هون تحتفل باليوبيل الفضي لمهرجان الخريف بتنويعات فنية مختلفة

تحت شعار “خريفنا ينشد سلاما للوطن” تنطلق الخميس فعاليات النسخة الخامسة والعشرين من مهرجان الخريف السياحي بمدينة هون الليبية، متضمنة برنامجا حافلا بالعروض الفنية والتراثية والمسابقات الثقافية والرياضية، كما تشهد هذه الفعاليات مشاركة واسعة من مختلف المناطق الليبية.
تحتفل عروس الواحات الليبية مدينة هون باليوبيل الفضي لمهرجان الخريف السياحي مع تدشينها دورتها الخامسة والعشرين التي تنتظم في الفترة الممتدة بين الثامن والعشرين والحادي والثلاثين من أكتوبر الجاري، تحت شعار “خريفنا ينشد سلاما للوطن”.
ويأتي شعار المهرجان انسجاما مع روح الأمل والتفاؤل التي تدبّ في قلوب الليبيين بظهور بوادر الحل السياسي والاتجاه نحو انتخابات برلمانية ورئاسية تفتح على أفق السلام والوئام بعد سنوات من التطاحن والاحتراب الأهلي.
ورغم احتدام الأزمة الليبية منذ عام 2011 حافظ مهرجان الخريف السياحي بهون على موعده السنوي مع جمهوره وضيوفه، حيث ينتظم سنويا في أواخر شهر أكتوبر بالتزامن مع اعتدال الطقس في مناطق الجنوب وبدء موسم جني التمور في أجواء احتفالية بمختلف الواحات الليبية.
بين السياحة والثقافة
العقد تُطلق في ليبيا على مجموعة من الفرسان الذين يكونون على صهوات خيولهم في وحدة متناسقة في اللباس والحركة
منذ تأسيس المهرجان في عام 1996 استطاع منظموه المحافظة على دورته السنوية والرفع من مستوى التنظيم والبرمجة وتنفيذ الفقرات وتنويعها بما يجعل منه مهرجانا دوليا، برؤية متقدّمة في تقديم خصوصيات منطقة الجفرة وعاصمتها مدينة هون.
وتتضمّن الدورة الجديدة برنامجا حافلا بالعروض الفنية والتراثية والمسابقات الثقافية والرياضية، كما تشهد هذه الدورة مشاركة واسعة من مختلف المناطق الليبية، على أن يتميّز حفل الافتتاح باستعراض الفرق الفولكلورية التي ستقدّم رقصات شعبية وعددا من الألعاب التقليدية المعروفة في منطقة الجفرة خاصة وإقليم فزان عامة، يليها عرض للابتكارات في المقتنيات التقليدية وقصائد شعرية، قبل الانتقال إلى الفقرة الرئيسية، وهي مغناة من تأليف الدكتورة خديجة محمد السنوسي العطشان وألحان الفنان عبدالقادر الدبري وأداء نخبة من الأصوات المعروفة في مقدّمتها المطرب خالد الزواوي الذي يعتبر أحد أهم الأصوات الغنائية في ليبيا، وكان له حضور متميز في ملحمة “الواحة” التي سبق أن خصّصها الفنان الراحل محمد حسن والشاعر عبدالله منصور لتوثيق التراث الموسيقي والغنائي لمنطقة الجفرة ومدنها ومنها هون.
وفي شارع النخلة وسط هون سيكون جمهور المهرجان وزائروه من مختلف أرجاء ليبيا مع معارض فنية مختلفة للفنون التشكيلية كالرسم والنحت وكذلك مع سوق التمور ومعرض السعفة، وهو مخصّص للصناعات الحرفية التقليدية المعتمدة على مشتقات النخيل والتي تنتشر في منطقة الجفرة وفي عدد من مناطق ليبيا الأخرى مثل تاورغاء شمالا وغدامس غربا.
كما سيكون لعشاق الفروسية التي تعتبر الرياضة الشعبية الأبرز في ليبيا نصيب من اللوحات التي ستنطلق في اليوم الثاني للمهرجان بعروض الميز الشعبي والمسابقات بمشاركة فرق الفرسان من مختلف مناطق البلاد، ولاسيما بعد أن انتهى عقد شهداء قارة عافية بهون من صيانة وتجهيز المضمار الخاص وتوفير كافة التجهيزات المناسبة.
وتطلق صفة العقد في ليبيا على مجموعة من الفرسان الذين يكونون على صهوات خيولهم في وحدة متكاملة ومتناسقة سواء في اللباس أو الحركة أو التنظيم.
ويتضمن برنامج المهرجان كذلك فقرة ثابتة تجسّد الحياة اليومية في إحدى المزارع بضواحي المدينة، وعرضا للمقتنيات التقليدية في “دار بركوس”، وهو فضاء خاص فتحه صاحبه للمشاركة في تأمين التظاهرة.
كما ينتظم ملتقى الخريف الثقافي الذي أسّسه الشاعر الراحل السنوسي حبيب عام 2004 ليجمع الكتاب والأدباء والشعراء في رحلة مع الإبداع والحوار النقدي ورصد مستجدات الحياة الأدبية في البلاد.
ويعتبر ملتقى شباب الخريف إحدى أبرز فعاليات المهرجان، حيث يتمّ تدارس أوضاع الشباب وتطلعاتهم وطموحاتهم من خلال محاور يتم إعدادها سلفا ويشارك في مناقشتها أكاديميون متخصّصون ومسؤولون محليون.
