"وادي الجن" يمنح البطولة للوجوه الشابة

فانتازيا عربية مشوقة تضل طريقها وسط ضعف المؤثرات.
السبت 2021/03/20
محاولة جيدة رغم العثرات

فتحت المنصات الرقمية مساحات واسعة أمام الدراما الشبابية على مستوى الفكرة والتمثيل، بعضها لا يزال في طور التجارب غير المكتملة، والآخر يحاول السير على الدمج بين التراث الغربي المتواتر وتغليفه بأساطير محلية للوصول إلى خلطة تمكنه من النفاذ إلى عقل المشاهد العربي قبل قلبه.

يخطئ الساهرون على الدراما الشبابية كثيرا حين يعتقدون أن جمهورهم صغير السن، يبحث عن التشويق فقط، ويتغافل في سبيلها عن باقي عناصر اللعبة الدرامية التي تأتي في مقدّمتها جودة المؤثرات البصرية، والأحداث القادرة على مخاطبة عقله وإقناعه بما يشاهده.

ويمثل مسلسل “وادي الجن”، المعروض على منصة “فيو” الرقمية أحدث محاولة مصرية عربية مشتركة لإنتاج دراما من بطولة شبابية تعتمد في جانب كبير منها على الفانتازيا المصنوعة بمواصفات الصورة الغربية الدارجة للعوالم الافتراضية، إلاّ أنها عانت من سقطات في جودة المؤثرات ورسم الشخصيات.

ويدور العمل حول خمسة شباب يبدأون رحلة سفاري في الصحراء الشرقية بمصر، تغافلوا عن التعليمات التي تطلب منهم التوقف عند آخر مكان تلتقط فيه هواتفهم المحمولة إشارة لشبكة الاتصال ليدخل أربعة منهم كهفا ينهار مدخله، ويجدون أنفسهم في واد مُحكوم بالجن والسحرة.

"وادي الجن" يواصل السير على خطى موجة الأعمال المتعلقة بالقوى الغيبية والسحر من بوابة أسطورة عربية قديمة
"وادي الجن" يواصل السير على خطى موجة الأعمال المتعلقة بالقوى الغيبية والسحر من بوابة أسطورة عربية قديمة

أسطورة قديمة

يظهر العمل في حلقته الأولى اقترابا من عالم سلسلة أفلام الرعب “الانعطاف الخاطئ” التي حقّقت انتشارا واسعا منذ نسختها الأولى عام 2003 والأجزاء الخمسة التالية لها في ما يتعلق بالمغامرة في الصحراء المعزولة والتيه في مكان مجهول، لكنه ينتقل فجأة لأسطورة قديمة بطلها شاعر يمني اسمه عبدالله الحظرد، عاش سنوات في صحراء الربع الخالي بشبه الجزيرة العربية، وزعم بأنه تواصل خلالها مع الجن، وقوى غيبية.

تبدو أفكار الحظرد، المعروف بالعربي المجنون، حاضرة بقوة في “وادي الجن”، والتي يزعم فيها بأن معرفة تاريخ الأرض ممكنة عبر التواصل مع كائنات سكنتها قبل البشر وأجناس نقلوا الحكمة لهم من وراء العالم المنظور، وادعى اتصالها عن طريق السحر، وتقديمها تحذيرات من عودتهم مستقبلا لاسترجاع إرثهم القديم من سكان الأرض.

ويمكن استشفاف تلك الأفكار للوهلة الأولى من مسميات القبائل التي يتضمنها “وادي الجن”، في مقدّمتهم “الحظرد” وصراعها القديم مع قبيلة أخرى تسمى “الصمصام” (وهي قبيلة ذات أصول يمنية) وزعيمتها بلقيس، وحتى في تخيل الوادي الذي جاء مليئا بالحشرات تماشيا مع كلمة “العزيف” التي تعني أصوات الحشرات في الليل، وكان بعض العرب يعتبرونها صوت الجان، وسمى عبدالله الحظرد كتابه باسمها.

وتعتمد الكثير من مشاهد المسلسل الذي أخرجه حسام الجوهري، على المؤثرات البصرية “في.أف.أكس” التي نفذتها شركة متخصّصة، لكن ذلك لم يمنع من الوقوع في فخ عدم إتقان الغرافيك بمشاهد الصقور والخفافيش والكلاب والقطط المتصارعة، التي ابتعدت تماما عن الشكل الطبيعي خاصة في حركاتها وتظهر صناعتها عبر برامج الكمبيوتر.

