هواجس البيئة تلبد أجواء إدراج أرامكو بالغموض

اتساع موجة ابتعاد المستثمرين عن الوقود الأحفوري لأسباب بيئية واجتماعية، وأرامكو سيتعين عليها أن تشرح للمساهمين المحتملين كيف تنوي تحقيق الربح في عالم يسعى لتقليل الانبعاثات.
الأربعاء 2019/08/21
مخاطر البيئة تشوش خطط أرامكو

لا يستبعد محللون أن تتحول أكبر أصول شركة أرامكو وهي احتياطات النفط الكبيرة، التي تمكنها من مواصلة الإنتاج لخمسين عاما إلى عبء ثقيل، في ظل تصاعد الهواجس البيئية والحملات العالمية المطالبة بالتخلي عن الوقود الأحفوري.

لندن - مرت ثلاث سنوات على اقترح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إدراج أسهم أرامكو في أسواق المال العالمية، التي تغيرت خارطتها منذ ذلك الحين وأصبح بعض المستثمرين يحاولون الابتعاد عن قطاع النفط والغاز بسبب التغير المناخي والتكنولوجيات الجديدة الصديقة للبيئة.

وتشير بعض التقديرات إلى أن الاستثمارات المستدامة أصبحت تمثل أكثر من ربع جميع الأصول المتداولة في الأسواق على المستوى عالمي.

وتصر أرامكو على أن النفط والغاز سيظلان محورا أساسيا في مزيج الطاقة لعشرات السنين.

وتؤكد أن مصادر الطاقة المتجددة والنووية لا يمكن أن تلبي الطلب العالمي المتزايد وأن إنتاجها من النفط يطلق قدرا أقل من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مقارنة بمنافسيها.

وبالتزامن مع تجدد سعي الشركة لطرح أسهما، يقول بعض المستثمرين والمحامين إن فرصة تنفيذه بسعر مغر، بدأت تتقلص وأن أرامكو سيتعين عليها أن تشرح للمساهمين المحتملين كيف تنوي تحقيق الربح في عالم يسعى لتقليل الانبعاثات الكربونية.

2050 موعد حددته بعض الدول لخفض الانبعاثات للصفر يهدد مستقبل الوقود الاحفوري

وترى ناتاشا لاندل ميلز مسؤولة دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية في الاستثمار بشركة ساراسين لإدارة الأصول في لندن أن “أرامكو اختبار مهم فعلا لما إذا كانت السوق تعمل بجدية على أخذ مخاطر البيئة في اعتبارات التسعير”.

وأضافت “كلما تأخر الطرح قلت رغبة السوق في تقبل تقييم مرتفع لأن أسئلة المستثمرين ستزداد تدريجيا عن مدى قيمة الاحتياطيات في عالم يحاول تقليل الانبعاثات إلى الصفر الصافي بحلول 2050”.

وقال نيك أودونيل الشريك في إدارة الشركات بشركة بيكر ماكينزي للاستشارات القانونية إن «الشركات بحاجة لتقديم الإجابات في النشرة وليس مجرد نشر فقرتين أو ثلاث فقرات تصف فيها المخاطر المحتملة من جراء المشاكل البيئية".

وأضاف أن "أي شركة للنفط والغاز تحتاج للتفكير في الكيفية التي ستفسر بها الأمور على مدى السنوات العشرين المقبلة بدل إخفائها في طيات النشرة ويتعين عليها أن تستخدمها كوسيلة للبيع".

وأشار إلى أنه يتعين على أرامكو "بعد استكمال الطرح العام الأولي أن تضع في كل تقرير سنوي قسما منفصلا للاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة".

وكانت وكالة رويترز قد ذكرت أن الأمير محمد يصر على تقدير قيمة الشركة بمبلغ تريليوني دولار، رغم أن بعض المصرفيين يقولون إن على السعودية خفض القيمة المستهدفة إلى 1.5 تريليون دولار.

ناتاشا لاندل ميلز: طرح أرامكو اختبار لجدية تعامل الأسواق مع مخاطر البيئة
ناتاشا لاندل ميلز: طرح أرامكو اختبار لجدية تعامل الأسواق مع مخاطر البيئة

ومن المحتمل أن يعوق فارق التقييم أي عملية بيع للأسهم. وسبق أن تحدد للطرح أن يتم في 2017 أو 2018 ثم تغير الموعد إلى 2020-2021 عندما فات الموعد الأول. وتؤكد أرامكو الآن أنها جاهزة للطرح الأولي وأن التوقيت ستقرره الحكومة.

وتحاول أرامكو التأقلم مع التحولات بالاستثمار في أبحاث لصناعة سيارات أكثر كفاءة وتعمل على تحويل المزيد من النفط إلى الكيماويات، إضافة إلى تجميع ثاني أكسيد الكربون لإعادة ضخه في المكامن النفطية لتحسين معدلات استخراج النفط.

ويعتقد البعض أن ذلك لا يكفي في ظل تزايد المستثمرين، الذين يأخذون الاعتبارات البيئية والاجتماعية في الحسبان عند اتخاذ القرارات. وهناك من ابتعد نهائيا لأسباب مبدئية عن قطاع الوقود الأحفوري بالكامل.

وهناك مستثمرون على استعداد للشراء إذا كان السعر رخيصا بما يكفي لترجيح كفة الاستثمار على كفة الاعتبارات البيئية والاجتماعية خاصة أن شركات النفط توزع في كثير من الأحيان أرباحا وفيرة على المساهمين.

إذا ما تحددت قيمة الشركة بواقع 1.5 تريليون دولار فستصبح أرامكو أكبر شركة مدرجة في العالم. وإذا ما أدرجت في مؤشرات أسهم رئيسية فستشتريها تلقائيا صناديق الاستثمار السلبية التي تتعقب حركة المؤشرات بغض النظر عن مصداقيتها فيما يتعلق بالاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة.

