وفاء علوش لـ"العرب": روايتي الجديدة رثاء لقصص الحب المبتورة والأوطان المفرغة من معناها

كاتبة سورية تفضح المسكوت عنه من معاناة النساء في ظل الحرب.
الأربعاء 2024/07/17
أنا منحازة إلى قضايا الإنسان المقهور

الكتابة انتصار للإنسان أيا كان جنسه، ومن هذا المنظور فإن الكتابة عمّن عانوا من الدكتاتورية في العالم العربي تقتصر أحيانا على الرجال دون ذكر النساء الناشطات، اللواتي مورس عليهن نفس القمع والاعتقال والتغييب. الروائية السورية وفاء علوش فضحت ما يقع للنساء وانعكاس المجتمع والسلطة عليهن. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتبة حول تجربتها تلك.

تسرد الكاتبة السورية وفاء علوش في روايتها “كومة قش”، الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الخامسة عام 2019، تقاطعات الحب والجنون وما هو مسكوت عنه بالنسبة إلى معاناة النساء في ظل الحرب، عبر قصة حب ووحدة مصير تجمع بين مريم وهي شابة عشرينية ورجل أربعيني وهو زياد.

وفيما لا تزال الفتاة تعيش مرحلة تحديد الهوية تتعرض لتجربة قاسية لتبدأ بعدها مرحلة معاناة من التحولات السيكولوجية والإنسانية والمعرفية، مرورا بخروجها من التجربة ومواجهتها ضغطا اجتماعيا وسياسيا يجهز على روحها المتعبة مما يدفعها إلى اتخاذ قرار المغادرة إلى خارج البلاد فيما يدفع صديقها زياد ثمنا باهظا مقابل تمسّكه بمبادئه ليصبح مثقلا بالجراح والهزائم مما يجد نفسه هو الآخر مدفوعا برغبة الرحيل.

و"كومة قش" تاليا "ليست صرخة في وجه الأنظمة السياسية المستبدة فحسب، وإنما هي أيضا تمرد على قيم المجتمع الجائرة على حق الإنسان ككل والنساء بشكل خاص”، كما جاء في تقديم الرواية الصادرة في 220 صفحة من القطع المتوسط عن دار موزاييك للدراسات والنشر.

معاناة النساء

الحدث الروائي دائما له أساس واقعي، ولكن الكاتب يعمل على إكمال الصورة للشخصية أو للحدث من خياله
◙ الحدث الروائي دائما له أساس واقعي، ولكن الكاتب يعمل على إكمال الصورة للشخصية أو للحدث من خياله

حول بداية رحلتها في عالم الكتابة والإبداع والظروف التي قادت خطوات البداية، تقول وفاء علوش إن البيئة التي عاشت فيها كانت العامل الأهم في هذا التوجه، إذ نشأت وسط عائلة محبة للأدب فلديها شقيقتان شاعرتان وأخت تعمل في الترجمة وأخرى تعمل في النقد فيما اتجهت هي إلى كتابة القصة والنصوص النثرية والقصة القصيرة، علاوة على أن المناخ في مدينة حمص كان مؤاتيا ثقافيا بوجود منتديات وفعاليات ثقافية قبل سنوات الحرب.

وتروي علوش لـ"العرب" أن بدايتها كانت من خلال كتابة القصة القصيرة ولكنها شعرت فيما بعد بحاجتها إلى مساحة أكبر للتعبير فوجدت ضالتها في الاسترسال في السرد لأنها، كما تقول، تحب التعمق في التفاصيل وتجد نفسها أكثر حرية في التعبير ورسم الشخصيات، مضيفة أن “الشعر يعتمد على لقطات متفرقة ولا أستطيع في تلك المساحة اختصار ما أود أن أقوله أو أن أعبر عنه لذلك جذبتني الرواية نحوها".

عن عملها الروائي الأول “كومة قش”، وكيف جاءت فكرته؟ وأين؟ وكيف يتقاطع الخيال بالواقع في ثنايا هذه الرواية؟ تقول علوش “مسألة التقاطع بين الخيال والواقع صعبة تقريبا بالنسبة إلى أي عمل روائي لأن أي حدث سيكون أساسه واقعيا، ولكن الكاتب يعمل على إكمال الصورة للشخصية أو للحدث من خياله في أحيان كثيرة، وروايتي ‘كومة قش’ تعبر عما هو مسكوت عنه بالنسبة إلى معاناة النساء في ظل الحرب".

وتضيف “الكثير من الأعمال الأدبية تحدثت عن معاناة المعتقلات في داخل المعتقل، فيما عمّ صمت مطبق عن معاناتهن من المجتمع الذي ينتمين إليه وحجم الأذى النفسي والجسدي وحتى الاجتماعي الذي عانين منه، وما أردت قوله أننا وعلى الرغم من حالة الثورة ضد الاستبداد ما زلنا بحاجة إلى الكثير من العمل على بُنى المجتمع المفككة ووضع حقوق الإنسان في المقدمة".

