الأحلام تكشف عن المناطق المظلمة في حياتنا النفسية

تثبت الأحداث في الحلم، بما فيها من تنبؤات وأخبار، بأنه في الإمكان الوصول إلى مديات عميقة من الحقائق قد تكون مرآة لحياتنا في اليقظة؛ فالأحلام تخبرنا عن ما نعرفه أو نفكر فيه وحتى ما قد نشعر به في حياتنا الواقعية، كما أنها ترشدنا إلى رغباتنا، ما نريد أو نتمنى، ما يتوجب علينا فعله ومدى صحة علاقتنا بالأشخاص والأماكن والأشياء التي تحيط بنا، ثم يمكنها أن توجهنا إلى ما يجب القيام به، إلى أعمالنا التي لم تنجز بعد، حيث المرآة التي لا تجامل ولا تكذب أبداً.
الأربعاء 2018/02/21
الأحلام تعزز رؤيتنا القاصرة في النهار

في دراسة حديثة لجامعة جونز هوبكنز الأميركية، وُجد بأن النساء الحوامل اللاتي لديهنّ حدس في ما يتعلق بجنس جنينهن قد صدقت توقعاتهن بنسبة 70 بالمئة أغلب الوقت، إلا أن السيدات الحوامل اللاتي تعرفن إلى جنس أجنتهن أثناء النوم، أي في الأحلام، بلغت نسبة صحة توقعاتهن 100 بالمئة.

ويرى معظم المتخصصين في علم النفس بأن الأحلام لا تتحقق فقط كما قد يظن البعض، بل إنها الحقيقة بحد ذاتها، فنحن عندما نتحدث عن أحلامنا التي ستتحقق فإنما نتحدث في الواقع عن طموحنا ورغباتنا المقبلة.

ويرى غريغ ليفوي؛ الكاتب الأميركي وأستاذ الصحافة في جامعة نيو مكسيكو الأميركية، بأن اللاوعي، الذي تنبع منه الأحلام، يمثّل صورة ما ينبغي أن نكون عليه وتعبيرا عن احتمالات ما سيحدث لنا بالليل والنهار.

 كما أن بعض الأشياء، مثل النجوم، لا يمكن أن نراها إلا في الظلام، فإن هناك أشياء تكمن في لا وعينا لا تظهر في وضح النهار، فتكون صيغة الأحلام مجالاً حالكاً للكشف عنها ورؤيتها بوضوح، فالأحلام تعزز رؤيتنا القاصرة في النهار وتمنحنا الحلول لمشاكلنا كما توفّر المعلومات الناقصة التي تغيب عنا في اليقظة، وهي تعمل كالمصباح الذي ينير المناطق المظلمة في وعينا.

ولهذا، فإن تجاهل محتوى أحلامنا، يمنعنا من رؤية الصورة الكاملة لأحداث حياتنا ويعزلنا عن المكان الذي تنبعث منه مشاعرنا ورغباتنا الحقيقية، فضلاً عن ذلك، فإن معظم التقاليد الروحية عبر العصور والحضارات الإنسانية اعتمدت الأحلام باعتبارها رسائل من الآلهة وترى في فصل اليقظة عن الأحلام، الوعي عن اللاوعي، بمثابة تمزيق الخيوط التي تربطنا بين هذه العوالم التي ينبغي أن تكون مكمّلة لبعضها في وحدة متجانسة، فإذا رغبت بوسيلة تساعد على معرفة روحك وتتبعك في مسار حياتك، فلا شيء أفضل من استقراء الأحلام.

وظيفة الحلم الكشف عن الرموز والرسائل التي يعبر عنها لاوعي الإنسان عندما يتوارى الوعي في مرحلة النوم

يقول ليفوي “على العكس مما هو متداول عن الأحلام، كونها غير حقيقية، فإنها في الواقع حقيقية إلى أبعد حدّ ممكن أن نتخيله؛ فهي تنقل لنا معلومات حقيقية، مشاعر حقيقية، ثم ستكون لها عواقب حقيقية إذا تم تجاهلها. في حالة تجاهلها، سيضطر اللاوعي للبحث عن قنوات أخرى غير الأحلام لتمرير المعلومات، وستكون بالتأكيد أعراضاً واضطرابات نفسية كما هو الحال مع أي شيء يتم تجاهله، كلما تجاهلنا أحلامنا فإنها قد تبدو أقرب إلى التحقق!”.