وبما أن أرامكو أكبر شركات العالم من حيث حجم الأرباح فسوف يتخاطف أسهمها كثير من المستثمرين النشطين.

وقد تجددت المحادثات بشأن بيع الأسهم هذا العام بعد أن اجتذبت أرامكو إقبالا هائلا من المستثمرين على أول إصدار دولي لها من السندات، رغم أنها قالت في نشرة الإصدار إن من المحتمل أن يكون للتغير المناخي أثر مادي سلبي على نشاطها.

ولا تنشر أرامكو عادة تقارير مفصلة عن كيفية تناول الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة مثل الممارسات العمالية، كما أنها لا تنشر شيئا عن الانبعاثات الكربونية من المنتجات التي تبيعها.

وكانت أرامكو تتكتم على المسائل المالية حتى إصدار السندات هذا العام حين كشفت نتائج لأول مرة. ويحتاج المستثمرون في أي طرح عام، المزيد من المعلومات عن المخاطر المحتملة وخطط التعامل معها.

أرامكو

لكن الشركة لديها إدارة لحماية البيئة وترعى مبادرات هدفها الاستدامة كما أنها عضو مؤسس في مبادرة النفط والغاز المناخية التي تقودها 13 من كبرى شركات الطاقة وتهدف إلى خفض
الانبعاثات.

وفي 12 أغسطس نشرت أرامكو معلومات عن تأثير مزيجها من إنتاج النفط والغاز للمرة الأولى وكشفت عن حجم غازات الاحتباس الحراري من كل برميل تنتجه.

وقال خالد الدباغ النائب الأعلى للرئيس للمالية والاستراتيجية والتطوير في أرامكو إن انبعاثات الشركة الكربونية من عمليات “المنبع” في الاستكشاف والإنتاج هي الأقل بين نظيراتها من الشركات.

وتوصلت دراسة نشرتها مجلة ساينس العلمية العام الماضي إلى أن الانبعاثات من إنتاج النفط السعودي هي ثاني أقل مستوياتها في العالم بعد الدنمرك. وتقول أرامكو إنها عازمة على تلبية الطلب العالمي المتنامي على وقود أنقى كثيرا.

وتضيف أن “البدائل لا تزال تواجه عقبات كبيرة وأن تاريخ النقلات النوعية في التطورات التكنولوجية والاقتصادية والبنية التحتية تستغرق وقتا”، وأنها تعمل لتنويع نشاطها في الغاز والكيماويات وتستخدم الطاقة المتجددة في منشآتها.

وقد حققت الشركة ربحا صافيا قدره 111 مليار دولار العام الماضي أي بما يزيد على الثلث على الأرباح المجمعة لشركات النفط الخمس العملاقة اكسون موبيل ورويال داتش شل وبي.بي وشيفرون وتوتال.

أرامكو

وانخفضت أرباح أرامكو في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 12 في المئة لأسباب على رأسها انخفاض أسعار النفط.

ويعاني قطاع النفط والغاز من أثر المخاوف على الطلب المستقبلي على الوقود الأحفوري، الذي انعكس في تراجع وزن شركات النفط في مؤشرات الأسهم العالمية، في وقت يجري فيه تداول الصناديق التي تستثمر في الطاقة المتجددة بواحدة من أعلى العلاوات مقارنة بصافي قيمة الأصول.

وتظهر نشرة غلوبل سوستينابل انفستمنت أن حجم الاستثمارات المستدامة العالمية بلغ 30.1 تريليون دولار في أسواق العالم الرئيسية الخمس في نهاية 2018، أي أكثر من ربع الأصول المدارة عالميا، بعد أن كانت تبلغ 22.8 تريليون دولار في 2016.

وتعرضت كبرى شركات النفط والغاز المدرجة في البورصات العالمية لضغوط شديدة من مستثمرين وجماعات مدافعة عن المناخ في السنوات الأخيرة لتوضيح استراتيجياتها الرامية إلى تقليص حجم بصمتها الكربونية.

واتفقت شركات شل وبي.بي مع المساهمين على أهداف لخفض الانبعاثات وزيادة الإنفاق على موارد الطاقة المتجددة، في حين قاومت اكسون موبيل أكبر شركة مدرجة في البورصات في مجال النفط والغاز تبني أهداف مماثلة.

أرامكو

واستبعدت شركة أل.جي.آي.أم أكبر شركة في بريطانيا لإدارة الأصول شركة إكسون من صناديقها المسماة «فيوتشر وورلد» أي عالم المستقبل، والتي تبلغ قيمة أصولها نحو 6.3 مليار دولار، بسبب ما وصفته بالتقاعس عن التصدي للتهديدات التي يفرضها التغير
المناخي.

وأشار جوزيف دي فرجيليو مدير محافظ الأسهم العالمية لدى شركة رومولوس لإدارة الأصول، والتي تدير استثمارات قيمتها 900 مليون دولار، إلى أن الطرح العام الأولي لأسهم أرامكو كان يمكن أن يحقق انطلاقة أفضل قبل خمس أو عشر سنوات قبل تزايد تركيز المستثمرين على الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة.

وقالت شركة ساراسين في يوليو إنها باعت ما يقرب من 20 بالمئة مما بحوزتها من أسهم شل لأن خططها للإنفاق لا تتفق مع الأهداف الدولية لمكافحة التغير المناخي. وأوضحت أنها تدرس مصير الأسهم المتبقية.

وأكدت لاندل ميلز أن من المستبعد أن تستثمر ساراسين في أي طرح عام أولي لشركة أرامكو.

11