استراحة الأبطال الخارقين في باريس

الأحد 2017/08/27
نموذج للبطولة الأنثوية

شهد القرن العشرين دخول الأبطال الخارقين إلى حياتنا، لنرى أنفسنا أمام ظاهرة ثقافيّة جديدة، إذ تغلغلوا ضمن ثقافتنا الشعبيّة وتحولت حكاياتهم إلى بنى متكاملة من الأساطير المعاصرة التي بدأت من الكتب والحكايات المصوّرة وتحولت مع السينما إلى إنتاجات ضخمة تكتسح صالات السينما وتحقق أعلى العائدات، وقد امتد حضور هؤلاء الخارقين بيننا خارج شاشات السينما فهم إيقونات معاصرة ومضارب للأمثال إلى جانب استخدامهم في التحليل النفسيّ والثقافيّ، بوصف حكاياتهم ذات بنية تحاكي نوعاً ما علاقات القوى في عالمنا المعاصر وتقدم لنا احتمالات مغايرة عمّا يمكن أن يكون عليه العالم لو أن هناك شخص قادر على الطيران أو إعادة الوقت للوراء.

يشهد متحف “Art Ludique” في باريس معرضاً بعنوان “L’Art de DC – L’Aube des Super-Héros” أو بزوغ الأبطال الخارقين، وهو من المعارض المميزة على الصعيد العالميّ، إذ نشهد فيه تاريخ الأبطال الخارقين وأعدائهم، إذ نرى سوبر مان وبات مان وكات ومان الجوكر ووسوسايد سكواد وغيرهم من رموز الميثولوجيا المعاصرة، إذ تحضر أكثر من 250 قصة مصورّة أصليّة لنشهد بدايات الرسومات والتخطيطات التي أنتجتها شركة “دي سي” للكتب المصوّرة التي اشتهرت بها، كأول عدد من سوبر مان الذي صممه جو شوستر وجيري سيغل.

كما نتتبع تطوّر المعالم الجسديّة والجمالية لهذه الشخصيات ضمن عوالم السينما، إذ نطّلع على أكثر من 300 دراسة بصريّة للشخصيات السينمائية ومراحل تصميم أزيائها وأغراضها وإكسسواراتها الأصليّة، كزيّ الجوكر وسيارة بات مان وغيرها من الاختراعات التي يستخدمها هؤلاء الأبطال في مغامراتهم.

المعرض يقدم لنا الخطوط الأولى التي رسمها الفنانون الذين خلقوا هذه الأساطير والأيقونات، ثم عملوا على إغناء تفاصيلها وبناء عوالمها الخاصة

المعرض يقدم لنا الخطوط الأولى التي رسمها الفنانون الذين خلقوا هذه الأساطير والأيقونات، ثم عملوا على إغناء تفاصيلها وبناء عوالمها الخاصة إذ نشاهد أعمال بوب كاني وميل فينغر اللذين صممّا شخصيّة بات مان بعد ظهور سوبر مان، إلى جانب أعمال لكل من نيل آدمز و فرانك ميلر وغيرهم ممن ساهموا في صناعة أبطالنا المفضلين، كما بإمكاننا الوقوف وتأمل الزيّ الأصلي لسوبر مان الذي ارتداه الممثل الراحل كريستفور ريف في أشهر فيلم لسوبر مان على الشاشة الذهبيّة، إلى جانب أزياء أخرى استخدمت في الأفلام المعاصرة التي أخرجها كل من زاك سنايدر وتيم بورتون وكريستوفر نولان.

المعرض يتيح لنا الغوص في عوالم هذه الشخصيات التي نراها فقط على الشاشة لنتلمس مراحل بنائها وتكوينها وأزيائها بعيداً عن صخب الأفلام التي تحضر بها، إذ يمكن الإمعان بدقة بناء تفاصيلها وإتاحة زوايا للرؤية لم نعرفها سابقا كأن نشهد بالعين المجردة وعن قرب قطعة من الكريبتونايت التي يمكن أن تدمّر سوبر مان.

أهمية المعرض تكمن في أنه يتيح لنا التعرف على المراحل التي تجعل من “الكتب المصورّة ” عملاً فنياً والاطلاع على تقنيّة الـ”artification” التي تخضع لها، فهي ليست مجرد صناعة ثقافية استهلاكيّة وتقنيات للبروباغندا كبعض الآراء، فالقيمة الفنيّة لهذه الأعمال تحضر بكونها تخضع لصناعة دقيقّة لبناء عوالم وشخوص متكاملةّ وسرد فنيّ لحكاياتها مختلف عن ذاك التقليدي المتمثّل بـ”الكتاب المصوّر”.

كما أن هؤلاء الأبطال الخارقين أشبه بالأبطال التراجيديين الذين عرفهم اليونان، فالمقاربات الثقافية لشخوصهم وعوالمهم تتيح أحياناً فهم بنية المجتمع الآن وعلاقات القوة التي تحكمه، كحالة باتمان المميزة، كونه بشرا كالجميع ولا يمتلك قوى خارقة، فهو مليونير يتيم يبحث عن قاتل والديه عبر التخفّي وراء زيّ الوطواط لتحقيق العدالة، فهذا الجانب المظلم من حياته يتيح له ممارسة العنف غير المقننّ الذي لا يمكن للآخرين القيام به، فهو أِشبه بأضحية يراه البشر كمخلص لهم، لكنه لا يمكن أن يكون مثلهم بسبب العنف الذي يختزنه، كونه يطبّق العدالة خارج المنظومة الرسميّة وتعريفاتها.

كاتب من سوريا

15