"2020" مسلسل لبناني يستلهم من الواقع حبكته الدرامية

العمل يقدّم بشكل احترافي قصة بدت واقعية عن عصابة تمتهن الاتجار في المخدرات وقوى الأمن اللبنانية تسعى لفك شفراتها.
الأربعاء 2021/05/05
صراع الحب والثأر

تعيش الدراما العربية حالة من التخبّط والقلق منذ بضع سنوات، وخاصة مع تزايد القنوات الفضائية ومنصات العرض وانتشار فكرة العرض والطلب التي باتت سيدة الموقف. وتزداد هذه الحالة وتتكرّس في الموسم الرمضاني لارتباطه بشكل مباشر بالدراما التلفزيونية وما تحمله من تنافسية بهدف جذب الجمهور، فيعيش الكتّاب حالة من القلق التي تبدأ غالبا من نقطة اختيار النص المطلوب كتابته في المرحلة الراهنة ولا تنتهي إلاّ مع نهاية العرض الجماهيري للعمل.

ورغم أن البعض يرى أن الدراما غالبا ما تستمد مواضيعها من الواقع، إلاّ أن البعض الآخر بات يرى عكس ذلك، فالواقع هو من يستمدّ مواضيعه وحبكاته وأحيانا جزءا من لصوصيّته وبعضا من تفانين جرائمه من الدراما نفسها. لكن الحقيقة تؤكّد أن كليهما، أي الدراما والواقع، يستغلان بعضهما البعض ولا يبقى للفنان، وخاصة الكاتب، سوى الحيز الصغير لإعادة بناء ذلك الواقع أو المتخيل وصياغته بطريقة فنية قد تقترب حقيقة من الواقع وقد تبتعد عنه.

وضمن هذا السياق يتنزّل مسلسل “2020” الذي كتبه بلال شحادات وندين جابر وأخرجه فيليب أسمر وقامت بإنتاجه شركة “الصباح”، بينما لعب بطولته كل من الفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم والفنان السوري قصي خولي إلى جانب نخبة كبيرة من الفنانين اللبنانيين على غرار كارمن لبس ورندة كعدي وبيير داغر وضيف الشرف رامي عياش وغيرهم.

وتدور أحداث “2020” وبشكل مختصر حول “صافي” الذي يلعب دوره قصي خولي أحد تجار المخدرات الذي يعيش في حي بيروتي شعبي فقير يتستّر بمهنة بائع خضروات، ولكنه يمتلك في الوقت عينه عالما سفليا آخر يديره ويتحكم به وهو عالم خصّص للمخدرات، ولأجله جُمّعت ووظّفت بشكل سري العشرات من الفتيات الهاربات وربما المختطفات.

وعبر حلقات العمل الأولى التي كتبت ربما ليعرض في الموسم الرمضاني السابق وليس الحالي، نطالع أهم الطرق والأساليب المبتكرة التي يتم من خلالها تهريب المخدرات سواء عبر الملابس الداخلية أو عبر دسّها في الخضار والفاكهة أو حتى عبر ابتلاعها من قبل بعض الفتيات وإخراجها لاحقا بطرق مختلفة، ولو على حساب حياتهنّ.

وتبدأ الحكاية دراميا بموت “جبران” أحد عناصر قوى الأمن الداخلي والذي يلعب دوره المطرب والنجم اللبناني رامي عياش كضيف شرف في لفتة جميلة من الشركة المنتجة والمخرج لتوظيف شخصية ذات جماهيرية لذلك الدور، لتنطلق رحلة (النقيب سما) شقيقته والتي تلعب دورها نجيم في مطاردة العصابة والكشف عنها، فتُزرع  وتُدسّ في ذلك الحي بهدف اكتشاف خباياه وتفاصيله.

وكادت قصة العمل في حلقاته الأولى أن تكون كلاسيكية تُشبه بعض الأعمال المقتبسة من قوالب أجنبية أعيدت صياغتها لتلائم مجتمعاتنا العربية، وهذا الكلام ليس ذمّا في العمل ولا حتى بكتّابه، فالعشرات من الأعمال الدرامية التي نتابعها اليوم أخذت من أعمال روائية وسينمائية ومسرحية وغيرها وعُدّلت وعولجت لتلائم مجتمعاتنا، ولكن المفاجئة السخية التي رافقت عرض العمل وتزامنت بشكل كبير مع بعض تفاصيله جعلت منه عملا عربيا واقعيا بامتياز ونقطة إيجابية تحسب لأصحابه.

فقد نشرت بعض وسائل الإعلام خبرا حول شحنة الرمان التي وصلت إلى السعودية قادمة من لبنان محمّلة بالمخدرات، وبات السؤال المحيّر كيف تنبأ كاتبا العمل بتلك الوسيلة في التهريب، أم أن تلك طريقة قديمة جديدة عرفا بها نتيجة بحث دؤوب؟ والصدفة كانت خير دليل للمُشاهد ليصبح العمل معها أكثر واقعيا وصدقا وليس عملا مقتبسا أو قادما من الخارج.

وقام المخرج فيليب أسمر بتقديم عمل احترافي، ليس فقط على صعيد الإخراج وزوايا التصوير والإضاءة، بل على صعيد اختيار الممثلين وإدارتهم، وخاصة المخضرمين منهم مثل رندة كعدي وكارمن لبس وإظهارهما بطريقة وشكل مختلف تماما.

فتؤدّي الفنانة اللبنانية رندة كعدي باقتدار كبير دورها (أم ديب)، وهي الأم البسيطة الطيبة والحنون والعفوية، والتي تفجع بابنها الصغير الذي يتعاطى ذلك السمّ الذي لا تعرف حقيقة أن من يبيعه ويروّج له هو ابنها وأخوها فتموت قهرا، وهي في ذلك بدت كأم حقيقية تماهت تماما مع بيئتها الشعبية البسيطة لدرجة أن موتها في منتصف العمل لم يبك فقط من حولها بل حتى الجمهور المندمج معها.

وقدّمت الفنانة كارمن لبس في “2020” دورا جديدا عليها، وبشكل كلي، يبرز قدراتها العالية في امتلاك أدواتها كممثلة من طراز خاص، فهي قوية وعنيفة وصاحبة سلطة من الخارج، ولكنها في ذات الوقت هشة وطيّبة وربما ضعيفة جدا من الداخل، وهي المرأة القادرة على قيادة كتيبة كاملة من الفتيات المتمرّدات، لكنها الضعيفة تحت سطوة الحب والاهتمام.

وبعيدا عن بعض التساؤلات التي قد تخطر للمشاهد حول أهمية أن يؤدّي خولي دوره باللهجة السورية منفردا ضمن هذه العمل دون أي مبرّر درامي واضح وصريح،  جاء أداؤه كلاسيكيا عاديا لرجل يعمل في تجارة المخدرات، ولكنه يملك قلبا صافيا يستطيع من خلاله أن يمتلك قلوب من حوله بمن فيهم “حياة” القادمة من أجل مهمة وواجب وطني.

لكن ذلك الأداء يتطوّر بشكل ملحوظ بداية من الحلقة 15 لحظة وفاة الأم، ليبدو عليه التماسك على الرغم من الانهيار الداخلي والوهن وليتحوّل ذلك الأداء الكلاسيكي إلى أداء مشحون بالعواطف والمشاعر الطفولية لرجل يحكم عالما خاصا به، ولكنه ضعيف جدا تجاه فراق والدته.

14