نوستالجيا الطفولة وألعابها في معرض باريسي

شهدت خمسينيات القرن الماضي دخول صناعة “ألعاب الفيديو” للسوق العالميّة، والتي ساعد التطور التكنولوجي على انتشارها بشكل هائل، لتصبح مطلباً لأغلب الأعمار، صغاراً وبالغين، ومتوافرة بأحجام وأنواع مختلفة، فألعاب الفيديو التي بدأت بنقطة تتحرك على الشاشة من مكان إلى آخر تحولت إلى صناعة عالمية تخلب الألباب سواء على المستوى التكنولوجي أو على المستوى الفنيّ والجمالي والقدرة على خلق عوالم متخيّلة شديدة الدقة، إذ لم تعد مجرد أدوات للتسلية وتمضية الوقت، بل صناعة جماهيرية ذات اقتصاديات هائلة.
تشهد صالة مؤسسة الـ”EDf ” في العاصمة الفرنسيّة باريس معرضاً بعنوان “ألعاب الفيديو عبر التاريخ-Game, le jeu vidéo à travers le temps”، وفيه نشاهد تطور هذه الصناعة تقنياً وجمالياً، منذ بدايتها كألعاب بسيطة ذات بعدين وبضعة أزرار حتى الآن حيث تقنيات اللعب ضمن الواقع الافتراضي باستخدام النظارات ثلاثية الأبعاد ومجسات الحركة التي تتصل بالجسد بأكمله.
|
المعرض يأخذنا في رحلة نوستالجّيّة نحو الطفولة، لنشاهد شخصيات وألعابا لم تعد حاضرة الآن بذات البدائية والسذاجة، كما يعرّفنا على صنّاع هذه الألعاب الذين رسموا ملامح طفولتنا وتسببوا بجلوسنا لساعات متواصلة للعب الـPack Man أو الـDonkey Kong.
المعرض من الداخل يشبه الدارات المستخدمة لنقل المعلومات ضمن الأجهزة الإلكترونية، وكأننا ندخل في التكوين الفيزيائي لهذه الألعاب ، كما تحضر أمامنا شاشات تحوي ألعاباً معاصرة كالـ”FIFA” وغيرها، إلى جانب الحجرات والزوايا الخاصة بالألعاب الكبيرة Arcade games، والتي كانت توجد في المقاهي والحانات سابقاً، وحسب منظّم المعرض جان زيد اضطر القائمون والفنيون إلى إعادة تصميم وبرمجة ألعاب لم تعد متوافرة من قبل، وذلك بسبب عدم توافر التكنولوجيا البدائيّة التي كانت مستخدمة في الخمسينات من القرن الماضي، فالمعرض يحوي ألعاباً كـ”Tennis For Two -1958” و”Space War!- 1962” .
ما يثير الاهتمام في المعرض أننا نشهد تطور أشكال الألعاب ومنصاتها، منذ تلك المحمولة والبسيطة منها كالـGame Boy التي كانت تحوي الـ”Tetris” المصممة لأول مرة عام 1982، حتى المنصات المنزليّة التي توصل على الشاشات كالسيغا والأتاري والنينتدو، انتهاءً بمسقط علويّ لطاولة تحوي حاسوباً شخصياً ولوحة مفاتيح وفأرة وكل المعدات اللازمة للعب الآن، وخصوصاً أن الألعاب الحديثة متصلة بالإنترنت، إذ لم تعد مقتصرة على لاعبين اثنين، بل فرق بأكملها من أنحاء العالم يتفاعل فيها العشرات في ذات الفضاء إما للتنافس أو اللعب سويّة.
ألعاب الفيديو التي تنتمي لتكنولوجيا اليوم خضعت للعديد من عمليات الـArtification، إذ يتم التعامل معها بوصفها عملاً فنياً، يمزج العديد من عناصر التصميم والأداء والبناء البصري والتخييل، ليصبح لهذه الألعاب علمُ جمالٍ خاص بها، مرتبط بجماليات بناء العوالم المتخيلة، سواء على مستوى مقاربتها للواقع أو تمسك المتخيّل الذي تطرحه، كما أن بعض الألعاب لم تعد قائمة على المنافسة أو الربح والخسارة، بل على اكتشاف العوالم التي تقدمها الألعاب والتورط بها جمالياً، بشرط امتلاك الوسيلة/المنصة التي تتيح هذه التجربة.
لا يكتفي المعرض بمنصات ألعاب الفيديو وتاريخها وأشهر ألعابها، إذ نرى المنتجات الثقافية المرتبطة بها كالمجسّمات الصغيرة لأشهر الشخصيات الموجودة في الألعاب، كذلك سلسلة من الصور الفنيّة التي تحتفي بأشهر مصممّي الألعاب إلى جانب الأفيشات الإعلانية لأشهرها كـStreet Fighter وغيرها، فألعاب الفيديو وعوالمها توسعت اقتصادياً وتحولت إلى رياضة عالميّة، إذ نشهد حالياً دورات على مستوى القارات لألعاب الفيديو ومنتخبات من مختلف البلدان تتنافس فيما بينها وتحصد جوائز هائلة، كما أن الاختصاص الأكاديمي لم يعد فقط مرتبطاً بدراسة تصميم الألعاب بل أًصبحت هناك معسكرات تدريب خاصة باللاعبين قبل أن يشاركوا بالبطولات العالمية.
كاتب من سوريا