يوسف العثيمين.. عالم اجتماع سعودي يقود برنامج تطوير "التعاون الإسلامي"

العثيمين يرى أن التخلص من الإسلاموفوبيا يأتي بالقضاء على التطرف.
السبت 2020/11/14
في المكان المناسب

يسعى يوسف العثيمين وعبر أمانته لمنظمة التعاون الإسلامي إلى إظهار حقيقة الإسلام، وكشف القناع الذي تتستر خلفه الحركات الإسلامية والدعوة إلى الحذر منها، محاولاً  تقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء، كل ذلك عبر المنصة التي تحاول أن تكون منظمة الصوت الجامع للمسلمين، مؤملا من قادة الرأي والإعلام والتخصصات الكبيرة من المسلمين في شتى بقاع دول العالم أن يعبّروا عن رفض ظاهرة الإرهاب المنسوبة للإسلام، وألا يتقوقعوا على أنفسهم ويعيشوا في عزلة بعيدة عن الاندماج في مجتماعاتهم، مع الحرص على التقيد بقوانين الدول التي يعيشون فيها.

إشكالية الهوية

العثيمين في أحاديثه المختلفة، يؤكد على أن أبرز مشكلة يواجهها المسلمون في الدول هي عدم اندماجهم في محيطهم وانكماشهم ومعيشتهم في حي واحد، حيث يرتدون زي دولهم التي أتوا منها، ويقومون بنفس العادات والتقاليد التي يمارسونها في مجتمعاتهم الأصلية، وإن كانت مخالفة مع طبيعة البلد الذي يعيشون فيه، يقول “هنا تظهر إشكالية الهوية، فتظهر معها الفوارق والتي تستغلها المنظمات الإرهابية”.

جهاده ينصب على أن تتخذ المنظمة مكانتها وشخصيتها وأن تكون صاحبة الدور الأوسع لجميع الدول الإسلامية، والمظلة الوحيدة لأي ملتقى أو مؤتمر إسلامي، بهدف نشر الوعي، ومن هذا المنطلق يحاول دوماً نفي أي خلاف مذهبي بين دول الأعضاء في المنظمة.

يرى العثيمين أن هناك بوناً شاسعاً بين حرية التعبير والإساءة للإسلام، فحرية التعبير لها حدود وليس من سماتها الاستفزاز، ولابد من ربط ظاهرة الإسلاموفوبيا بظاهرة الإرهاب باعتبار أن كلا منهما يقتات على الآخر. وكلما زادت حوادث الإرهاب كلما زادت هذه الفوبيا، وبالتالي لابد من القضاء على  النزعات المختلفة من التطرف والغلو والتي هي تنبع من تفسيرات خارجة عن السياق، مبينا أن موضوع الإسلاموفوبيا له أبعاد سياسية وثقافية وقانونية وتنويرية.

ولم تنحصر نشاطاته وجهوده في زيارة الدول الأعضاء، بل أعطى مهامه بعداً آخر تجلى في زيارته لبابا الفاتيكان والجلوس معه، وكان أبرز ما قاله في حضرته بأن “القواسم المشتركة بيننا كبشر أكبر بكثير مما قد نختلف عليه، فنحن نعيش على كوكب واحد اسمه الأرض، مستخلفون على عمارته، نشترك في الكثير من القيم، وسيكون لزاما علينا أن نحافظ على هذه الأرض التي نعيش عليها ونحافظ على مقدراتها”، لينهي زيارته بإهداء البابا لوحة نقشت عليها آية من القرآن الكريم نصها “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”.

خطورة الإخوان المسلمين

العثيمين الذي ترأس المنظمة منذ نوفمبر 2016  حدّد مبكراً ثلاث نقاط رئيسية رآها ضرورية لوضع حد لجماعة الإخوان المسلمين والتي وصفها بالخطيرة بدءاً من مواجهتها، والاعتراف بوجود مشكلة في أفكارها، إضافة إلى فضح مخططاتها. فهناك من العامة، كما يقول، من لا يعرف خطورة حركة الإخوان، ومدى تأثيرها في حال وصلت إلى السلطة، وكيف ستحوّل المحيط الذي تقبع فيه إلى منطقة متأخرة اقتصاديا واجتماعيا.

