سلوك الأبوين الإيجابي يحمي الطفل من الآثار السلبية للفقر

تلعب طريقة تربية الأهل دوراً محورياً في النمو النفسي والعاطفي لأطفالهم، إذ أن طريقة التربية الإيجابية قد تحمي الطفل من الآثار السلبية للفقر على نمو دماغه، فالأطفال الذين يعانون من الحرمان بسبب الفقر وفي بيئة محرومة اقتصادياً واجتماعياً هم أكثر تطوراً، مقارنة بأقرانهم، في منطقة الدماغ المرتبطة بالعواطف، بشرط أن يتمتعوا بمعاملة أبوية استثنائية تعتمد على المودة والمرح والاحترام والثقة في التعامل.
الأربعاء 2017/07/05
الطفل الذي يعاني من الجوع والحرمان قلما يولي اهتماما بالتعليم

أشار الدكتور نيك ألين؛ المشرف على دراسة أنجزت في جامعة أوريغون الأميركية، إلى أن العلوم الاجتماعية تؤكد في العادة على أن الطفل الذي يكبر في البيئات الفقيرة، يعاني من ضعف في النمو والتطور في جميع المجالات، خاصة في مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة؛ لأهمية هذا التوقيت في عملية تطوير الدماغ، خاصة في ما يتعلق بالعوامل التي تؤثر في مراحل الحياة الأخرى، من حيث القدرة على تنظيم السلوك وتكوين العلاقات الاجتماعية.

إلا أن الوالدين، يمكنهما في المقابل أن يكونا مصدراً قوياً لإحداث التغيير وتطوير هذه القدرات في الاتجاه الصحيح، حتى في أحلك الظروف وأشد البيئات الاجتماعية والاقتصادية قساوة وحرمانا.

وقام باحثون من جامعتي أرويغون وملبورن بإخضاع أفراد العينة وعددهم 166، وقد تراوحت أعمارهم بين 11 و20 عاماً، إلى فحص بأشعة الرنين المغناطيسي لثلاث مرات في الأقل على مدى سنوات، لتصوير التغيرات العصبية في الدماغ، وتمت هذه الفحوصات في وقت مبكر من مرحلة الطفولة، منتصف سن المراهقة وأواخر سن المراهقة لكل شخص من أفراد عينة الدراسة.

الأطفال الذين ينشأون داخل أسر محرومة مع تدني مستوى الدعم العاطفي للوالدين، عرضة لاحتمال التسرب من المدارس

كما قام الباحثون بتقييم مستوى تعليم الوالدين، والمستوين الاجتماعي والاقتصادي لهما وللبيئة المحلية التي نشأ فيها الأطفال، فضلاً عن ذلك، فقد تم تحديد طبيعة سلوك الأبوين في طريقة تعاملهما مع أبنائهما من خلال مراقبة سلوك الطرفين خلال تفاعلين خضعا لهما؛ أحدهما كيفية التخطيط للأحداث والآخر كيفية حل المشكلات وبيان طريقة تفاعل الآباء والأبناء في مثل هذه المواقف، وكانت مدة كل تفاعل حوالي 20 دقيقة.

وقيّم الباحثون سلوك الوالدين الإيجابي على أساس مدى توفره على الصدق والحب والثقة في التعامل، إضافة إلى توفر روح الدعابة والاحترام المتبادل بين الطرفين.

وأظهرت نتائج البحث أن الأطفال المحرومين مادياً والذين يعيشون في بيئة اجتماعية محرومة، مع آباء يتسمون بسلوك إيجابي، لديهم مستوى جيد من النمو الدماغي، أسوة بأقرانهم من الأطفال الذين يعيشون في بيئات اقتصادية واجتماعية مرفهة، خاصة في ما يتعلق بمناطق الدماغ المرتبطة بالسيطرة على العواطف.

كما أظهرت النتائج التي نشرت في مجلة “جاما” للطب النفسي، أن الأطفال الذين ينشأون داخل أسر محرومة مع تدني مستوى الدعم العاطفي للوالدين، عرضة لاحتمال التسرب من المدارس وفشلهم الدراسي، خاصة بالنسبة إلى الأبناء الذكور.

