هوى الطيران ومفارقات السفر

في أسواق العمل العربية، حيث تتضاءل الأجور، تعلو كلفة سفر العامل إلى موطنه كلما أتيحت له الإجازة لكي يرى أسرته. ساعة الطيران الواحدة، تتكلف في هذه الحال، سعر خمس تذاكر يقتنصها ميسورو الحال في أوروبا والمقيمون فيها.
الأحد 2020/01/05
للطائرات غوايتها لواسعي الترحال والسفر.

نقلت وكالة “بي.بي.سي” البريطانية من العاصمة النيجيرية “أبوجا” صورَ وقصة البيت الذي ابتناه مهاجر لبناني لزوجته اللبنانية المدللة، على شكل طائرة، لكي يُهدئ قليلاً من جموحها إلى السفر، ويحقق لها إشباعاً نفسياً بديلاً، يُبقيها إلى جانبه. وأغلب الظن، أنه بذل كُلفة بناء الطائرة الحجرية الكبيرة، لكي يضمن مقعداً واحداً فيها، يضمه مع زوجته في الدرجة السياحية، فتغفو على كتفه إن غفت، وتتحبب إليه في وقت الصحو، وبالنتيجة لا تفارقه.

في الحقيقة، وليس دفاعاً عن الزوجة، إن للطائرات غوايتها لواسعي الترحال والسفر. ولهؤلاء، فيما يعشقون من الطائرات والخطوط، ميول ومذاهب، فتراهم يركزون على نوع الطائرة أو طرازها ومنشئها، ويعرفون أي الشركات التي تُرهق المسافرين، بضغط مساحات “الكابئن” بالمزيد من الصفوف، وتضيّق المسافات بين المقاعد. ويعرفون بالتالي على أي الخطوط يتعجلون الوصول أو لا يتعجلون. بل إن أكثر الشركات التي تضغط مادياً، هي الحكومية التي يكون السفر معها أعلى كُلفة، أما الشركات الخاصة، التي تبيع وجبات خفيفة ومرطبات أثناء الرحلة؛ فإن السفر معها يتحقق بثمن زهيد. فهي تعتمد نظام حجز “أون لاين” يتيح للركاب اقتناص تذاكر سفرهم مبكراً!

في هذا السياق، ترتسم بعض المفارقات الجديرة بالتأمل أو الرثاء. من بينها أن في أسواق العمل العربية، حيث تتضاءل الأجور، تعلو كلفة سفر العامل إلى موطنه كلما أتيحت له الإجازة لكي يرى أسرته. ساعة الطيران الواحدة، تتكلف في هذه الحال، سعر خمس تذاكر يقتنصها ميسورو الحال في أوروبا والمقيمون فيها، لسفر ذي أربع أو خمس ساعات طيران. ولعل من بين تجليات الخيبة، أن خطوط الشركات الصارمة، تخسر على بعض الخطوط الأوروبية، وتربح كثيراً على خطوط سفر العمال الفقراء. فقبل عامين، سافر ابني سعيد، وهو قناص تذاكر، من دبلن إلى أوسلو، بستين يورو ذهاباً وإياباً لنحو ثلاث ساعات في الذهاب ومثلها في الإياب. بينما يدفع عامل المطعم الذي يطير ساعة واحدة إلى بلاده القريبة، أربعة أو خمسة أضعاف المبلغ. وقبل أيام، في زحام عطلة نصف السنة، سافر من غربي أيرلندا إلى لندن في جنوب شرقي إنجلترا، وزمن الرحلة ساعة وربع الساعة، بـ 17 يورو!

الأغرب من أن يبني سعيد اللبناني، لزوجته المدللة ليزا، بيتاً على شكل طائرة، في “أبوجا”؛ هو سفر ابني سعيد مدة الطيران نفسها، بأقل خمس مرات من ثمن تذكرة سفر، من عمان إلى القاهرة، اِنتُزع من جيب عبدالمقصود، عامل المطعم أو عامل البناء، لكي يرى أسرته!

24