وكثيراً ما ركّز على أهمية إسقاط القدسية عمّن يسمون بالعلماء في تلك الجماعة، مشدداً على ضرورة إيجاد استراتيجية طويلة الأمد لمواجهتها. قائل مؤخراً إنه “لا بد لدول العالم الإسلامي من التعامل بحزم وشدة في هذا الملف، ويجب أن يكون لديها النفس الطويل في ملاحقة هذه الجماعة للحد من خطورتها وتمددها، ووقف نشاطاتها الثقافية والاجتماعية التي تكون محطة لاستقطاب الشباب الواعدين والذي يمتلكون الذكاء والبلاغة”.

العثيمين هو الأمين العام الحادي عشر لمنظمة التعاون الإسلامي التي أنشئت في المغرب أواخر الستينات، والتي تصنّف كثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، حيث تضم في عضويتها 57 دولة موزعة على أربع قارات

وماهي إلا أيام، تلت تصريحاته تلك، حتى صدر بيان من الهيئة العامة لكبار العلماء في السعودية أقرّ أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث لأفكار الفتنة، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو حسب البيان “مُحرّم بدلالة الكتاب والسنّة وفي طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها جماعة الإخوان المسلمين، فهي جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم”.

وأضاف البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية “ومما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة للهدي، فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها”.

ولا يعد بيان هيئة كبار العلماء الأول في ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين فقد سبقه بيان صدر في يونيو عام 2017 جاء فيه أن جماعة الإخوان ليس لها عناية بالعقيدة، ولا بالسنة، ومنهجها قائم على الخروج على الدولة إن لم يكن في البدايات، ففي النهايات، ومكمن الاختلاف ما بين البيان الصادر حديثا وما سبقه هو وصفه للجماعة بالإرهابية. وفي خطوة سابقة من الحكومة السعودية أدرجت في مارس عام 2014، جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة وحزب الله داخل المملكة، وتنظيم داعش وجماعة الحوثي وجبهة النصرة، ضمن قائمة الإرهاب.

عالم اجتماع في المنصب المناسب

نشاطات العثيمين لم تنحصر في زيارة الدول الأعضاء في منظمته، بل أعطى مهامه بعداً آخر تجلى في زيارته لبابا الفاتيكان والجلوس معه
نشاطات العثيمين لم تنحصر في زيارة الدول الأعضاء في منظمته، بل أعطى مهامه بعداً آخر تجلى في زيارته لبابا الفاتيكان والجلوس معه

حصل العثيمين على درجة البكالوريوس من كلية الآداب بجامعة الملك سعود، قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وعلى شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة أوهايو في الولايات المتحدة الأميركية في علم الاجتماع وفي علم الاجتماع السياسي والرعاية الاجتماعية.

بدأ مساره المهني أكاديمياً محاضراً في جامعات المملكة، وصدر الأمر الملكي بنقله إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مستشارا بمكتب وزير العمل، ثم وزيراً للشؤون الاجتماعية. كما عمل كمستشار غير متفرغ في وزارة الداخلية، وهو عضو لجنة تطوير الخطط الإعلامية والوقائية من المخدرات والمؤثرات العقلية في وزارة الإعلام، وحاز عضوية الوفد الوزاري السنوي لمؤتمرات مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب في جامعة الدول العربية، وعضوية لجنة تطوير منهاج الخدمة الاجتماعية في الكليات التابعة للرئاسة العامة للبنات، وأيضا شارك في حلقة التخطيط الاستراتيجي لوكلاء الوزارات.

ثاني أكبر منظمة في العالم

العثيمين هو الأمين العام الحادي عشر لمنظمة التعاون الإسلامي التي تصنّف كثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، حيث تضم في عضويتها سبعًا وخمسين دولة موزعة على أربع قارات. وتُمثل المنظمة الصوت الجماعي للعالم الإسلامي وتسعى لحماية مصالحه والتعبير عنها دعماً للسلم والانسجام الدوليين وتعزيزاً للعلاقات بين مختلف شعوب العالم.

برنامج العمل الجديد للمنظمة يتضمن 18 مجالاً من المجالات ذات الأولوية و107 أهداف. وتشمل هذه المجالاتُ قضايا السلم والأمن ومكافحة الإرهاب والتناغم بين الأديان وغيرها

وقد أُنشئت بقرار صادر عن القمة التاريخية التي عُقدت في الرباط بالمملكة المغربية في 25 سبتمبر عام 1969ردًا على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة. وعُقد في عام 1970 أول مؤتمر إسلامي لوزراء الخارجية في مدينة جدة السعودية، وقرر إنشاء أمانة عامة يكون مقرها جدة ويرأسها أمين عام. وجرى اعتماد ميثاقها في الدورة الثالثة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية.