هذه هي وظيفة الحلم؛ الكشف عن الرموز والرسائل التي يعبّر عنها لا وعينا عندما يتوارى الوعي في مرحلة النوم، فيما يكمن التحدي في محاولتنا لكسر ألغاز هذه الرسائل وفكّ رموزها، بدلاً عن تجاهلها ومحاولة الهروب منها. هناك رسائل تتطلب وقتا وجهدا وصلابة لفظ رموزها، تماماً مثلما يفعل خبراء المفرقعات قبل أن تنفجر وتسبب الكارثة.

في بعض الأحيان، تفشل محاولاتنا المستمرة لتذكّر أحلام معيّنة وسبب النسيان الذي يحدث أحياناً يعود إلى أن جزءا منّا لا يرغب في تذكّرها بسبب الرسائل المزعجة التي تحملها أو الأشياء التي تفصح عنها ولا نرغب بكشفها، وربما تشير بعض الأحلام إلى الخيار أو الاتجاه الذي ينبغي أن نسير إليه، وهذا هو سبب التهرّب منها والاحتفاظ بها مجددا في لا وعينا حيث المنطقة المظلمة من حياتنا النفسية.

وكان مؤسس مدرسة علم النفس التحليلي في مطلع القرن العشرين، عالم النفس السويسري كارل يونغ، يعتقد بأن الأحلام تعطي معلومات عن أسرار الحياة الداخلية وتكشف للحالم عناصر خفية عن شخصيته، فإذا ظلت غير مكتشفة فإنها تزعج حياة يقظته فتظهر على شكل أعراض، لهذا، فإنه يقتضي أن تكون هناك عملية كاملة من التمثّل الواعي للمحتويات غير الواعية؛ أي التفسير المتبادل للمحتويات الواعية وغير الواعية.

عموماً، يؤكد علماء النفس على أن الحقيقة ربما تكون مؤلمة أو مخيفة، لكننا يجب أن نتقبّلها حتى إذا كانت في صيغة رسالة تحذير ضمن حلم. في الوقت ذاته، لا يمكننا التعامل مع الانطباع الأول الذي يتركه الحلم باعتباره تفسيراً مباشراً للرسالة، إذا ينبغي أن ننظر إلى الصورة الكاملة والصور والأشخاص والأماكن والأسماء، إضافة إلى المشاعر والذكريات التي تستدعيها هذه الرموز وبالتالي، علينا أن نختار الصورة الأكثر تأثيراً ومعنى لنستدعي الرموز والرسائل التي تمثلها. من ناحية أخرى، يوصي علماء النفس بضرورة تجنّب استخدام قاموس الأحلام؛ هذا يعني أن نتجنّب استخدام تفسيرات لمدلولات متفق عليها في العموم، فهناك بعض التفسيرات العامة لمحتويات الأحلام خاصة الأشياء مثل الحذاء والقميص والباب والمنزل والقبر والجامع والسوق وغيرها من مشاهد الحلم، لكن ليس بالضرورة أن تناسب هذه التفسيرات القاموسية جميع الأِشخاص.

فالحلم هو تجربة شخصية جداً وهو يتبع ظروف وملابسات حياة الشخص الخاصة، فرؤية الماء على سبيل المثال يختلف إذ كان الشخص الحالم قد خبر تجربة الغرق في طفولته، عن الشخص العادي الذي يمكن أن يمثل له رؤية الماء الدخول في تجربة حياتية جديدة، على وفق تفسير بعض القواميس.

وترتبط الأحلام بأحداث الحاضر أيضاً، لهذا علينا أن نبحث عما يلائمها من أحداث حياتنا اليومية فهي تعبير أكيد عن مشاعرنا تجاه ما نعيشه أو ما نعانيه من صراع ما في اليقظة، فإذا لم نحصل على تفسير مباشر للحلم فربما يرتبط معناه بانعكاس معيّن على حياتنا؛ يحلم أحدنا بأنه يفقد السيطرة على فرامل السيارة ويشعر بالرعب جراء ذلك، أما المعنى المباشر فيقول بأن السيارة الشخصية فعلاً بحاجة إلى إجراءات صيانة، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فإن رمز الحلم يعني بأن حياتنا وأحداثها هي خارج نطاق سيطرتنا وبأننا غير قادرين على أن نتوقف أو نوقف تهورنا في تصريف أمر ما.

وأكثر من ذلك، يؤكد متخصصون على أننا لا ينبغي أن ننتظر المصادفة كي نحلم، بل علينا أن نكون مهيئين لاستقباله؛ ببساطة نخلد إلى النوم وفي نيتنا أن نجد رسالة أو خيطاً ما في حلم، يصادف أن يحمل معه حلاً لمشكلة واجهتنا في اليقظة ولم نتمكن من فك خيوطها.

21