وينتمي العمل إلى نوعية الإنتاج الضخم بحجم مواقع التصوير الذي تضمنها والتي تصل إلى 150 موقعا، بين أثرية ومحميات طبيعية في منطقة القصير بالبحر الأحمر جنوب شرق مصر التي كانت نقطة انطلاق الملكة الفرعونية حتشبسوت لاستكشاف أفريقيا، وذلك رغم عرضه في سبع حلقات فقط كل منها لا تتجاوز الخمسين دقيقة.

وجوه شابة تنتظر فرصا أكبر للبروز
وجوه شابة تنتظر فرصا أكبر للبروز

وعلى المستوى التمثيلي، كانت شخصية “خالد” (الفنان يوسف عثمان) الأكثر حضورا بين فريق العمل بتلقائيته الشديدة، ومساحة الكوميديا التي وفّرها له السيناريو، رغم بعض ردود أفعاله غير المنطقية بالمزاح في مواقف شديدة الصعوبة، حينما تاه الفريق في الوادي الغامض أو في تهكّمه على الشخصيات الغريبة التي يصادفها باستمرار.

وقع السيناريو في أخطاء ساذجة في التعاطي مع شخصية “ليال” (الفنانة ليلى أحمد زاهر) التي تم تصويرها كفتاة منغلقة شديدة الذكاء تهوى القراءة والمذاكرة وتمتلك كما كبيرا من المعلومات حتى أن أصدقاءها يسمونها “ويكيبيديا البشرية”، لكنها لا تستغلها في أي موقف ولا تعطي الأصدقاء معلومة مفيدة تساعدهم في تقييم واقعهم.

ويتكرّر الأمر ذاته مع “جواد” (الفنان محسن منصور) الذي يفترض أنه محور العمل وأحد أحفاد قبيلة “الصمصام”، ويدخل على جيش من الحراس مدجّجين بالسلاح في صحراء مفتوحة ومعه ثلاثة أحصنة، وينجح في تحرير زملائه الثلاثة دون أن يملك سيفا، ويهرب بهم دون أن يتعرّض أحد لخدش.

العمل يدور حول خمسة شبان تنقطع بهم السبل في رحلة سفاري، ليجدوا أنفسهم في واد محكوم بالجن والسحرة

تحوّلت علاقة جواد بزميلته اللبنانية في الرحلة (الفنانة رؤى شنوحة) من كره وشجار بسبب تأخّره عن موعد الرحلة وتعطيل باقي المسافرين إلى صداقة وإعجاب بنجاحه كـ”يوتيوبر” شهير، ثم حب وبكاء على فقده.

ويظهر العمل غياب توجيه الإخراج لفريق التمثيل، فأداء بعض الفنانين المخضرمين جاء صادما، مثل علا رامي في طريقة تلقّيها نبأ فقدان ابنتها وتعاطيها مع الأمر ببساطة، بينما جاءت صورة الفنان السوري فراس سعيد في شخصية “عُبية” شبيهة تماما للسير إيان ماكيلين في دور غاندالف الرمادي بسلسلة “سيد الخواتم”.

وربما كان مشهد دخول الشباب الأربعة الكهف الأكثر إثارة للاستغراب فهدفهم كان الولوج منه للجانب الآخر، رغم وقوعه في تل قصير الحجم كان يمكن اعتلاؤه بسهولة، والأغرب هو الجمل الحوارية التي تبعت سقوط مدخله والأبطال بالداخل، والتي تتحدّث عن احتياج أجهزة الإنقاذ لتحريرهم بسبب ضخامة الصخور التي جاءت  في الصورة ضئيلة الحجم.

مساحات تشويق

فانتازيا تعتمد على تراث عربي قديم بصورة غربية
فانتازيا تعتمد على تراث عربي قديم بصورة غربية

رغم مساحات التشويق التي يملكها المسلسل، لم تكن كافية لإبقاء المشاهد لمدة أسبوع كامل في حالة ترقب، فطريقة عرضه بواقع حلقة أسبوعيا كانت مثار انتقاد شديد، خاصة أن تصويره مكتمل منذ شهر ديسمبر الماضي، وكان يمكن عرضه بنظام المواسم مع تقليل المدى الزمني للحلقة الواحدة.