يوحي عنوان روايتها الفائزة بجائزة كتارا بالتشظي والتلاشي، فالقش عرضة للاحتراق في أي لحظة، تحدثنا الكاتبة عن مدلولات عنوان روايتها ورمزيته، تقول “قراءتك للعنوان دقيقة إلى حد ما وهذا ما أسلفت في ذكره بالنسبة إلى المجتمع، لأن المجتمع السوري باعتقادي وجراء عقود من الاستبداد أصبح منغلقا على نفسه، إضافة إلى حالة الانقسامات والاصطفافات الواضحة في التركيبة الاجتماعية والسياسية، ما يجعل من الضرورة إعادة النظر إلى الداخل وإصلاح الأوضاع بنفس الضرورة للثورة ضد الاستبداد".

تمتاز كتاباتها عامة بالغوص في العالم الداخلي للمرأة التي لا تزال تبحث عن مكان لها في “الهيئة الاجتماعية”، نسأل علوش هل يمكن القول إنها منحازة لقضايا المرأة في أعمالها؟ لتجيبنا "لست منحازة إلى قضايا المرأة بقدر ما أنا منحازة إلى قضايا الإنسان المقهور بشكل عام لأن هناك للأسف قصورا قانونيا واضحا في مسألة المساواة بين الجنسين أحاول دائما توجيه النظر إليه، ولو كانت الحالة معكوسة لكنت انحزت أيضا إلى قضايا الرجل".

هواجس إبداعية

الحرية لا تغيب عن اهتمام الكاتبة مطلقا لأن الإبداع المشروط أو المقيد لأي سبب كان لا يمكن أن يعتبر إبداعا
◙ الحرية لا تغيب عن اهتمام الكاتبة مطلقا لأن الإبداع المشروط أو المقيد لأي سبب كان لا يمكن أن يعتبر إبداعا

نتطرق إلى الحديث عن مسألة الحرية في الإبداع، وإلى أيّ مدى تمارس الكاتبة حريتها الخاصة على الورق الأبيض؟ تقول علوش "مسألة  الحرية لا تغيب عن اهتمامي مطلقا، لأن الإبداع المشروط أو المقيد بسبب الظروف الأمنية أو الاجتماعية لا يمكن أن يعتبر إبداعا، والإبداع بحاجة إلى مناخ حر ووسط متقبل ومتفهم يحترم اختلاف الآخر، ولكن الشرط الاجتماعي والأمني للأسف غير متاح في بلادنا العربية لأننا محكومون بمجموعة من المحرمات غير القابلة للمساس بالأدب أو بالفن. لكنني على الأقل مازلت أبحث عن مساحتي الحرة الخاصة التي أحتاجها. ولا يمكن القول إنني وجدتها تماما".

إلى جانب "كومة قش" صدرت لوفاء علوش مؤخرا رواية بعنوان “حفّار ساق العنب"، تقول الكاتبة لـ"العرب" عن أجواء هذه الرواية "روايتي الجديدة 'حفار ساق العنب' هي بمثابة رحلة علاج وتعاف من الموت المستمر في حياة كرمة، بطلة الرواية، التي عانت من العوز العاطفي عائليا. والحكاية السورية أو الحرب السورية تبدو وكأنها موسيقى تعزف في الخلفية بحيث لا تشكل حدثا رئيسيا، وإنما تشكل مجموعة الأحداث والظروف المرافقة حدثا مؤثرا ومفصليا، أنتج تغييرات حقيقية في مسيرة حياة كرمة التي لم تستطع أن تكون شخصا مؤثرا في حياة محيط عائلتها، فتبحث عن هويتها في أماكن أخرى".

وتتابع "تصبح كرمة في رحلتها شاهدة على مآس كثيرة، تجعلها تتوقف عن الهروب من النظر إلى نفسها على أنها ضحية الظروف العائلية التي عاشتها، ويجعلها ذلك تسعى في النهاية إلى البحث عن التعافي لتغيير وجهة نظرها تجاه الحياة. وحكاية أبطال الرواية هي بمثابة رثاء لقصص الحب المبتورة والأوطان المفرغة من معناها ومضمونها".

أما عن هواجسها وانشغالاتها على المستوى الإبداعي حاليا، فتقول "هواجسي الإبداعية كثيرة للحق، أكثرها أن أجد مساحة حرة مناسبة لكل ما يمكن أن يحتاج المرء إلى التعبير عنه، والأهم أن لا أقف عند نقطة معينة وأن أستمر بالعمل على هواجسي".

ويذكر أن وفاء علوش كاتبة سورية من مواليد 1983 نشأت في مدينة حمص ودرست في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وأكملت دراسات عليا في الإدارة في المعهد الوطني للإدارة العامة في دمشق أيضا، وخرجت من سوريا عام 2017 إلى مصر بعد ملاحقتها أمنيا، حيث عملت كمدربة للدراما في القاهرة ضمن فريق أكاديمي بهدف تمكين الأطفال اللاجئين من الاندماج عن طريق الفن، وانتقلت بعدها إلى تركيا لظروف خاصة.

12