وزيرة التربية الجزائرية تنأى بالامتحانات الوطنية عن التجاذبات

الجزائر - أسدلت وزارة التربية الجزائرية، الأربعاء، الستار على أكبر التحديات التي تواجهها سنويا، وتمكنت من إجراء امتحانات أكثر من مليون تلميذ، في أجواء هادئة ودون صخب لأول مرة منذ عدة سنوات.
وفوت ذلك الفرصة على منتقدي الحكومة التي لم تعد تتحمل المزيد من عبء الفشل في تسيير الملفات والاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وكانت وزيرة التربية نورية بن غبريط قد أوعزت بتحييد الامتحانات الدراسية عن تسليط الأضواء والصخب البروتوكولي، حيث منعت مختلف المسؤولين المحليين والمركزيين من الإشراف الرسمي على انطلاق الموعد، بدعوى رفع القلق والتشنج عن التلاميذ كما كان معمولا به في السنوات الماضية.
وغابت لأول مرة في مراكز الامتحان مظاهر تداخل القطاعات في تنظيم العملية، والمساهمة في تسيير الهيئات التابعة له، كما هو الشأن بالنسبة لوزارات الداخلية والأمن وتكنولوجيات الاتصال، المشرفة على تسخير وحدات الأمن والدفاع المدني والاتصالات وشبكة الإنترنت، التي كانت المصدر الأول للغش وتسريب الأسئلة.
وقامت الحكومة في السنوات الماضية بحظر التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، بدعوى الحد من الغش والتسريب، مما فتح عليها آنذاك موجة انتقادات لاذعة بالفشل في إدارة وتسيير الاستحقاقات الدراسية، إلا أن الموسم الحالي مُرّر بعيدا عن الوزراء الشركاء وفي أجواء غير مسبوقة من الهدوء والطمأنينة.
واستطاعت نورية بن غبريط، المدعومة من طرف الرجل الأول في الجهاز الحكومي، والدوائر النافذة في السلطة، تقديم خدمة لأحمد أويحيى، في ذروة الهشاشة التي تضرب الحكومة، بسبب الضغوطات والانتقادات المتفاقمة، بعدما حيدت الحكومة عن الصخب الذي كان يرافق الاستحقاقات الدراسية.
ورغم المحاولات المعزولة للغش وتسريب أسئلة الامتحانات قبل الموعد، حيث تم اكتشاف بعض الحالات في عدة مراكز بعدة محافظات، ظهرت وزيرة التربية في ثوب المسؤولة الواثقة بنفسها، وبقدرتها على إدارة وتسيير قطاعها، عكس المرات السابقة التي كانت تتداخل فيها عدة قطاعات متصلة بالعملية.
احتواء الوزارة لكبرى النقابات الفاعلة في القطاع، بعد شهور من الإضراب والاحتجاجات، يعد إنجازا لافتا يحسب لنورية بن غبريط
وهو ما يشكل انتصارا رمزيا لحكومة أحمد أويحيى، التي اصطدمت منذ تنصيبها في شهر أغسطس الماضي، بمقاومة سياسية واجتماعية أعاقت تمرير خياراتها الصعبة، لا سيما في ما يتعلق بالجبهتين الاجتماعية والاقتصادية، وبعض الخيارات الإصلاحية التي تعكف وزيرة التربية على إدراجها في المنظومة التربوية تدريجيا منذ تعيينها في المنصب عام 2014.
وكان احتواء الوزارة لكبرى النقابات الفاعلة في القطاع، بعد شهور من الإضراب والاحتجاجات، إنجازا لافتا يحسب لنورية بن غبريط، خاصة مع التوصل إلى أرضية اتفاق مع النقابات الناشطة، وحماية أكثر من ثمانية ملايين تلميذ من شبح السنة البيضاء، وإجراء امتحانات نهاية السنة بعيدا عن التشنج.
وتعد التيارات المحافظة والإسلامية أبرز المتصدين لنورية بن غبريط، حيث تشكل في كل مناسبة وقودا للجدل المثار دوريا حول التصورات والأفكار المعلن عنها من طرف الفاعلين في مشروع إصلاح المنظومة التربوية في البلاد، لا سيما تلك المتصلة بالأبعاد والأفكار الدينية المتداولة فيها.
وكان رئيس الوزراء أحمد أويحيى عبر في تصريحات سياسية، على هامش أنشطة لحزبه ( التجمع الوطني الديمقراطي)، عن دعمه لوزيرة التربية في المخطط الذي تقوم بإرسائه، وألمح إلى أن خلفيات سياسية ومرجعية لتيارات متشددة تريد إفشال مخطط الوزيرة، بدعوى الدفاع عن القيم.
ويعد نجاح الوزيرة في تسيير ملفي امتحاني شهادتي التعليم الابتدائي والمتوسط انتصارا نادرا لحكومة أويحيى الحالية، في وجه قوى الإسلام السياسي والتيار المحافظ في الطبقة الحزبية والبرلمانية، التي ترفض ما يعرف بـ”إصلاحات الجيل الثاني”، و”مراجعة بعض المفاهيم الدينية المتداولة في المقررات الدراسية".
وعكس بعض الوزراء الذين شقوا عصا الطاعة بصفة غير معلنة على سلطة رئيس الوزراء، على غرار وزير الداخلية والسكن والصناعة، ليزيدوا من متاعبه التي تفاقمت من الانتقادات الخارجية والنيران الصديقة، تظهر نورية بن غبريط انسجاما مع أحمد أويحيى ومع دوائر السلطة.
ورغم ضمان الوزيرة لأريحية آنية للحكومة شدد الناطق الرسمي باسم نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار “الكناباست”، في اتصال لـ”العرب”، على أن “التضارب بين مسؤولي القطاع بشأن مشروع إلغاء امتحان التعليم المتوسط، ينطوي على نوايا تحويل اهتمام الرأي العام من متابعة مجريات الامتحانات، إلى الاهتمام بشأن هيكلي يخص الوزارة”.
وأضاف “أن تصريح المدير الفرعي للوزارة بخصوص اللجنة الوزارية التي تدرس ملف إلغاء الامتحانات لم يأت من فراغ، وينم عن التحضير للمشروع بعيدا عن أعين الشركاء الاجتماعيين كما دأبت عليه في المشاريع السابقة”.