من جانب آخر، تشير الدكتورة جينا باريكا؛ الكاتبة والناشطة الاجتماعية وأستاذة اللغة الإنكليزية في جامعة كونيتيكت الأميركية، إلى الدراسة التي نشرت نتائجها مؤخراً في صحيفة “نيويورك تايمز″، التي يؤكد كاتبها وفق إحصاءات ومسوحات اجتماعية، على ضرورة أن يواظب الفقراء على القراءة لأطفالهم لأنه ببلوغهم سن الثالثة، فإن أطفال الأثرياء والمثقفين ثقافة رفيعة، إضافة إلى أبناء الوجهاء اجتماعياً ووظيفياً، سيكونون قد سمعوا الملايين من الكلمات الإضافية، وبذلك يتفوقون على أقرانهم من أبناء الفقراء والأقل تعليماً.

الكلمات التي يتعلمها الطفل في مرحلة مبكرة من طفولته تشكل مصدراً مهماً في وقت لاحق ومرجعاً لغوياً تعزز من أدائه الدراسي وتميزه

وتشكل الكلمات التي يتعلمها الطفل في مرحلة مبكرة من طفولته، مصدراً مهماً في وقت لاحق ومرجعاً لغوياً تعزز من أدائه الدراسي وتميزه عن أقرانه في المدرسة.

وترى باريكا أن الآباء الذين يعيشون تحت خط الفقر ليس لديهم الوقت الكافي للقيام بالقراءة لأبنائهم، فهم مشغولون طوال الوقت بتحصيل لقمة عيشهم وتوفير مستلزمات المنزل والحفاظ على صحة أفراد الأسرة، في بيئة فقيرة اجتماعياً واقتصاديا.

ولهذا، يصبح من الصعب عليهم الحصول على أوقات فراغ أو حتى التقاط أنفاسهم بين أشواط العمل الطويلة، سواء أكانت في العمل خارج المنزل أم داخله، لذلك ربما لا تكون نصيحة مواصلة القراءة لأطفالهم أو تخصيص وقت يومي بالأمر النافع أو العملي، وبدلا من ذلك يتوجب على أصحاب القرار أن يوفروا للآباء وظائف بأجور مجزية أو العمل على تحسين بيئتي العمل والمعيشة، وحينها ستتوفر لأبنائهم فرصة أكبر ليحصلوا على ثقافة تتناسب أو تقترب من ثقافة أقرانهم أبناء الأغنياء، وسيتحصل الآباء على أوقات فراغ مناسبة لدعم أبنائهم ثقافياً ومنحهم الرعاية الكافية التي يستحقونها، فالحقيقة شيء والخيال شيء آخر.

وفي الواقع، فإن المدارس بالأحياء الفقيرة فقيرة أيضاً في مستوى التعليم الذي تقدمه لتلاميذها إضافة إلى فقر البيئة الدراسية والتجهيزات، أما الطفل الذي يعاني من الجوع والحرمان في منزله فإنه قلما يولي اهتماماً بالتعليم أو تكون قدرته على ذلك ضعيفة، وهذا ليس كل ما في الأمر؛ فالطفل الفقير يواجه في حياته اليومية خارج إطار المدرسة مصاعب كثيرة كما أنه لا يحصل على الرعاية الكافية مادياً ومعنوياً، مقارنة بأقرانه من أبناء الأغنياء، وبينما تزداد الفجوة بين دخل الأغنياء ودخل الفقراء، فإن الفجوة تتسع بينهما خارج إطار المدرسة أيضاً.

وتشير أحدث الإحصاءات في هذا الإطار، إلى أن المبالغ التي ينفقها الأغنياء في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، والتي تخصص للرحلات والكتب والدروس الخصوصية والوسائل التقنية وما إلى ذلك، تعادل عشرة أضعاف ما تنفقة الأسر الفقيرة على تعليم أبنائها.

وتسهم مثل هذه الأنشطة التي ينفق فيها الأثرياء المبالغ الطائلة في إثراء تجربة الطفل، وتساعده في تطوير طرق التعلم وترشيد التعامل مع مصادر مختلفة وأناس مختلفين، الأمر الذي يعزز ثقته بنفسه ويطوّر إمكاناته ويلهمه أفكارا إبداعية.

21