هيئة الاتصال المغربية تنتصر لحرية الإبداع في مسلسلات رمضان

المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري يؤكد أن حرية الإبداع الفني مضمونة دستوريا.
الاثنين 2021/05/03
بنات العساس أزعجن الممرضات

الرباط - تتعرض مجموعة من الأعمال الدرامية بالقنوات التلفزيونية المغربية لانتقادات واحتجاجات من قبل شرائح اجتماعية متعددة، ودعوات لوقفها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل بعضها إلى أروقة المحاكم.

وقالت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الأحد إنها “تتلقى وبشكل متواتر شكاوى يتقدم بها أفراد أو جمعيات أو تنظيمات مهنية للاحتجاج على تضمن بعض الأعمال المعروضة على القنوات التلفزيونية الوطنية، لمشاهد وحوارات تعتبرها ماسة بمهن معينة ومسيئة لمنتسبيها”.

وعبر العديد من الفنانين والكتاب والنقاد عبر الصحف والمواقع الإلكترونية، أن الهجوم الذي تعرضت له الأعمال الدرامية في رمضان الحالي، يعبّر عن تراجع الذوق الفني لدى شريحة كبيرة من المشاهدين.

والمفارقة أن هذه الأعمال التي يتم انتقادها تسجل نسبة متابعة عالية ومنها مسلسل “بنات العساس” للمخرج إدريس الروخ، الذي يعرض بالقناة الأولى، وسيتكوم “كلنا مغاربة” بالقناة الثانية، وسيتكوم “قهوة نص نص” بالقناة الأولى.

وعلق الإعلامي والكاتب المسرحي المغربي الطاهر الطويل على محاكمة أحد المسلسلات بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة في تدوينة على فيسبوك، قال فيها “لعل من مكر الأحداث أن تصادف جلسة محاكمة سلسلة تلفزيونية مغربية، الاثنين 3 مايو، تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة”.

الطاهر الطويل: بينما يحتفل العالم بحرية الرأي هناك من يريد تكميم الأفواه
الطاهر الطويل: بينما يحتفل العالم بحرية الرأي هناك من يريد تكميم الأفواه

وتابع “إنها رسالة خطيرة جدا، ينبغي التوقف عندها. فبينما يحتفل أحرار العالم، وضمنهم المغاربة المتنورون، بحرية الرأي والتعبير وحرية الإبداع، هناك من يريد تكميم الأفواه، بدعوى الإساءة إلى حرمة مهنته”.

ووجهت الكاتبة العامة للجامعة الوطنية لمستقبل السككيين (العاملين في الخطوط الحديدة)، رسالة احتجاج إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، من أجل التدخل العاجل لرفع الضرر الذي لحق السككيين، من سيتكوم “كلنا مغاربة” الذي يبث يوميا بعد موعد الإفطار على القناة الثانية.

كما دخلت الممرضات على خط الاحتجاجات المتواصلة ضد بعض الأعمال التلفزيونية الرمضانية، من خلال حملة أطلقنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبرن من خلالها عن غضبهن الشديد من الطريقة “الحاطة” التي قدمت بها الممرضة في مسلسل “بنات العساس”، حسب وصفهن.

وتداولت عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ بعنوان المسلسل مرفقا بهاشتاغ “ممرضة وأفتخر” مع رسالة موجهة إلى مخرج المسلسل إدريس الروخ، مما جاء فيها “أن تكون ممرضا هو مدعاة للفخر والاعتزاز وليس مدعاة للخجل والخزي”.

ونوهت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أنه خلال شهر رمضان، يُسجل ارتفاع ملحوظ في هذا النوع من الشكاوى نظرا إلى البرمجة المكثفة للأعمال من إنتاج وطني (مسلسلات، سيتكومات وسلسلات فكاهية) وتزايد الإقبال على متابعتها.

وأعلنت الهيئة أنه بعد دراسة هذه الشكاوى والتداول بشأنها والبت فيها، قرر المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري التأكيد على عدة نقاط، منها أن حرية الإبداع الفني كما هي مضمونة دستوريا، لاسيما في الأعمال التخييلية، جزء لا يتجزأ من حرية الاتصال السمعي البصري كما كرسها القانون المتعلق بإعادة تنظيم الهيئة العليا، إذ لا يمكن للعمل التخييلي أن يحقق وجوده ويكتسب قيمته دون حرية في كتابة السيناريو، وفي تشخيص الوضعيات والمواقف، وفي تحديد الأدوار وتمثل الشخصيات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعمل هزلي أو فكاهي.

وأضافت أن التمثيل النقدي لمهنة معينة في عمل فني سمعي بصري لا يشكل قذفا، كما هو معرف قانونا ولا قصد إساءة، بل هو مرتبط بحق صاحب العمل في اعتماد اختيارات فنية معينة، كما أن المطالبة بتوظيف الأعمال التخييلية لشخصيات/نماذج تجسد حصرا الاستقامة والنزاهة في تقمصها لأدوار منتسبة لمهن معنية، ليس مسا بحرية الإبداع فحسب، بل أيضا تجاهلا لدور ومسؤولية الإعلام لاسيما العمومي، في ممارسة النقد الاجتماعي ومعالجة بعض السلوكيات والظواهر المستهجنة.

وأكدت أن مطالبة البعض من هذه الشكاوى للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بإعمال الرقابة القبلية تجاه الأعمال التخييلية أو بالتدخل البعدي لوقف بثها، يحيل إلى تمثل غير دقيق لمفهوم تقنين المضامين الإعلامية ودور الهيئة كمؤسسة، إذ أن المشرع يضمن للإذاعات والقنوات التلفزيونية العمومية والخاصة إعداد وبث برامجها بكل حرية، والهيئة العليا مؤتمنة على السهر على احترام هذه الحرية وحمايتها كمبدأ أساسي، مع الحرص على احترام كل المضامين سواء كانت تخييلية أو إخبارية أو غيرهما، للحقوق الإنسانية الأساسية، على غرار عدم المس بالكرامة الإنسانية، واحترام مبدأ قرينة البراءة، وعدم التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، وعدم التمييز ضد المرأة أو الحط من كرامتها، وعدم تعريض الطفل والجمهور الناشئ لمضامين تنطوي على مخاطر جسدية، نفسية أو ذهنية، وعدم التحريض على سلوكات مضرة بالصحة وبسلامة الأشخاص.

من جهتها، أصدرت “النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية” مساء الجمعة، بيانا تندد فيه بالتحريض ضد الإبداع وتقليص مجال الإبداع في الدراما التلفزيونية بالمغرب.

وعبرت عن استغرابها وقلقها من ردود الفعل المفاجئة، وغير المستساغة إزاء بعض إنتاجات الدراما التلفزيونية الرمضانية لهذه السنة، والتي رأت فيها بعض الفئات المهنية مسا بها.

وأضاف البيان أن انتقاد مضامين وأشكال الأعمال الفنية من طرف الجمهور العريض والنقاد ومختلف الشرائح الاجتماعية “حق مكفول ومشروع، بل مطلوب استثماره لتنمية وتطوير إنتاجنا الوطني والرقي به”.

وأشار إلى أن هذا الحق مكفول قانونيا ودستوريا بموجب الفصل 25 من الدستور المغربي، ويكفل للجهور النقد وحرية التقييم، بل حتى الرفض من الناحية الفنية، ولكن دون التضييق على حرية الإبداع أو المس بها كحق إنساني.

18