وثيقة تأمين مصرية تعزز حقوق العاملين في الخارج

خطت القاهرة خطوة نوعية جديدة في طريق ضمان حقوق المصريين العاملين بالخارج، وحل جميع المشكلات التي تواجههم عند حدوث حالات الوفاة ونقل الجثامين والتعرض للحوادث، فضلا عن الأزمات التي تطرأ بسبب الخلافات مع أصحاب الأعمال، بعد نحو شهر ونصف الشهر من تأسيس شركة حكومية لإلحاق العمالة بالخارج لحمايتهم من الوقوع في أزمة العقود المزوّرة.
القاهرة- أعلنت وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج الاتفاق على إصدار وثيقة تأمين للمغتربين بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية والاتحاد المصري للتأمين، وذلك لأول مرة.
وتشهد الفترة الراهنة استكمال الاتفاق على الإجراءات الفنية لإصدار الوثيقة مع الجهات الحكومية، منها شركة التحصيل التابعة لوزارة الداخلية للوقوف على الجوانب المالية لآلية التحصيل، ودراسة آلية المؤمن عليهم من العاملين الذين تمتد فترة تواجدهم خارج البلاد بما يتجاوز فترة تغطية الوثيقة والسماح لهم بتجديدها من الخارج.
وقالت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج نبيلة مكرم في بيان إن “الوثيقة تأتي استجابة لمطالب المصريين في دول الخليج حيث يمثلون الشريحة الأكبر من المغتربين خاصة في ما يتعلق بحالات الوفاة والتعرض للأخطار المختلفة التي تستوجب صرف التعويضات المناسبة”.

رضا عبدالمعطي: 6500 دولار قيمة الوثيقة مقابل قسط شهري يبلغ 6.5 دولار
وكشف نائب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية رضا عبدالمعطي أن وثيقة التأمين اختيارية وتشهد حاليا برنامج عملها والمنصة الإلكترونية الخاصة بها من جانب مجمعة التأمين التي تضم شركات التأمين التي ستصدر الوثيقة، متوقعا أن يشهد هذا الأسبوع موعد إصدارها رسميا.
وقال لـ”العرب” إن “قيمة الوثيقة التي يتم صرفها عند وقوع الأخطار لن تقل عن 6500 دولار، مقابل قسط شهري يبلغ 6.5 دولار يمثل 1 في الألف من قيمة الوثيقة”.
وأوضح عبدالمعطي أن دور الهيئة مستمر بعد إصدار الوثيقة في المتابعة والتقييم ومدى التزام المجمعة في صرف التعويضات وسيتم تطويرها في ضوء المتغيرات العملية وإمكانية توسيع تغطيتها التأمينية.
وتكمن أهمية الخطوة في أن الوثيقة تركز على أهم أزمتين تؤرقان المصريين وهما الحوادث والوفاة وأيضا استرداد جزء من حقوقهم المسلوبة خلال السنوات الماضية، لكنها خطوة تأخرت كثيرا.
وجاء تدشين الوثيقة في توقيت ملائم بعد التعاون المصري – الليبي أخيرا والذي يقضي بدخول نحو مليون عامل مصري للعمل في ليبيا، وهم في حاجة ماسة للتأمين ضد أخطار الحوادث والوفاة، بجانب العمالة المتوقع هجرتها للعمل بالعراق.
وقال مصطفى الصاوي عضو الاتحاد المصري للتأمين لـ”العرب” إن “الوثيقة إيجابية للغاية، لكنها بحاجة إلى ترويج كبير”، موضحا أن الفترة المقبلة ستشهد حملات إعلانية مكثفة لتوعية المغتربين للاشتراك بها وتوضيح مزاياها، كما ستتركز بمصلحة جوازات السفر.
ويشكل غياب الوعي التأميني تحديا كبيرا أمام نجاح الخطوة رغم أهميتها خاصة لدى العمالة الحرفية، إذ يرتبط رواج الطلب على التأمين طرديا مع مستوى الدخل الإجمالي، فكلما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفعت كثافة التأمين، والعكس صحيح.
وحسب الهيئة العامة للرقابة المالية تصل مساهمة قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 1.3 في المئة، وهي نسبة متواضعة جدا، من خلال 41 شركة بإجمالي صافي أصول 9.7 مليار دولار باستثمارات تتجاوز 8.14 مليار دولار.

