الإدارية للجمعية التونسيّة لجودة التعليم، الاثنين، بيانا توضح فيه موقفها من حادثة المدرسة بصفاقس. وقالت الجمعية إن “ما حدث من تجاوزات يأتي في سياق السعي المتواصل للبعض من الأطراف إلى الهيمنة على الفضاء المدرسي خدمة لغايات لا تمت بصلة للشأن التربوي وللمصلحة الفضلى للمتعلمين”.

ودعت الجمعية “إلى الاصطفاف من أجل الدفاع عن مدنية المدرسة التونسية وحمايتها من كافة محاولات التوظيف والاستيلاء التي ما انفكت تتعرض إليها”.

وطالبت الجمعية بتفعيل مجلس المؤسسة لأنه، بحسب قاسم، “فضاء يلتقي فيه الولي والمربي والإداري والطرف النقابي للتحاور حول كل ما يهم المؤسسة التربوية وحل أي مشكلة قبل تفاقمها وتحولها إلى أزمة”.

وقالت مصادر محلية إن الشخص الذي حرض على الحملة ضد المعلمة السويسي وقام بالاعتداء عليها يشغل مسؤولية نقابية بالاتحاد العام التونسي للشغل. ورفضت المنظمة العمالية حادثة الاعتداء على السويسي.

وأكد أمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي، في حوار تلفزيوني الاثنين، أنه سيتم اتخاذ الإجراءات الضرورية والعاجلة ضد النقابي المتسبب في حادثة الاعتداء على المدرّسة. وتابع “لا مكان في الاتحاد لمن يخرج عن الصف”.

ورفع ولي إحدى التلميذات قضية، في شهر يوليو الماضي، ضد المدرّسة يتهمها باستفزاز ابنته وإهانتها خلال العام الدراسي الماضي لأنها ترتدي الحجاب وقال إنها هددتها بالعنف مما سبب لها اضطرابا نفسيا. ونفت السويسي هذه الاتهامات.

وقالت السويسي، التي تنشط ضمن فرع الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بصفاقس، إن البعض من أولياء الأمور يسعون إلى زرع أفكار متطرفة في أذهان أبنائهم.

وأكدت، في تصريحات إعلامية، أن إحدى تلميذاتها أخبرتها بأن والدها أوصاها بعدم الجلوس إلى جانب زملائها الذكور. كما أن تلاميذها يرفضون الاحتفال بالبعض من المناسبات مثل رأس السنة بتعلة أنها “مناسبات الكفار”، وأن أولياء أمورهم يتهمونها بازدراء الدين والنبي محمد ورفض سماع صوت الأذان.

4