واشنطن تستعيد لحظة الذهول بسبوتنيك السوفييتي بعد إطلاق الصين صاروخا فرط صوتي

سلاح صيني مصمم لاختراق أنظمة الدفاع الأميركية.
الجمعة 2021/10/29
الصين منشغلة بتطوير منظومتها العسكرية

اعترفت وزارة الدفاع الأميركية بإجراء الصين تجربة إطلاق صاروخ فرط صوتي قادر على حمل رأس نووي من الصعب جدا على أنظمتها الدفاعية التصدي له، وسط سباق عالمي على تطوير هذا النوع من الأسلحة.

واشنطن - أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مارك ميلي أن إطلاق الصين في الآونة الأخيرة صاروخا فرط صوتي يدور حول الأرض شبيه بإطلاق الاتحاد السوفييتي لسبوتنيك، أول قمر اصطناعي في العالم عام 1957، وذلك في أول تأكيد رسمي من البنتاغون على حقيقة التجربة الصينية.

وأكد ميلي للمرة الأولى إجراء الصين تجربة إطلاق صاروخ قادر على حمل رأس نووي وسيكون من الصعب جدا التصدي له.

وسبق للرئيس الأميركي جو بايدن ومسؤولين أميركيين آخرين أن أعربوا عن قلقهم إزاء تطور برامج الأسلحة فرط الصوتية الصينية بشكل عام، دون أن يؤكدوا أن الصين قامت باختبار صاروخ فرط صوتي، ورفض البنتاغون في السابق تأكيد التجربة التي أعلنت عنها أولا صحيفة فاينانشال تايمز في السادس عشر من أكتوبر.

وقال ميلي لتلفزيون بلومبرغ “ما شهدناه حدث مهم جدا يتعلق باختبار منظومة أسلحة فرط صوتية. والأمر يثير قلقا شديدا”.

وأضاف “لا أعلم ما إذا كان ذلك شبيها بلحظة سبوتنيك، لكن أعتقد أنه قريب منها جدا”. وتابع “جرى حدث تكنولوجي بالغ الأهمية… ونوليه كل انتباهنا”.

ويقول محللون إن ما يثير قلق الولايات المتحدة ليس الصواريخ فرط الصوتية الموجودة بالفعل لدى بكين منذ فترة، وإنما قدرة الصينيين على إدخال هذه الصواريخ إلى المدار حول الأرض مع إمكانية تحميلها رؤوسا نووية، وإعادة إطلاقها نحو هدفها على الأرض، وهو ما يطلق عليه الخبراء “نظام القصف المداري”.

ولفت ميلي إلى أن الصين أجرت اختبارا لأنظمة فرط صوتية يراد منها اختراق الدفاعات الصاروخية الأميركية.

مارك ميلي: جرى حدث تكنولوجي بالغ الأهمية ونوليه كل انتباهنا

وتسعى الصين بكل جهدها -باستخدام قوتها الاقتصادية والتجارية والمالية- لتثبيت وجودها في مختلف أنحاء العالم وزيادة ترسانتها العسكرية من أجل استعمالها أو التلويح بها في وجه الولايات المتحدة عند الضرورة.

وإثر سؤاله عن تصريحات رئيس الأركان رفض المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي توصيف التجربة الصاروخية الصينية قائلا “لا أعتقد أن من المفيد توصيف هذا الأمر”.

وشدد على أن القدرات العسكرية المتقدمة للصين “تترافق مع سياسة خارجية ودفاعية قائمة على ترهيب الدول المجاورة وإخضاعها للدفاع عن مصالح الصين”.

وتصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة في الأسابيع القليلة الماضية بسبب أزمة جزيرة تايوان بعد تدخل من الرئيس الأميركي جو بايدن وتصريحه خلال منتدى عبر الإنترنت بأن بلاده مستعدة للدفاع عن تايوان ضد أي تحرك صيني.

كما أعربت رئيسة تايوان تساي إنغ – وين عن ثقتها التامة في أن الولايات المتحدة ستدافع عن الجزيرة في حال شنت الصين هجوما عسكريا ضدها.

لكن البيت الأبيض سرعان ما تراجع عن تصريحات بايدن المناقضة للسياسة الأميركية القائمة منذ فترة طويلة على ما يعرف بـ”الغموض الاستراتيجي” الذي بموجبه تساعد واشنطن تايوان في بناء دفاعاتها وتعزيزها دون التعهد صراحة بتقديم مساعدتها في حال حدوث هجوم.

واعتبر خبراء الأسلحة النووية أن السلاح الذي اختبرته الصين مصمم لاختراق أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية بطريقتين، الأولى تتمثل في سرعة الصاروخ التي تزيد على سرعة الصوت خمس مرات وتبلغ نحو 6200 كم في الساعة، مما يجعل من الصعب اعتراضه.

والطريقة الثانية أن يحلق الصاروخ حول الأرض أولا، وهذا جزء من مفهوم “نظام القصف المداري الجزئي” العائد إلى عهد الحرب الباردة، وهذا يتيح للصواريخ الصينية الالتفاف على الصواريخ المضادة الأميركية المنتشرة في ألاسكا لاعتراض أعداد محدودة من الصواريخ تطلق من بلد مثل كوريا الشمالية.