مصطفى الصاوي: الوثيقة إيجابية وتتطلب ترويجا كبيرا لإقبال المغتربين عليها
ويؤكد الصاوي أن خطة الاتحاد تستهدف الوصول بمساهمة القطاع إلى 3 في المئة خلال 4 سنوات، ويتحقق ذلك بتنوع المنتجات التأمينية ونمو نشاط الإقراض متناهي الصغر وفورة المشروعات التي تتطلب تغطية تأمينية.
وتلعب مشاركة الحكومة في تدشين الوثيقة وإخضاع مجمعة التأمين لها لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية دورا حاسما في نجاحها وإقبال المغتربين عليها، إذ يعزز ذلك ضمان حقوق المصريين.
وطالب رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالغرفة التجارية للجيزة سعيد هندي بأن تكون الوثيقة إجبارية لتلزم المغتربين للاشتراك فيها. وأوضح أن السنوات الماضية شهدت عروضا من بعض شركات التأمين بداعي التأمين على العاملين بالخارج عبر شركات السفر، لكنها لم تف بالتزامها تجاه التعويضات وحماية هذه الفئة وتم فسخ التعاقد معها.
وأشار هندي لـ”العرب” إلى أن المشكلات التي تواجه المغتربين وتكون ظاهرة للعيان هي الحوادث والوفاة، لكن ثمة أزمات عدة في الخفاء يتم حلها بالتراضي بين صاحب العمل والعامل، ولا يجد العامل مفرا سوى الرضا بالحل القائم، إذ لا مأوى ولا سند له، ويلجأ بعض أصحاب العقود السليمة والخالية من البنود المطاطة إلى مكاتب العمل أو المحاكم حال تعرضهم للمشاكل.
وكشف استطلاع صادر في مايو الماضي عن إنترنيشنز، وهي شبكة ألمانية لتجمعات المغتربين حول العالم، أن البحرين تأتي في المركز الأول عربيا ضمن أفضل وجهة للوافدين في عام 2021، ثم قطر والإمارات وسلطنة عمان والسعودية ومصر والكويت.
ويتضمن الاستطلاع 59 دولة، حيث يعتمد تصنيفها على عدد من العوامل هي جودة الحياة التي تُقدم للوافدين وسهولة الاستقرار فيها والتمويل وتكلفة المعيشة والوظيفة، فضلا عن جواب الوافدين على سؤال “ما مدى رضاكم عن الحياة في الخارج بشكل عام؟”.
ولم يتفاءل يوسف سالم، وهو مقاول مصري يعمل بالسعودية عندما علم بتدشين الوثيقة، موضحا في حديثه لـ”العرب” أن شركات التأمين لن تستطيع صرف تعويضات أو حماية المغتربين، حال تعرضهم لخلافات مع أصحاب الأعمال، وتسريحهم لبلدانهم، خاصة مع عقود العمل غير الملزمة داخل البلد الخليجي، لاسيما مع الحرفيين والتي تشبه نظام الكفيل.

سعيد هندي: يجب تحويل الوثيقة إلى أمر إجباري كي تصبح أكثر فاعلية
وقال عبدالرحمن محمد، مدرس مصري يعمل في الكويت، إن “الهدف الأساسي لتلك الوثيقة هو تحصيل عملات أجنبية من المغتربين، وأنه قد يشارك فيها من أجل خطر الوفاة والحوادث فقط، أما بقية الحقوق يتم حلها بشكل ودي”. وتابع في حديثه لـ”العرب” “قد يتعرض العامل المصري بالخارج إلى ضياع حقوقه، ولا يجد دعما حكوميا كي ينال جزءا منه”.
ووافقه الرأي كل من محمود موسى مدرس بالكويت أيضا وحسن سالم نجار مسلح بالسعودية، حيث أكد الأخير أنه تنازل عن مستحقات له في عام 2017 حتى يضمن الاستمرار في العمل.
ويؤكد كلام المواطنين ضرورة شمول المغتربين برعاية أكثر لحمايتهم وصون كرامتهم وضمان حقوقهم، وفي هذا الصدد، أكدت وزارة الهجرة أنها لا تدخر جهدا لتلبية احتياجات هؤلاء وتتواصل مع الجاليات المصرية حول العالم لتعزيز سبل التعاون للتعامل مع أي مشكلات تواجههم.
وأكد عضو مجلس إدارة شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالغرفة التجارية للقاهرة عبدالرحيم المرسي أنه يجب توسيع الوثيقة لتشمل فقدان الوظيفة، بجانب قيمة التعويضات، كما أن تدشينها يبث الثقة والأمان لدى المغتربين، لأنهم دائما عرضة للأزمات.
وتسعى شعبة إلحاق العمالة بالقاهرة للتواصل مع وزارتي الهجرة والقوى العاملة حتى تتحول الوثيقة إلى إلزامية بحيث يتم ربطها بجواز السفر أو عقود العمل، عند توثيق جواز السفر من وزارة القوى العاملة.
وقلل المرسي لـ”العرب” من وجود عوائق شرعية أمام تفعيل الوثيقة لاسيما أن دار الإفتاء المصرية تبيح ممارسة نشاط التأمين، فضلا عن أنه لا توجد بدائل أو أدوات موازية لضمان حماية المغتربين وتعويضهم عند تعرضهم للخطر.
مساهمة قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى نحو 1.3 في المئة، وهي نسبة متواضعة جدا
ويرتهن ضمان المغتربين لحقوقهم بتوافر الوعي لديهم للمطالبة بها دون أي مخاوف مع الاطلاع على بنود العقد ومراجعة المتخصصين، لأنه لا توجد دولة تتحيز لصاحب العمل أو تنصره على الوافدين طالما أن عقد العمل سليم وموثق.
ولفت المرسي إلى أن شعبة القاهرة توصلت مع الجهات الرسمية السعودية إلى صيغة رسمية للعقود بحيث تكون باسم المواطن المصري وجهة العمل وموثقة بالغرفة التجارية والخارجية السعودية، ثم يتم تصديقها من الجهات الرسمية بمصر ما يعزز من سهولة حصول العامل على حقوقه حال نشوب أي أزمة، إذ يكون القضاء هو الحكم في هذه الحالة.