ومازال الفاسدون يتصارعون على بقايا العراق!

عشرون سنة من الفشل الإداري حولت العراق إلى دولة فساد وتأجيج طائفي تنتشر فيها فرق الموت ويعطل الدستور في صراع دائم مع السنة والكرد وقلاقل وتبعية وإهدار للمال العام ونهبه.
الخميس 2022/07/21
تهميش وفقر

الأحداث تتفاعل وتتسارع في العراق أكثر من أيّ بلد آخر في العالم، كل شيء فيه يسير بشكل غير طبيعي جنوني وكأن الشيطان مسّه أو هو الشيطان نفسه يتحرك وفق قوانين خاصة بعالم الجن، لا يجلس براحة، ولا يدع للآخرين أيضا فرصة لكي يجلسوا براحة. له وضع خاص بين البلدان فهو لا يشبه أيّا منها. كل شيء فيه مختلف، أرضه وسماؤه المغبرة وإنسانه الكئيب دائم التبرم والشكوى من أيّ شيء وكل شيء. فهو كما يقال “لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب”!

النظام الاجتماعي والسياسي للعراق وتنوعاته العرقية والطائفية تختلف عما هي عليه البلدان الأخرى، ومكوناته الاجتماعية لها وضع خاص مغاير لمكونات الدول الأخرى، وكل مكون من هذه المكونات له شخصيته المستقلة التي لا يمكن ترويضها. وقد أخفق صدام حسين في إخضاع ‏تلك المكونات لإرادته رغم استعماله كل أنواع القمع ضدها. نفس الخطأ وقع فيه نوري المالكي، من خلال ‏تأجيج الحرب الطائفية ضد السنة، وإثارة النعرات القومية ضد الكرد، أي أنه كان يحارب المكونين الأساسيين في العراق في جبهتين في آن واحد، محاولا إعادة الحكم المركزي الشديد على أساس طائفي وإغراق البلد في ‏الفتن والأزمات.

‏المكون السني في ‏العراق أيضا يختلف عن المكون السني في البلدان العربية من ناحية حسه القومي المرتفع، فتراه إسلاميا ومنتميا إ‏لى حزب إسلامي، ولكنه مع ذلك يحمل فكرا عروبيا متعصبا. وقد رأينا كيف خرج طارق الهاشمي، ‏وهو أمين العام لحزب إسلامي يعتبر واجهة سياسية لجماعة الإخوان المسلمين، من قاعة ‏البرلمان عام 2005 احتجاجا على تنصيب جلال طالباني رئيسا لجمهورية العراق، وكان بسلوكه هذا يتحمس لفكرة ثابتة أن العرب السنة العراقيون ‏أحق وأولى بالمنصب من الكرد.

لص يخلف لصا، وفاسد يحل محل فاسد آخر، والسبب أن السنة والكرد صدقوا كذبة “الأكثرية السكانية” الشيعية، ووافقوا على تسليم الجمل بما حمل إلى أحزاب تلك الطائفة!

نفس الشيء ينطبق على الشيعي العراقي، فهو يميل إلى التشدد الطائفي أكثر من أيّ شيعي في العالم، بحكم قربه ‏من مراقد الأئمة ومسرح الأحداث التاريخية المؤلمة، ويندفع أكثر نحو تشكيل الميليشيات الطائفية المتطرفة للدفاع عن المقدسات الشيعية وفق فهمهم. معظم الفصائل الشيعية المسلحة في المنطقة، والتي تبلغ أكثر من 70 فصيلا شيعيا، داخل محور المقاومة الإسلامية تنتمي إلى العراق. وكذلك الكرد العراقيون يتقدمون ‏عن أقرأنهم من كرد إيران وتركيا وسوريا ثقافيا وقوميا ونضاليا بمراحل‎.

توزعت السلطة على المكونات الثلاثة (الشيعية والسنية و‎الكردية) بعد 2003 وفق الدستور، ولكن حصة الأسد ذهبت إلى الشيعة باعتبارهم أكثرية سكان العراق عددا، وفق استنتاجات تخمينية غير مستندة إلى وقائع علمية ميدانية مستنبطة من عملية إجراء إحصاء سكاني للبلاد. هذه الكذبة “الأكثرية السكانية” انطلت على الكرد والسنة واستسلموا للأمر وكأنه من المسلمات التي لا تقبل الجدل، وكان أن سلموا منصب رئاسة الحكومة، ذات الصلاحيات الواسعة التي تشبه إلى حد بعيد صلاحيات النظام الدكتاتوري السابق، إلى الأحزاب الشيعية التي تكالبت على المنصب المحوري، وأدارت البلاد بأسوأ طريقة، تقتل وتنهب دون حسيب أو رقيب، حتى أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن من دمار وخراب تنعق فيه الغربان!

عشرون سنة من الفشل الإداري الشامل حولت العراق إلى دولة فساد وتأجيج طائفي، تنتشر فيها فرق الموت ويعطل فيها الدستور، وتنهب الخزينة. صراع دائم مع السنة والكرد، وقلاقل وتبعية وإهدار للمال العام، وحصار مضروب على أمّة بكاملها، وقطع الموازنة عنها وتفريغ خزينة الدولة من الأموال وإرسالها إلى جيوب محور المقاومة.

ألم يقل حيدر العبادي ومن بعده عادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي: استلمت من سلفي خزينة خاوية!

أين ذهبت هذه الأموال الطائلة؟

لص يخلف لصا، وفاسد يحل محل فاسد آخر، والسبب أن السنة والكرد صدقوا كذبة “الأكثرية السكانية” الشيعية، ووافقوا على تسليم الجمل بما حمل إلى أحزاب تلك الطائفة!

9