وصف أويحيى لشهداء التحرير بالقتلى يعزز الاتهامات باستقوائه بفرنسا

الجزائر- ألمحت الأوصاف التي أطلقها رئيس الوزراء الجزائري، في باريس حول ضحايا حرب التحرير، إلى بوادر تطبيع تاريخي بين جناح في السلطة الجزائرية وبين الإدارة الفرنسية التي يتزعمها الرئيس إيمانويل ماكرون.
ووصف رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، في الكلمة التي ألقاها في احتفالية مرور قرن على نهاية الحرب العالمية الأولى، التي احتضنتها باريس، وحضرها رؤساء وزعماء العالم، ضحايا حرب التحرير (1954-1962) بـ”القتلى” وهو الوصف الذي انطوى على رسالة تطبيع تاريخي غير مسبوق بين البلدين.
وتصف الأدبيات الرسمية والشعبية في الجزائر، ضحايا حرب التحرير بـ”الشهداء”، أما الأحياء منهم فتصفهم بـ”المجاهدين”، وتخصص لهم وزارة بعينها منذ الاستقلال إلى الآن، تدعى وزارة المجاهدين (قدماء المحاربين)، تضطلع بمهمة التكفل بالفئات المذكورة ماديا واجتماعيا، فضلا عن الشؤون التاريخية والذاكرة الجماعية.
واستبعد متابعون أن يكون التوصيف الجديد الذي أطلقه أويحيى، في حضرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء العالم، زلة لسان أو سهوا، فالرجل معروف بتحكمه الجيد في اللغات الفرنسية والإنجليزية إلى جانب العربية، وأن المفردات التي أطلقها هي رسالة سياسية للفرنسيين، تستهدف طي صفحة الماضي بين البلدين والشعبين.
ويهيمن ملف التاريخ والذاكرة الجماعية على العلاقات الجزائرية الفرنسية طيلة العقود الماضية، بسبب تنكر الجانب الفرنسي لماضيه الاستعماري في الجزائر، وإصرار الأخيرة على مطلبي الاعتراف والاعتذار مقابل أي تصفية للعلاقات الثنائية.
ويسود اعتقاد لدى دوائر سياسية في الجزائر، بأن جناحا داخل السلطة يعمل على تطبيع تاريخي مع الفرنسيين، وطي صفحة الماضي، تجاوبا مع رغبة دوائر فرنسية جهرت مؤخرا بضرورة رحيل جيل الثورة من السلطة لبناء علاقات حقيقية، وعلى رأسهم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وألمح رئيس المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء المحاربين) السعيد عبادو، في تصريحات أخيرة، إلى ما أسماه بـ”وجود إرادة داخل بعض المؤسسات الرسمية تعمل على التطبيع التاريخي مع استعمار الأمس، وطي صفحة الجرائم والوحشية وتضحيات الشعب الجزائري من أجل الحرية والاستقلال”.
وتزامن تصريح عبادو، مع الأزمة التي عاشها البرلمان الجزائري خلال الأسابيع الماضية، خلال الحراك الذي قادته كتل أحزاب الموالاة من أجل الإطاحة بالرئيس المخلوع سعيد بوحجة، وتنصيب معاذ بوشارب خلفا له، رغم عدم شرعية الإجراء دستوريا وقانونيا.
وكان الدبلوماسي ورئيس الاستخبارات الفرنسية السابق بيرنار باجولي، قد وجّه اتهامات صادمة لجيل الثورة التحريرية وعلى رأسهم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بالوقوف في وجه أي تطبيع وتطوير للعلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية.
وقال في كتاب أصدره حديثا بعنوان “الشمس لن تشرق من المشرق”، بأن “جيل الثورة وفي مقدمتهم الرئيس بوتفليقة، منع إقامة علاقات طبيعية ومتطورة بين البلدين، بتوظيفهما لورقة التاريخ والذاكرة الجماعية للحيلولة دون تحقيق ذلك”.
وتعتبر المفردات الجديدة في خطاب أحمد أويحيى، إيذانا بميلاد تحالف سياسي غير معلن في البلدين، ومقدمة لرهان باريسي على الجناح الجديد بقيادة أويحيى، لإرساء قواعد مرحلة جديدة. وأصدرت الوزارة الأولى بيانا تتهم فيه قناة تلفزيونية خاصة (لم يذكرها) بتركيب تصريحات أويحيى خلال خطابه بباريس.
وجاء في بيان الوزارة الأولى “لقد قامت إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة بالتلاعب عن طريق التركيب، بما ورد من كلام على لسان الوزير الأول، بخصوص شهداء حرب التحرير حيث يكون قد ذكرهم بعبارة الـموتى وليس بعبارة الشهداء”.