فنانون عرب وبلجيكيون: بالفن نغير العالم

أُقيم في مسرح ومتحف مدينة سانت نيكلاس بالتعاون بين العديد من الجهات الثقافية ببلجيكا مهرجان سبيشال آرت فيستيفال السنوي الذي يسلِّط الضوء على جملة من التجارب الفنية التي تقوم على فكرة التشكيل حيث كانت فكرة المعرض في هذا العام تدور حول ثيمة “الانتظار”.
الانتظار بما يحمله من معان كبيرة تتصل بكثير من القضايا في المجتمعات الأوروبية كما المجتمعات الأخرى فقد ركَّز القائمون على الممازجة في الفن بين التجارب الشرقية والعربية والأفغانية والإيرانية والأفريقية والبلجيكية على حد سواء من خلال معروضات متنوعة تضمنت قصصاً عبر لوحات منثورة تحدَّثت عن ثيمة الانتظار التي يمر بها اللاجئ في خطواته الأولى باتجاه الحياة الجديدة.
فالانتظار الذي قدَّمهُ الفنانون كان قائماً على فكرة قسوته على النفوس التي تترقَّبُ ما ليس لها فيه القرار. ففي ظل السرعة التي يتميَّزُ بها هذا العصر توسَّطت المعرض لوحة كبيرة مثَّلَت البحر الأبيض المتوسط باعتباره طريقاً يسكنُ فيه الانتظار يسلُكُهُ اللاجئون من ضفة إلى أخرى مسكونين أيضاً بفكرة انتظار الوصول.
فكرة المعرض
عن هذا المعرض يقول الفنان البلجيكي ألكسندر دازة، المسؤول عن مشروع غرفة الرغبة الخاصة بالرسم في مسرح هيتخوفولخ المشارك في المهرجان، إنه من الهام والضروري للناس معرفة ماذا يعني أن تكون لاجئاً، وكيف تعيش فكرة الانتظار التي تم الاشتغال عليها خلال عدة أسابيع بعد زيارات مكوكية لمراكز الإيواء المنتشرة في إقليم فلاندرز في المملكة البلجيكية بهدف انتخاب بعض المواهب التي تستطيع تقديم هذه الفكرة، فألكسندر يعتقد أن الفن قادر على تغيير الصورة النمطية المسبقة، وهو قادر بالضرورة على تغيير العالم، ففكرة معرض الانتظار بدأت بشكل بسيط ثم تم تطويرها لتكون أكثر شمولية واتساعاً.
يتابع ضيفنا أن الاشتغال مع اللاجئين دون موقف مسبق يضع المهتم في مواجهة حقيقية مع مجموعة من القصص الإنسانية بتفاصيلها التي لا تُظهِرها وسائل الإعلام التي تخاطب المجتمعات المحلية، لهذا كان لا بد من التفكير بشكل مختلف لتسليط الضّوء على معاناة الانتظار التي يمر بها اللاجئ الواصل حديثاً سواء في سبيل انتظار الاعتراف القانوني، أو انتظار العائلة، أو انتظار فرصة في الحياة الجديدة، هكذا يغدو الانتظار كما يراه دازة موضوعاً وثيمة لمرحلة مهمة يعبّر بها اللاجئ، فالتقاط هذه التفاصيل الصغيرة من القصص اليومية وإعادة إنتاجها بصورة لوحات فنية ووضعها في ذات الوقت بمكان عام وهام كمتحف ومسرح مدينة سانت كلاس سيلفت الانتباه أكثر إلى هذه الشريحة، فالعمل مع اللاجئين يكمن في مساعدتهم من خلال التفكير بكيفية وآلية إقامة جسور حقيقية بين ثقافتهم وثقافة الآخر. الفكرة هنا تقوم على الاندماج وليس الانصهار، فالجمال يكمن في التنوع وهذه هي الرسالة التي يحملها المعرض الذي يشهد إقبالا كبيراً من الجمهور المهتم، ومن هنا يرى ألكسندر دازة أنَّ المهمة الأساسية لهذا المشروع تكمن في الحفاظ على الهوية المحلية لكل فنان باعتباره إضافة حقيقية للتنوع البلجيكي، فالتميز يكمُن عنده في الانطلاق إلى العالمية من خلال المحلية وتأصيلها بصورة مشاريع تصلح لكل زمان ومكان.
|
المشاركة العربية
المشاركة العربية جاءت بيد الفنّان العراقي علي العطار المقيم في بلجيكا منذ سنوات حيث قدّم العطار أربعة وجوه صامتة تنقل للمتلقِّي أربع حالات مختلفة للإحساس الإنساني، ينتقل بينها العطار بمراحل متتابعة بين إحساس العدم، الاندهاش، الحزن، الفرح، ليختصر بهذه اللوحات حالة الانتظار ومراحلها المختلفة، جاءت الملامح التي رسمها الفنان العراقي مزيجاً بين العديد من الثقافات. فالوجه الذي قدَّمَهُ عكَس في ملامحه منطقة الشرق الأوسط، القوقاز، أفريقيا، إلى جانب اللمسة الأوروبية، عن هذه الفكرة يقول العطار الذي درس الفنون التشكيلية في العراق قبل أن يُكمل مشواره الأكاديمي في مدرسة الفن التشكيلي بمدينة تورنهاوت البلجيكية، إن فكرة التتالي في الصور الأربع نابعة من حقيقة الواقع الصادم الذي يمرّ به اللاجئ في المرحلة الأولى لوصوله إلى البلاد الجديدة، فاختلاط العواطف والتّعبير في فضاء لغوي وثقافي جديد تجعله بلا ملامح ثابتة حتى تستقر أوضاعه ويطوي تلك المراحل، فيصف العطار حالة الانتظار بالكريهة، تلك التي تجعل الإنسان جزءاً من معادلة صعبة ليس هو طرفاً فيها.
تضمّن المعرض عرضاً لافتاً لترتيب عشوائي لمجموعة كبيرة من حقائب السفر جاءت بأحجام مختلفة وانتظمت كسيمفونية ملوَّنة تحكي عن حقائب اللاجئين العابرين للحدود من قارة إلى أخرى بغض النظر عن جنسياتهم لتحمل بين جنباتها أحلام حامليها. كما تضمن المعرض أيضاً العديد من المشاركات الأخرى والمنحوتات والأفلام والنصوص الأدبية التي تدور في فلك الثيمة الأساسية التي طرحها القائمون على تنظيمه.
كاتب من سوريا