"يوم عادي جدا".. فيلم سوري تمتد أحداثه على يوم واحد

حقّق الفيلم السوري "يوم عادي جدا" حضورا لافتا في العديد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية التي شارك فيها. وهو فيلم قُدّم ضمن مشروع حاضن لهواة السينما في سوريا، استطاع من خلاله مخرجه الشاب أنس زواهري أن يثبت أن السينما أساسها الفكرة الجيدة القادرة على تحقيق معادلة الأقل كلفة والأكبر حضورا.
دمشق - تبدو محاولة إنتاج فيلم سينمائي بإمكانات إنتاجية بسيطة وتحقيق حضور هام فيه على منصات العرض والتتويج أمرا في غاية الصعوبة، والذي لا يتوفّر لدى الكثير من مخرجي السينما، فالشرط الإنتاجي الموضوعي للفيلم أمر حاسم في تحقيق مستوى فني وفكري منافس، خاصة أمام العديد من الأفلام التي تحقّق شرطية إنتاجية عالية تقدّم من خلالها مستوى تقنيا مبهرا.
لكن البعض من الموهوبين في فن السينما يكسرون هذه القاعدة، وينتجون أفلاما لا تكلف الكثير من المال، لكنها تحمل موضوعات وأسلوب تنفيذ يجعلانها قادرة على تحقيق معادلة الكلفة الأقل والحضور الأكبر.
وفيلم "يوم عادي جدا" واحد من هذه المشاريع التي حقّقت حضورا سينمائيا بارزا في المهرجانات العربية، رغم كلفته الزهيدة، حيث أنجز ضمن مشروع دعم سينما الشباب الذي تقوم عليه المؤسسة العامة للسينما في سوريا، وهو مخصّص لهواة السينما فيها، أخرجه الشاب أنس زواهري بإمكانات إنتاجية بسيطة، وصوّر في معظمه داخل سيارة أجرة في مدينة دمشق. وجمع فيه طاقات شابة تدخل معترك الحياة السينمائية حديثا متلمسة أوائل خطاها فيه.
حضور دولي
الفيلم يحكي عن رحلة مهنية يومية لشاب يعمل سائقا لسيارة أجرة، ويعيش حياة قاسية كغيره من البسطاء في سوريا تحت سطوة ما خلفته الحرب فيها من خلخلة في نسق العيش السليم والمريح، حيث يرزح السائق تحت كاهل غلاء المعيشة وصعوبة تحصيل الرزق.
فيبادر إلى أسلوب يحمل ملامح التلاعب أو الضغط النفسي على زبائنه، وذلك عبر قصّ العديد من حكايات معاناته وأسرته عليهم، مستعطفا إياهم لدفع المزيد من المال له، ولكن نجاحاته لا تكون كبيرة، حيث يصطدم بالعديد من الناس الذين يرفضون أسلوبه في العمل.
ويركّز الفيلم على طبيعة الأشخاص الذين يصعدون مع السائق عبر رصد مباشر للحياة الروتينية التي يمرّ بها أي شخص خلال يومه الاعتيادي، والتي باتت تعبّر بشكل أو بآخر عن طبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه هؤلاء الأشخاص، باختلاف طبقاتهم الاجتماعية، حيث يعتبر الفضاء المكاني داخل سيارة الأجرة جزءا مصغّرا من العالم الكبير.
والفيلم هو المحاولة الأولى لمخرجه أنس زواهري، وهو أحد خريجي دبلوم العلوم السينمائية وفنونها، والذي درس التصميم الهندسي أولا، لكن شغفه بالسينما جعله يتوجّه لدراستها بعد عام من تخرجه.
ومن خلال منح الأفلام التي يقدّمها المشروع، أُنتج فيلم "يوم عادي جدا" وحقّق به في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة بدورته السابعة التي أقيمت عام 2020 الجائزة الذهبية، وكانت لجنة التحكيم حينها مؤلفة من المخرج باسل الخطيب رئيسا وعضوية كل من الفنانة كندا حنا والموسيقي عدنان فتح الله.
الفيلم يرصد طبيعة الأشخاص الذين يصعدون مع سائق التاكسي، مستعرضا الحياة الروتينية التي يمرّون بها خلال يومهم
ولم تقف مشاركات الفيلم عند حدود سوريا بل تابع مسيرته في المهرجانات السينمائية بكثير من الثقة، فشارك في مهرجان سينمانا في سلطنة عمان ومهرجان الرافدين في العراق، كما شارك في مهرجانات سينمائية عربية أخرى وحقق فيها عددا من الجوائز، لعل أبرزها مشاركته في مهرجان الإسكندرية السينمائي للفيلم القصير، حيث نال جائزة هيباتيا الذهبية كأفضل فيلم، كما حصل على الجائزة الفضية في مهرجان السينما الجديدة في الكويت.