وعانى العمل من وضعه في مقارنة بمسلسلين تم بثهما على منصات رقمية أيضا ولم تكن في صالحه، أولهما “زودياك” المرتبط بالدراما الشبابية المعتمدة على التشويق والرعب المأخوذ عن حكايات لعنة الفراعنة، و”ما وراء الطبيعة” المعتمد على رواية شهيرة لأحمد خالد توفيق وتصميم غرافيك عال الجودة، ولم تكن المقارنة في صالح “وادي الجن”، رغم أن مؤلفيه منة إكرام وعمر خالد ومحمد هشام عبية، كانوا جميعا حاضرين في كتابة سيناريوهات الأعمال الثلاثة.

ولجأ العمل لطريقة متكرّرة لحصد المشاهدة المعتمدة على فكرة الانحياز لـ”ابن البلد الواحد”، بضم مجموعة من الممثلين الشباب من مصر ولبنان وسوريا والسعودية والعراق، على أمل أن يجذب كل منهم بني جلدته للمتابعة في منصة رقمية تعتمد على الاشتراك، وتواجه منافسة حامية.

تعتمد طبيعة إنتاج المنصات في المقام الأول على قصص تتعدّى المحلية على أمل تسويقها عالميا، وربما كان ذلك السبب وراء تركيزها على العوالم اللا مرئية والغيبية التي تستطيع مخاطبة الجمهور في كل مكان، بجانب التطرّق لأفكار محببة لدى الشباب مثل التخاطر بين الأشقاء، وتواصلهم عن بعد متخطين الحواجز الجغرافية.

تبدو أساطير الحظرد بالذات مغرية للغاية للجمهور العالمي وليس العربي فقط،  فالرجل معروف كثيرا على مستوى هواة الرعب الغربي منذ حديث الكاتب الأميركي هوارد لافكرافت، المتخصّص في نمط الرعب والخيال العلمي عنه، ما يجعل “وادي الجن” قابلا للترجمة والتسويق على مستوى خارجي.

ولا يمكن عزل المسلسل عن موجة اهتمام مفاجئة في العام الأخير بالأعمال الفنية المعتمدة على الرعب والفانتازيا والخيال العلمي التي لم تكن مطروقة كثيرا دراميا، في موضة كان محركها الأول نجاح فيلم “الفيل الأزرق” لكريم عبدالعزيز وتصدره الإيرادات، ما داعب خيال المؤلفين بإمكانية تحقيق النجاح ذاته.

سقطات في رسم الشخصيات
سقطات في رسم الشخصيات

ويرتكن العمل إلى فكرة راسخة في أفلام الخيال الغربية عن عودة المخلص الذي يأتي ليحرّر المظلومين وينير لهم طريق الخروج متجسّدة في شخصية “ضرغام” التي ينتظرها الحظرد ليحرّرهم من بطش إلياس (الفنان خالد كمال) الذي يتلذّذ بتذوّق الدم، ويستعبد قومه ويمنع عنهم حتى الأمل في غد أفضل.

حمل السيناريو تنافرا على مستوى اللغة، بالجمع بين العامية والفصحى واللهجات الخليجية واللبنانية والمصرية في مكان واحد دون مساعدة للمشاهد بكتابة الكلمات على الشاشة، بجانب أخطاء ظاهرة في استخدام الفصحى لا تتماشى مع قبائل يفترض أنها كانت تعيش قبل 1500 عام في شبه الجزيرة العربية نبع اللغة.

ورغم قصر حلقات العمل في سباعية فقط لم يخل من الملل بداية من الحلقة الثانية خاصة في محاولة التعريف بطبيعة العالم الآخر الذي تحتجز فيه الأبطال، والخوض في أحاديث عن الطبيعة ومخاطر اختلالها لمجرد الإطالة، مع أن تصويره استمر لمدة عام كامل وتعرض للتوقف عدة مرات بسبب أزمة كورونا، إلى جانب ارتباط بعض الفنانين بأعمال أخرى، ما كان يمنحه فرصة للخروج بشكل متكامل.

كما اعتمد العمل على عنصر الصدفة كثيرا لتحريك الأحداث، ففي بداية الرحلة كان هناك خمسة أشخاص، تم احتجاز أربعة بينما ظل الخامس طليقا بعدما تأخّر للحظات لربط حذائه، حتى يكون وسيلة إبلاغ العالم الخارجي بمكان فقدانهم.

ويمثل مسلسل “وادي الجن” تجربة جيدة، بصرف النظر عن نواقصها لدخول عالم الأعمال المعتمدة على المؤشرات والتنقيب في التراث القديم الخفي وإظهاره، وفتح الفرصة أمام الممثلين الشباب للعب أدوار بطولة لن تسمح لهم الأعمال التقليدية المعروضة عبر الفضائيات بالوصول إليها مهما اجتهدوا.

14