ويعني ذلك أنه لا يوجد حاليًا نظام دفاع صاروخي تشغيلي قادر على اعتراض صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت بهذا الحجم، وهنا تتبلور أهمية السباق العالمي نحو تطوير أسلحة فرط صوتية.

Thumbnail

ونفت الخارجية الصينية اختبار أسلحة من هذا النوع، وأكدت أنه أجريت “اختبارات روتينية” لمركبة فضائية.

وبحسب موقع “بارتي يارد” العسكري عندما تصبح الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت جاهزة للعمل تصير الفجوة بين أنظمة الدفاع الصاروخي والهجوم الصاروخي فجوة هائلة.

ولا تزال الصواريخ فرط الصوتية سرًا خاضعًا “لحراسة مشددة” من قبل الدول التي تطورها، ولكن في الأشهر الأخيرة أعلنت العديد من الحكومات عن تجارب ناجحة ومشاريع مستقبلية.

والصواريخ الأسرع من الصوت هي الجبهة الجديدة في هذه التكنولوجيا، نظرا لقدرتها على التحليق على علو أكثر انخفاضا، وبالتالي يصعب رصدها مقارنة بالصواريخ البالستية، ولقدرتها على بلوغ أهدافها بسرعة أكبر، ولسهولة مناورتها. وهذا ما يجعلها أكثر خطورة، خصوصا إذا زودت برؤوس نووية.

واختبرت الولايات المتحدة وروسيا والصين وكوريا الشمالية جميعها صواريخ أسرع من الصوت، وتقوم عدة دول أخرى بتطوير هذه التقنية.

وتعمل كل من فرنسا وألمانيا وأستراليا والهند واليابان على تطوير الصواريخ فرط الصوتية، بينما أجرت إيران وإسرائيل وكوريا الجنوبية أبحاثا أساسية بشأن هذه التقنية، بحسب تقرير صدر مؤخرا عن خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي.

وتعد روسيا الأكثر تقدّما في هذا المجال. وأعلنت موسكو الأسبوع الماضي أنها أطلقت صاروخين تفوق سرعتهما سرعة الصوت (من نوع “زيركون”) من الغواصة النووية “سيفيرودفينسك”.

وبحسب تقرير خدمة أبحاث الكونغرس تعمل الصين جاهدة على تطوير التقنية التي ترى أنها أساسية لحمايتها من التقدّم الذي حققته الولايات المتحدة في مجال الصواريخ الخارقة لجدار الصوت وتقنيات أخرى.

ما يثير قلق واشنطن هو قدرة الصينيين على إدخال الصواريخ إلى المدار حول الأرض مع إمكانية تحميلها برؤوس نووية

وجاء في التقرير أن الصين وروسيا “أظهرتا على الأرجح إمكانيات تشغيلية” باستخدام مركبات انزلاقية ذات سرعات فرط صوتية.

وذكر تقرير للحكومة أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وضعت برنامجا مكثفا لتطوير هذا النوع من الصواريخ إذ تخطط إجراء ما يصل إلى 40 اختبارا خلال السنوات الخمس المقبلة.

واختبر البنتاغون صاروخا خارقا لجدار الصوت مدفوعا بمحرّك نفاث فرط صوتي في أكتوبر الجاري، واصفا إياه بـ”استعراض ناجح للإمكانيات التي ستجعل من صواريخ كروز فرط الصوتية أداة فعالة للغاية بالنسبة إلى مقاتلينا”.

ومن المخطط له أن يستخدم كل صنف من القوات صاروخا نموذجيا فرط صوتي، مع تطويره منظومات أسلحة وقاذفات خاصة به.

ومن ضمن الخطط صُنْع أسلحة للرد السريع محمولة جواً. ويتضمن هذا البرنامج إنشاء رأس حربي قادر على تطوير سرعات تصل إلى 20 ماخ ومدى طيران يبلغ حوالي 925 كيلومترا.

ولتأكيد جدية نواياها تقوم الولايات المتحدة باختبار الأسلحة باستمرار. ففي الثامن والعشرين من مايو الماضي أفيد بأن البحرية الأميركية أجرت أول اختبار لمحرك صاروخ فرط صوتي، في ولاية يوتا تحت إدارة برنامج الأنظمة الاستراتيجية للقوات البحرية.

ولكن يبدو أن حالة الأسلحة فرط الصوتية الحقيقية في الولايات المتحدة مختلفة تماما عما هي عليه في الخطط. فعلى سبيل المثال في مارس نشر مكتب الميزانية والرقابة في الكونغرس الأميركي تقريرا اعترفت فيه الولايات المتحدة بأنها لا تمتلك تقنية متقدمة كافية لصنع أسلحة فرط صوتية. لذلك قد يتأخر تنفيذ برنامج نشر هذه الأسلحة بشكل كبير. وفي أوائل أبريل 2021 أبلغ سلاح الجو الأميركي عن فشل واجهه أثناء اختبار سلاح فرط صوتي محمول جوا؛ وذلك بسبب مشاكل طارئة.

5