وصال لبان لـ"العرب": اللباس لغة الروح وجزء ثابت ومتطور من تاريخ الأمم

معارض الأزياء تعزز التلاقح الثقافي بين شعوب العالم العربي.
الأربعاء 2024/06/12
ألوان نارية تثير تساؤلات لدى المشاهد

الفساتين والبدلات ليست مجرد أقمشة وألوان وتصميمات نرتديها إذا أعجبتنا، وإنما هي جزء من التاريخ الإنساني المشترك أو المختلف، وهي كذلك جزء من حضارات الشعوب، وجمعها في معارض مشتركة للأزياء يعتبر فرصة لتعزيز التلاقح الثقافي والتعريف بالحضارات والهويات المختلفة.

"الملابس ما هي إلا قطع من القماش حتى ترتديها المرأة"، هذا ما يؤمن به مصمم الأزياء العالمي مارك جاكوبس الذي يملك ماركة عالمية تحمل اسمه، لكن الأزياء تقول غير ذلك، فهي على مر التاريخ كانت صوت الشعوب الذي يتحدى الزمن ليوضح لنا ملامح حياة الأجداد والجدات، وأناقتهم وما يميزهم عن بقية الشعوب، وما يتشابهون فيه أيضا.

وفي تونس تملك الأزياء خصوصية فريدة، تتشابه أحيانا مع دول الجوار، لكنها أزياء تتنوع بتنوع الحضارات المتعاقبة على هذا البلد، وبتنوع المناخ الجغرافي من منطقة إلى أخرى، وهي أزياء يسعى المصممون الشباب للحفاظ عليها وتطويرها، ويستلهمون منها ما يثرون به أفراحنا ويمنحوننا به لمسة أناقة وأصالة في آن واحد.

ومن هؤلاء المصممين وصال لبان التي مثلت تونس مؤخرا في معرض الخليج للعروس، بجناح خاص يعرض تصاميم ماركتها الخاصة “بخت آرت” وتعرض فيه تصاميمها المستوحاة من تاريخ تونس وثقافتها.

والتصميم عند هذه الفنانة التونسية ليس فقط خياطة الأثواب والملابس الجميلة لترتديها النساء ويتباهين بها في المناسبات السعيدة، بل هو موروث اكتسبته الفنانة من عائلتها واختارت الحفاظ عليه، انطلاقا من رغبتها في الحفاظ على جزء مهم من تراث تونس غير المادي.

التصميم عند وصال لبان ليس فقط خياطة الأثواب والملابس الجميلة وإنما هو موروث اكتسبته الفنانة من عائلتها واختارت الحفاظ عليه
التصميم عند وصال لبان ليس فقط خياطة الأثواب والملابس الجميلة وإنما هو موروث اكتسبته الفنانة من عائلتها واختارت الحفاظ عليه

وتقول لبان في حوار مع “العرب” إن “علاقتي بالتصميم ورثتها من والد جدي الذي كان ‘حرايري’ (أي مختصا في غزل الحرير) بالمدينة العتيقة في العاصمة التونسية، إلى جانب جدتي التي كانت تخيط ملابس الصوف. لذلك أنا من ناحية ورثت حب القماش والحرير والحياكة في جيناتي ومن ناحية أخرى نشأت في بيئة مبدعة وأغلب أفرادها مصممون بالفطرة. كل مراحل طفولتي وعطلاتنا المدرسية كنت أقضيها في ممارسة التطريز كهواية! حتى تطورت هذه الفكرة ورأيت فيها فرصة لممارسة شغفي وتطوير مهاراتي”.

وتضيف “من هنا انطلقت فكرة ‘بخت آرت’ (BAKHT ART). اسم بختة هو صراحة اسم تونسي قديم كان يطلق قديما على البنات. اسم طاقته قوية بما أنه مشتق من كلمة بخت. لذلك أحسست أن طاقة هذا الاسم قد تكون تميمة بخت وحظا لي ولحريفاتنا، خاصة أنهن يعتمدن علينا في اختيار الأزياء التقليدية والمستوحاة من تقاليدنا لأفراحهن”.

وتتابع أن “كلمة بخت هي كلمة عربية معروفة في كل العالم العربي وتحمل المعنى ذاته وحتى لو توسعنا بالعالم الغربي فلن تكون صعبة النطق أو غريبة لتشابه الكلمة مع اسم جزيرة Saint – Barth”.

وبجولة سريعة على أزياء هذه الفنانة من السهل أن يكتشف الناظر ما يميز الأزياء التونسية عن غيرها من أزياء الشعوب العربية، فاللون والتطريز والأقمشة والقصات كلها توضح أي أقمشة كانت التونسيات قديما يفضلن وتذكّر بملابس القرطاجيات وبقصة كل تطريز وميزة الجهة المعروفة به.

وتقول المصممة التونسية لـ”العرب” إن “كل الأزياء التونسية من أي ولاية (محافظة) أو جهة لها امتداد وارتباط بالتاريخ التونسي، سواء منه القرطاجي أو الفينيقي أو الأندلسي أو الأمازيغي، فتراثنا التونسي غني جدا بالأزياء المعروفة بالتطريز والتصاميم المبهرة. لذلك أرى أنه يصعب على أي مصمم التخصص في نمط واحد. وبالنسبة إلي اخترت ألا أقتصر على تاريخ معين وجهة معينة، بل قررت أن أمزج بين مختلف التصاميم وأنواع الأقمشة والتطريز”.

