الأمهات يوظفن مواقع التواصل لتقويم أداء وزارة التعليم في مصر

القاهرة- نجحت أمهات الطلاب في المدارس المصرية، للمرة الثالثة خلال عام، في تغيير سياسات تعليمية خاطئة، وأجبرن الحكومة على إلغاء قرارات وزارية، كادت تصيب أبناءهن بصدمات نفسية، إما لأنها فجئية وإما لأنها غير منطقية، ما جعلهن بمرور الوقت جزءا أساسيا في وضع سياسات المنظومة التعليمية وتغيير السلبي منها، الأمر الذي خفف الضغوط النفسية على الأبناء.
وجاء القرار الذي أصدره الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم المصري، مطلع ديسمبر الماضي، بوقف تدريس بعض المواد في مدارس اللغات التجريبية باللغة العربية، (مثلما هو متبع منذ سنوات)، وبشكل مفاجئ، ليعيد الأمهات إلى صفوف المواجهة مع الحكومة، ليدخلن في تحد، ويعلنّ التمرد على القرار، حتى عقد مجلس النواب جلسة أخيرا، وقرر إلغاء قرار الوزير انتصارا لرغبة الأمهات.
ويعد هذا النجاح الثالث للأمهات حيث كن خلال العام الماضي، قد نجحن في الوصول إلى قصر الاتحادية الرئاسي مرتين؛ في المرة الأولى، تباحثن مع مستشاري الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشأن تطوير التعليم، ونجحن في جعل تعديل المناهج هو الهدف الأهم حين كانت الوزارة تصر على أن المناهج المصرية جيدة، ولا يمكن تعديلها، وفي المرة الثانية نجحن في إرغام الوزارة على عودة العمل بنظام امتحانات منتصف الفصل الدراسي بعد أن ألغتها الوزارة، حتى لا يكون الطلاب فريسة لمعلمي الدروس الخصوصية. القرار الأخير، الذي نجحت الأمهات في تأجيله، تمثل في أن الوزارة ألغت ما درسه الطلاب في المناهج باللغة العربية على مدار 4 أشهر، وصممت على أن يعيد الطلاب دراسته مرة أخرى بالإنكليزية، استنادا إلى قرار صدر قبل عامين، لكنه لم يكن مطبقا في المدارس.
لا بد أن تكون الأمهات شريكا أساسيا في وضع السياسات التعليمية التي تمس الأبناء بشكل مباشر
وتساءلت الأمهات: لماذا أدركت الوزارة – فجأة- ضرورة تفعيل القرار على الرغم من أنه مؤجل؟ وقلن إن تأجيله كان بسبب عدم وجود معلمين متخصصين، أو كتب للمناهج باللغة الإنكليزية، وهو الوضع الذي مازال قائما حتى الآن. وأمام تمسك المسؤولين بالقرار، وإصرارهم على عدم التراجع أو تأجيله للعام المقبل، صعّدت الأمهات من وتيرة الغضب، ولجأن إلى مواقع التواصل الاجتماعي، للقيام بما يشبه “الثورة الإلكترونية”، في محاولة للضغط نحو إعادة النظر في القرار لخطورته على مستقبل ونفسية أبنائهن، وكان ما أثار غضبهن، أن الوزارة تعاملت مع مطلبهن بنوع من الاستخفاف.
وفي أقل من أسبوع، تحولت صفحة “ثورة أمهات مصر ضد سياسات التعليم”، إلى ما يشبه “خلية النحل”، حيث وصل عدد الأمهات المشتركات في الحملة إلى قرابة الـ100 ألف، توحدن جميعا على هدف واحد، بأن يتم الضغط على وزارة التعليم لإلغاء القرار، وهددن بالتظاهر أمام قصر الاتحادية الرئاسي. بل وبلغ الأمر حد قيام الأمهات بثورة إلكترونية مماثلة على الحساب الشخصي للرئيس السيسي على “فيسبوك”، وكتبن “بوست واحد وبلغة واحدة”، في تعليقاتهن على حساب الرئيس، ثم قمن بنشر أرقام هواتف أعضاء لجنة التعليم في مجلس النواب على صفحتهن “ثورة الأمهات”، وطلبن من السيدات إمطار الصفحة بالرسائل وبمطالبات إلغاء القرار.