والفيلم الذي حقّقته مجموعة من الهواة بمشاركة بعض المحترفين، وبممثل واحد هو همام رضا وبمشاركة سليم صباغ وتماضر غانم وفؤاد علي وإليانا سعد ومحمد وحيد قزق، يمتلك آفاقا جديدة ستمكنه من المشاركة في مجموعة من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية القادمة.
فخلال شهر أغسطس الجاري سيشارك في مهرجان لاهاي السينمائي في هولندا بمسابقة أفضل فيلم أجنبي قصير، كما تم اختيار الفيلم ليشارك في مهرجان كاتوناه للسينما الكلاسيكية في نيويورك بالولايات المتحدة، وهو مهرجان يقام في الهواء الطلق.
كما سيشارك في مهرجان سبوت شوت الدولي للأفلام القصيرة في لبنان، وأيضا في المهرجان المصري الأميركي للسينما والفنون في نيويورك. وفي قارة آسيا سيشارك في مهرجان نيبال الثقافي العالمي عن فئة أفضل فيلم عالمي لحقوق الإنسان. وكذلك ضمن الفيلم مشاركته في مهرجان كانساس السينمائي في مدينة ميزوري في الولايات المتحدة.
مبدعون شباب
الفيلم حفل بجهد متميّز على مستوى الضوء والتصوير، الذي برع فيه ميار النوري، رغم ما واجهه خلال تصوير العمل من مشاق، تلخّصت في المكان الواحد الضيق، هو حدود سيارة أجرة.
لكنه قدّم حلولا مكنته من ابتداع مشاهد لاقت قبولا لدى المشاهدين، وهذا ما أشاد به رئيس لجنة التحكيم المخرج باسل الخطيب، يوم إعلان نتائج مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة بدورته السابعة.
وعن نجاحات الفيلم والحضور الذي حقّقه في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية والعربية، يقول زواهري لـ"العرب”، "تقبّل الناس لفيلم 'يوم عادي جدا' بكل ذلك الترحيب، خاصة أولئك الذين يحملون ثقافة مغايرة عن ثقافة شعوبنا العربية ويعيشون في بيئات أخرى مختلفة، أمر مثير بالنسبة إلي، حيث أعطاني ثقة في نفسي على صعيد الإخراج السينمائي، خاصة أنني تمكنت من إخراج فيلم سينمائي بأقل التكاليف الممكنة، ومع ذلك استطعت من خلاله التواصل مع الآخر وإبلاغه فكرة العمل".
ويضيف "أثبتنا من خلال الفيلم أننا كشباب سوريين قادرون على إنتاج أفلام جيّدة، وهذا لا يتم سوى بإرادتنا القوية وعملنا الجماعي وشغفنا بتعلم المهنة بحرفية أكبر".
ويتابع زواهري حديثه عن بعض تفاصيل الفيلم، فيقول "يوم عادي جدا' التجربة الأولى لي في الإخراج السينمائي، وجاء العمل خلال ثماني عشرة دقيقة على نمط الكوميديا السوداء، متناولا قصة من الزمن الحالي لسائق تاكسي اسمه أبوفراس، حيث تدور جميع أحداث الفيلم في مدينة دمشق وخلال يوم واحد من عمله، وسائق التاكسي كغيره من سكان هذه المدينة، يعاني من ضغوط مختلفة مادية ومعنوية معظمها خلفتها الحرب، وبالتالي يضطر لابتكار أسلوب معين في عمله لكسب المزيد من المال وزيادة دخله اليومي".
والفيلم صوّر في معظمه داخل سيارة أجرة وهي تسير في المدينة وبكاميرا محمولة على الكتف وبأقل كلفة إنتاجية وبحد جمالي معين وغير عال، ليأتي حيويا حاملا صبغة الفيلم التسجيلي، وهو الجهد الكبير الذي قدّمه فيه مدير الإضاءة ميار النوري.
ويضيف زواهري "ما حقّق الحيوية في الفيلم هو الأداء العفوي للممثل الشاب همام رضا الذي قدّم شخصية حياتية بكل تفاصيلها.. والفيلم محاولة منا لكي نقول إن السينما فن جميل وباستطاعة الشباب السوري من خلالها أن يقدّموا ما هو أجمل".