الأزياء التونسية تملك خصوصية فريدة، تتشابه أحيانا مع دول الجوار، لكنها أزياء تتنوع بتنوع الحضارات المتعاقبة

وتشرح “يعني ذلك أنني يمكن أن أصمم جبة بتصميم قرطاجي قديم وبألوان مستوحاة من لباس أهالي الصحراء أو البدو، وأضيف إليها تطريزا متوارثا من المدن الساحلية، كالمهدية التي كانت ثانية عواصم الخلافة الفاطمية. وإلى جانب الثقافة التونسية تأثرت بثقافات أخرى عربية. حينها أشعر بأن قطعة الملابس تزداد جمالا ورونقا وقيمة. وأي قطعة من تصميمي هي عبارة عن مزج بين تاريخ وحضارات في صورة جديدة وبطريقة عصرية”.

وانطلاقا من هذا المزج بين التاريخ والتراث لا تخلو تصاميم “بخت آرت” من الموروث التونسي، بل هي صوت الحضارة، وتقول مصممتها إن “الغاية منها أن تتزين المرأة بلوحة تتلاقح فيها الحضارات، وألا ترتدي المرأة لباسا أعجبها فقط بل تدرك أنها ترتدي تاريخا ورحلة عبر الزمن”.

وتتابع “اللباس هو لغة الروح ويعكس ما يخفيه الإنسان عن ذاته وطبعه. أما تصاميمنا فهي تعكس مدى أصالتنا وتشبثنا بأصولنا وتاريخنا. وأنا أرى أن اللباس يجب أن يعكس هوية الشخص وحضارته وبيئته وثراء تاريخه”.

u

وتشدد المصممة على أن “مصدر إلهامها الوحيد إلى حد الآن هو تونس بكل مكوناتها التاريخية والحاضرة كالألوان المنتشرة في الطبيعة، والتراث ورائحة الورود، ولون البحر والسماء وتفاصيل الطبيعة الخلابة، وأيضا البيوت القديمة والفسيفساء. لذلك قد تجدني أستوحي تطريزا من رموز الجليز التونسي الثري أو أنسق ألوان الفساتين من ألوان الورود في الحديقة. بصراحة، تونس بكل تفاصيلها تلهمني لكنني أيضا مع انفتاح الإنسان على ثقافات أخرى والاطلاع على تاريخ شعوب أخرى حتى يكون له حظ أكبر في تحقيق انتشار عالمي”.

وفي تونس يختلف اللّباس التّقليدي التّونسي من جهة إلى أخرى ويختلف أيضا في طريقة التطريز، فمثلا في الشّمال تطرّز الملابس بخيوط الفضّة والعدس والكنتيل، وفي المدن السّاحليّة تطرز بخيوط الحرير والذّهب، وتكون التّطريزات على شكل أشخاص وأزهار وحيوانات، أمّا في الجنوب فتكون الملابس مزركشة بنماذج هندسيّة.

وتقول المراجع التاريخية إن غالبية اللباس التقليدي التونسي تعود إلى أصول عربية، كالجبة والجلباب والبدعية والعراقية والعمامة والسفساري (العباءة التونسية) والسروال، بالإضافة إلى بعض الألبسة التي تعود إلى أصول تركية كالشاشية والكسوة، أو إلى أصول أمازيغية كالقشابية والبرنوس والتخليلة التونسية، أو إلى أصول أندلسية. لكن تبقى أصول اللباس التونسي أمازيغية بالأساس مثلما هو الحال في بلدان المغرب العربي كالجزائر والمغرب.

وأزياء “بخت آرت” هي جزء من هذا التاريخ العريق، تذكّرنا به، وتذكر أيضا بضرورة مواكبة التطور في الذوق البشري.

وشاركت وصال لبان بتصاميم “بخت آرت” في معرض عروس الخليج، إلى جانب أسماء ومصممين من دول عربية، وهي فرصة للمصممين لتبادل الخبرات والاطلاع على التراث اللامادي لثقافات أخرى، ولِمَ لا استلهامها لحياكة أزياء حديثة منفتحة على أغلب الحضارات وتعزز التلاقح الثقافي.

وعن ذلك تقول المصممة التونسية “مشاركتنا في المعرض كانت مشاركة ناجحة، فقد عرضنا تصاميم جديدة على السوق الإماراتية، لكن الحمدلله حظينا بانبهار وقبول من الإمارتيين وأغلب الزوار من الأردن والعراق والكويت ودول الخليج”.

وعن رأيها في هذه النوعية من المعارض التي تحرص عواصم عربية على تنظيمها بشكل دوري تقول لبان “المعارض هي نافذة الفنانين، وهذا النوع من المعارض نحن نشارك فيه لأنه يسلط الضوء على الفنانين والمصممين من جميع أنحاء العالم ويستهدف المهتمين بالتصاميم القديمة والمعاصرة التي تعزز قيمة التاريخ والحرف اليدوية”.

14