ورطة التلفزيون

الحكومات نفسها تستبطن في قناعتها أن التلفزيونات التي تتبعها لم تعد لها لازمة.
الأحد 2022/05/29
لا جديد في الغالب سوى نشرات الأخبار

مرت عقود العز بالنسبة إلى التلفزيونات الرسمية، كانت هي مصدر الخبر وقبلة الأموال الحكومية السخية. الآن تغيرت الدنيا وترك التلفزيون الحكومي، أو العمومي، مكانه للتلفزيونات الخاصة التي استقطبت الإعلانات، وحرقت كل المراكب من أجل تحصيل الأموال، مرورا بالترفيه وتلفزيون الواقع، وصولا إلى مسلسلات صادمة مشغول عليها خصيصا لزيادة عدد المتفرجين وإثارة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن التلفزيونات الخاصة بدورها أيضا تنتظر نهايتها مع ظهور منصات البث التدفقي حيث يمكن للمشاهد أن يحصل على ما يريد متى أراد، المهم أن يدفع.

ماذا بقي للتلفزيونات الحكومية، وهي التي تضم المئات من الموظفين والصحافيين والتقنيين، خاصة أن الحكومات نفسها باتت تفرج عن أخبارها وبرامجها لوسائل إعلام أخرى، وتفضل الإعلام الخاص والإعلام الخارجي لأنه الأقدر على الوصول إلى الناس في وقت سريع ولديه تأثير ومصداقية ولو لدى فئات محدودة.

الحكومات نفسها تستبطن في قناعتها أن التلفزيونات التي تتبعها لم تعد لها لازمة، ذلك أن الناس حسموا فيها من زمان، ينظرون إليها كمصدر للتزييف والخداع، ومع ذلك يتركونها تستمرّ في غيها بامتداح الرئيس فلان وبرامجه وأفكاره العظيمة.

ولو فكر تلفزيون من التلفزيونات أن ينأى بنفسه عن الحكومة والرئيس ويختار لنفسه دورا جديدا يقوم على الحياد السياسي، فسيجد نفسه في وضع معقد. حصل هذا في تونس، الإعلام التابع للدولة يقول إنه إعلام عمومي مهمته تقديم المعلومة التي تهم المواطنين، وهم الذين يموّلون التلفزيون من خلال ضريبة خاصة. ورغم أنه لم يستمر طويلا في هذه “الاستقلالية”، فقد ترك شعرة معاوية بينه وبين السياسيين، إلا أن الحكومات رفعت يدها عنه وقلّصت تمويله ولم تعد معنية بمشاكله ومشاغله ليغرق في أزمات لا أول لها ولا آخر.

آخر هذه المشاكل كشفت عنها صحافية في إذاعة تونس الدولية (ناطقة بالفرنسية) تقول إن الإذاعة لم تقدر على نقل تظاهرة محلية بسبب انقطاع الإنترنت عنها. الفاتورة لم تجد من يدفعها، الحكومة قد تكون وجدت فرصتها لتأديب الصحافيين ونقابتهم، وقد تكون غارقة هي نفسها في أزمات أهم، وحتى لو فكرت في الإعلام فستتجه لوسائل إعلام لا تدفع لها شيئا، إعلام خاص محلي وأجنبي جاهز لتلقف الأخبار ونقل الفيديوهات وإجراء الحوارات.

التلفزيون التونسي الذي تعود ملكيته للدولة لا تجد فيه جديدا في الغالب سوى نشرات الأخبار.. لم يعد يدفع لنقل مقابلات كرة القدم التي تجلب الإعلانات، ينتج مسلسلا واحدا في العام، وخلال العام يتولى إعادة مسلسلات قديمة حفظها الناس.

لا شيء يحول دون النهاية الحزينة للتلفزيونات الحكومية..

20