أما رالي خريف هون فستنطلق فعالياته في اليوم الثالث للمهرجان ويتضمن تحديات ومسابقات للسيارات بين الكثبان الرملية في أجواء تنافسية منعشة، كما ستكون للأطفال برامج متنوّعة وعروض رياضية وثقافية متعدّدة تركّز على بث قيم المحبة والسلام في نفوس الأجيال الصاعدة.
ويتضمن برنامج المهرجان عروضا للأزياء التقليدية للكبار والصغار، وعروضا مسرحية وسينمائية وموسيقية، ولقاءات شعرية وأدبية، بمشاركة أبناء هون والجفرة والضيوف القادمين من مختلف أرجاء ليبيا، مع أسواق مفتوحة للتمور والصناعات الحرفية التي تشتهر بها هون ومنها منتجات النخلة (من السعفيات والألياف)، ومشغولات الفضة، والصناعات الفخارية والجلدية والصوفية والحريرية والحديدية وغيرها.
واستعدادا للمهرجان انطلق عدد من الفنانين التشكيليين في إنجاز جداريات في شوارع المدينة تتحدّث عن السلام والمحبة والمصالحة بين الليبيين، وتوثّق للموروث المشترك والقيم التي تربط مناطق البلاد.
ويتميّز المهرجان بحوار عميق من خلال الروح والفكر والذاكرة مع خصوصيات الأماكن التي ترتبط بالحياة، حيث لا تتوقف قلوب أهلها عن الحب والأمل والإبحار في الجمال، ولا تنضب فيها عيون الخصوبة، ولا تأفل نجوم الإبداع، وهي تلك التي تعرف كيف تقاوم الحزن والألم وتنتصر على الموت، وتُعيد مع صباح كل يوم جديد عزف سيمفونية التحدي بأحلام الأطفال وزغاريد الأمهات وحكمة الشيوخ والعجائز وبعزائم الرجال والنساء.
مدينة الشعراء
تعتبر هون حبيبة الشعراء ممّن دوّنوا المئات من القصائد في وصف محاسنها والتغني بمفاتنها والوقوف عند مكامن السحر والجمال فيها، وآخر تلك القصائد ما جادت به قريحة الشاعر الليبي عمر عبدالدائم التي يقول فيها “جاءَ الخريفُ يُغنِّي والهوى هُونُ/ والنّخلُ يرقصُ فيها والعراجينُ/ والقلبُ واللهفةُ الكبرى تُسابِقُهُ/ في عِشقها اليومَ مفتونٌ ومجنونٌ/ يا دُرّةَ “الجُفرة” الأبهى وواسطة الـعِقدِ الفريدِ إذا تاهتْ عناوينُ/ كُلُّ الزَّمانِ ربيعٌ حينَ يجمعُنا/ في حضنِكِ الوطنُ المجروحُ محضونُ/ وخطوُ ذاكَ “السنوسيِّ الحبيبِ” هنا/ وقبرُهُ بالنّدى والشِّعرِ مسكونُ/ فكم وهبتِ لهذي الأرضِ أوسمة/ من العقول وكم صُفَّتْ نياشِينُ/ تظلُّ ذكراهمُ في القلب خالدةً/ ما عطّرَ النّدُّ أو فاحتْ رياحينُ/ ويبقى هذا اللقاءُ الحلمُ مأثرة/ ومهرجانُكِ تحييه الملايين”.
وتقع مدينة هون في جنوب شرق العاصمة طرابلس وتبعد عنها بمسافة 541 كلم، وهي تابعة تاريخيا لإقليم فزان، وتعتبر عاصمة إقليم الجفرة، وجاء في كتاب معجم البلدان الليبية للشيخ الطاهر الزاوي أن “هون واحة كبيرة وعند أهلها شيء من رفاهة العيش، لهم مهارة في دبغ الجلود وتطريزها بالحرير، بها زراعة محلية تسقى بالقواديس”، ويضيف عن اسمها “جاءنا من بني الهون وهي قبيلة عربية تنتمي إلى الهون بن خزيمة بن مدركة”.
المهرجان يتضمن تشكيلة متنوعة من العروض الفلكلورية والموسيقية للكبار والصغار
كما ورد ذكر المدينة في كتاب المؤرّخ جاك تيري “تاريخ الصحراء الليبية في العصور الوسطى”، وقال أبو عبيد البكري في كتابه “المسالك والممالك” الذي ألفه في القرن الحادي عشر ميلاديًّا “(هول) (هُـل) مدينة سكانها كثيرون ولها مساحات شاسعة من النخيل وعيون ماء عديدة”. ويحدّد البكري موقع هذه الواحة على مسافة يوم من ودان غربا، وهو تقدير صحيح (25 كم)، وعلى مسافة خمسة أيام من سبها شمالا، وهو ما يتطلب سرعة كبيرة في التفكير في عبور جبال الهروج السوداء”.
وقد احتضنت هون العديد من العلماء والفقهاء البارزين أمثال الشيخ محمد محمود الشنقيطي والشيخ محمد الأمين السوقي والفقيه العلامة عبدالرحمن الخازمي والشيخ عمران بن بركة وشهير زمانه الشيخ الكانمي والمجاهد الشيخ أحمد الشريف، وأنجبت العشرات من الأعلام البارزين في مجالات الفقه والعلوم والشعر والأدب والإعلام وغيرها.