وأمام عزيمة الأمهات، تبدلت ردود الفعل الرسمية، وأصدر البرلمان تعليماته إلى وزير التعليم، بإرجاء تفعيل القرار للعام الدراسي المقبل، فما كان من المسؤولين بالوزارة إلا الرضوخ لمجلس النواب. ما ساعد الأمهات على تصعيد الموقف واستجابة البرلمان لهن، أن هذا التكتل النسائي كان مصدر معلومات ثريا للصحف والمواقع الإخبارية، حيث كانت كل أم تحكي قصة ابنها، وحالته النفسية منذ صدور قرار إعادة الدراسة بلغة غير التي درس بها، وكانت الصحافة تنشر هذه القصص دون تعديل، ما جذب المسؤولين لمتابعتها، وأصبحت كل قصة مثار حديث المواقع الإخبارية، كإحدى وسائل الضغط التي اتبعتها السيدات.
القرار الذي أصدره وزير التربية والتعليم بوقف تدريس بعض المواد باللغة العربية، أعاد الأمهات إلى المواجهة مع الحكومة
وقالت عبير أحمد، مؤسسة حملة “تمرد الأمهات”، إن نجاح نساء مصر في الضغط لتأجيل القرار، يعني أنهن قوة لا يمكن الاستهانة بها، ولا بد أن تكون الأمهات شريكات أساسيات في وضع السياسات التعليمية التي تمس الأبناء بشكل مباشر، وأكدت أن هذه هي المرة الثالثة التي يهزم فيها استخفاف المسؤولين بأمهات مصر خلال عام واحد. وأضافت لـ”العرب” أن تدخل الأمهات في وضع السياسات التعليمية، أو حتى تعديلها بالرأي والنصيحة، يخفف الضغوط النفسية عن الأبناء، لأنهم سيشعرون بالراحة من دخول الأم كعضو في التخطيط لمستقبلهم التعليمي، ومن ثم الوظيفي في ما بعد.
وشددت على أن الأمهات لن يسكتن إلا بعد أن يعاد النظر في المنظومة التعليمية برمتها. اهتمام الرأي العام بهذا “التمرد النسائي”، جعل نائبات البرلمان (وعددهن 89)، يعلنّ تضامنهن مع “أمهات مصر”، ويعقدن العزم على تبني الحملة بشكل مستمر داخل البرلمان، لممارسة الضغط على الحكومة، كي تسرع بتغيير السياسة التعليمية، وسيطلبن استجواب المسؤولين عن المنظومة التعليمية تحت قبة المجلس، من أجل حماية الأطفال وصون مستقبلهم.
وقال عبدالرحمن البرعي، عضو لجنة التعليم بالبرلمان، لـ”العرب”، إن الأم هي التي تعرف مشكلات الطفل في المدرسة أكثر من الجميع، وعندما تجد أن ابنها متعب نفسيا، بسبب قرار متسرّع وفي توقيت خطأ، فلن تتركه كذلك، وإذا كانت الحكومة تؤجل اتخاذ السياسات اللازمة، أو ترفض التغيير، فإن اتحاد الأمهات سوف يجبرها على تغيير السياسات. ولفت متابعون للشأن التعليمي في مصر، إلى أن البرلمان بدأ يستمع إلى هذه القوة الاجتماعية في مسألة تطوير التعليم لأن الأمهات تحديدا يتمتعن بعقول تنويرية، ولا بد من تشريكهن في مستقبل أبنائهن، لا سيما أنهن شاركن في تعديل مسار مستقبل الدولة وهو ما يعجّل بتغيير السياسة التعليمية.