وضع الميثاق أهداف المنظمة ومبادئها وغاياتها الأساسية المتمثلة بتعزيز التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء. وتم تعديل ميثاق المنظمة لاحقًا لمواكبة التطورات العالمية، فكان اعتماد الميثاق الحالي في القمة الإسلامية الحادية عشرة التي عُقدت في داكار، عاصمة السنغال عام 2008 ليكون الميثاق الجديد عماد العمل الإسلامي المستقبلي بما يتوافق مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.

وتنفرد المنظمة بكونها جامعة كلمة الأمة وممثلة المسلمين وتناصر القضايا التي تهم ما يزيد عن مليار ونصف المليار مسلم في مختلف أنحاء العالم. وترتبط بعلاقات تشاور وتعاون مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية بهدف حماية المصالح الحيوية للمسلمين، والعمل على تسوية النزاعات والصراعات التي تكون الدول الأعضاء طرفًا فيها. وقد اتخذت خطوات عديدة للدفاع عن القيم الحقيقية للإسلام والمسلمين وتصحيح  المفاهيم والتصورات الخاطئة، كما ساهمت بفاعلية في مواجهة ممارسات التمييز ضد المسلمين بجميع صورها.

تحديات العصر

العثيمين يحرص على التذكير بضرورة إسقاط القدسية عمّن يسمون بالعلماء في جماعة الإخوان المسلمين، متناغماً مع توجه الرياض نحو الحسم معها
العثيمين يحرص على التذكير بضرورة إسقاط القدسية عمّن يسمون بالعلماء في جماعة الإخوان المسلمين، متناغماً مع توجه الرياض نحو الحسم معها

تواجه الدول الأعضاء في المنظمة تحديات متعددة في القرن الحادي والعشرين. ومن أجل معالجة هذه التحديات، وضعت الدورة الاستثنائية الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عُقدت في مكة المكرمة في ديسمبر 2005 خطة على هيئة برنامج عمل عشري يهدف إلى تعزيز العمل المشترك بين الدول الأعضاء. واستُكملت عملية تنفيذ مضامين برنامج العمل العشري للمنظمة بنجاح. وقامت بصياغة برنامجٍ جديدٍ للعشرية القادمة الممتدة بين عامي 2016  و2025.

ويستند برنامج العمل الجديد إلى أحكام ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، ويتضمن 18 مجالاً من المجالات ذات الأولوية و107 أهداف. وتشمل هذه المجالاتُ قضايا السلم والأمن، وفلسطين والقدس الشريف، والتخفيف من حدة الفقر، ومكافحة الإرهاب، والاستثمار وتمويل المشاريع، والأمن الغذائي، والعلوم والتكنولوجيا، وتغيّر المناخ، والتنمية المستدامة، والوسطية، والثقافة والتناغم بين الأديان، وتمكين المرأة، والعمل الإسلامي المشترك في المجال الإنساني، وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وغيرها.

ومن أهم أجهزة المنظمة، القمة الإسلامية، ومجلس وزراء الخارجية، والأمانة العامة، بالإضافة إلى “لجنة القدس” وثلاث لجان دائمة تُعنى بالعلوم والتكنولوجيا، والاقتصاد والتجارة، والإعلام والثقافة. وهناك أيضاً مؤسسات متخصصة تعمل تحت لواء المنظمة، ومنها البنك الإسلامي للتنمية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “الإيسيسكو”. وتؤدي الأجهزة المتفرعة والمؤسسات المنتمية التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي أيضاً دوراً حيوياً وتكميليا من خلال العمل في شتى المجالات.

وتأتي الهجمة الإرهابية التي تعرّضت لها “مقبرة الخواجات” في جدة،  قبل أيام، لتؤكد على أن المملكة في صراعها مع التطرّف، تجد نفسها أمام خيار وحيد، هو مواصلة التحديث والانفتاح ومكافحة الفكر الظلامي، مهما كانت المعوقات، وهذا المشروع الكبير يتطلب إسهامات متوازية ومتناغمة من كافة المؤسسات الكبرى المعنية بهذا الملف وعلى رأسها منظمة التعاون الإسلامي.

12