هواء ملوث أكثر يساوي أمراضا نفسية أخطر

بحوث تؤكد أن التلوث سبب مباشر في تدهور الصحة النفسية وزيادة الاضطرابات ثنائية القطب والاكتئاب وغيرها.
الجمعة 2019/08/30
ضحايا الهواء الملوث في ارتفاع

تعدت تأثيرات تلوث الهواء مشكلات الجهاز التنفسي وبقية أعضاء الجسم إلى الصحة النفسية حيث كشفت دراسات حديثة أنه يؤدي إلى الإصابة بأكثر الأمراض النفسية تعقيدا مثل انفصام الشخصية وزيادة الاضطرابات ثنائية القطب والاكتئاب وغيرها، كما تبين أن سكان المدن الملوثة مهددون أيضا بالأمراض العصبية.

واشنطن – قال باحثون من الولايات المتحدة والدنمارك إن تلوث الهواء ربما كان له تأثير على انتشار الأمراض النفسية.

ورصد الباحثون، تحت إشراف أتيف خان وأندري رشيتسكي، من جامعة شيكاغو الأميركية، في مناطق تعاني من تردي جودة الهواء، زيادة الاضطرابات ثنائية القطب، أي النوبات التي تتقلب بين الاكتئاب والابتهاج المفرطين، وغيرها من الأمراض الأخرى، حسبما أوضح الباحثون في دراستهم التي نشرت نتائجها الثلاثاء في مجلة “بلوس بايولوجي” المتخصصة.

واعتمد الباحثون في دراستهم على بيانات شركات تأمين صحي شملت 151 مليون شخص، ركزوا فيها على مدى انتشار الإصابة بأربعة أمراض نفسية، وهي الاضطراب ثنائي القطبية والاكتئاب الحاد واضطراب الشخصية وانفصام الشخصية، إضافة إلى مرضي الصرع والشلل الرعاش.

وقال خان في بيان صادر عن جامعته “يبدو أن هذه الأمراض العصبية والنفسية، المكلفة ماليا واجتماعيا، ذات علاقة بالوسط النفسي، خاصة بجودة الهواء”.وقارن الباحثون البيانات الصحية بجودة الهواء في الأحياء التي يعيش فيها أصحاب هذه البيانات، معتمدين في بيانات الجو على بيانات هيئة البيئة الأميركية.

وخلص فريق البحث من خلال هذا التحليل إلى أن عدد المصابين بإحدى حالات الاكتئاب الحاد يرتفع بنسبة 6 في المئة بالمناطق ذات الهواء الأسوأ جودة، مقارنة بالمناطق ذات الهواء الأفضل.

بل إن خطر الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب ارتفع بنسبة 27 بالمئة في المناطق ذات الهواء الأسوأ. ثم حلل الباحثون في الجزء الثاني من الدراسة سجلا علاجيا وبيئيا في الدنمارك يضم أسماء 1.4 مليون شخص ولدوا في الدنمارك في الفترة بين عام 1979 وأواخر عام 2002. وتبين من خلال التحليل أن معدلات الإصابة بحالات الاكتئاب الحاد ارتفعت في المناطق ذات معدلات التلوث الأعلى للهواء، بنحو 50 في المئة، مقارنة بسكان المناطق الأفضل هواء.

خلص فريق البحث إلى أن الأمراض العصبية والنفسية، المكلفة ماليا واجتماعيا، ذات علاقة بالوسط النفسي، خاصة بجودة الهواء
خلص فريق البحث إلى أن الأمراض العصبية والنفسية، المكلفة ماليا واجتماعيا، ذات علاقة بالوسط النفسي، خاصة بجودة الهواء

كما تبين للباحثين ارتفاع أعداد حالات الإصابة بأمراض نفسية أخرى في الدنمارك، حيث ازداد خطر الإصابة باضطرابات الشخصية بنسبة 162 في المئة، وخطر الإصابة بانفصام الشخصية بنسبة 148 في المئة، في حين ارتفع خطر الإصابة بالاضطراب ثنائي القطبية بنسبة 24 في المئة، أي بنسبة مشابهة للارتفاع في الولايات المتحدة.

وفسر الباحثون الاختلاف في النتائج باختلاف البيانات التي تم تحليلها. وقالوا إنه من المحتمل أن هذا الاختلاف يعود إلى التحليل المقيد لتقديرات بيانات العوادم في الولايات المتحدة. كما لم يستبعد الباحثون أن تلعب تركيبة العوادم أو التنوع الجيني دورا في الاختلاف.

وفي تعليق له بمجلة “بلوس بايولوجي”، انتقد جون إيوانيديس، من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، ما سماه “مواطن قصور هائلة في الدراسة، وسلسلة طويلة من التشويهات”، وقال إن البيانات التي يتضمنها جزء الدراسة الخاصة بالولايات المتحدة جمعت في الفترة بين عامي 2000 و2005، في حين أن تشخيص الأمراض التي يعتقد أنها ناتجة عما تعكسه هذه البيانات، يعود إلى الفترة بين عامي 2003 و2013، مضيفا “هذه التحليلات وما تلاها من دراسات في هذا المجال ربما استفادت من بروتوكولات محددة بصرامة ودقة، سجلت قبل أن يتم تحليل البيانات”.

ورغم هذا الانتقاد فإن تيلو كيرشر من مستشفى ماربورج الجامعي للأمراض النفسية، اعتبر الدراسة مساهمة هامة في أبحاث الطب، وقال إنه يأمل أن تكون هذه الدراسة بداية لدراسات جديدة في هذا المجال.

ورأى الخبير الألماني أن قوة الدراسة تكمن في الحجم الهائل للبيانات التي اعتمد أصحاب الدراسة على تحليلها. ويرى كيرشر أن نتائج الدراسة منطقية، وإن أبدى في الوقت ذاته استغرابه لحقيقة أن تحليل البيانات الأميركية يظهر فقط وجود علاقة واضحة بين الاضطراب ثنائي القطبية وتلوث الهواء.

وأشار كيرشر إلى نتائج دراسات سابقة لتجارب على الحيوانات خلصت إلى أن الغبار والعوادم يمكن أن يتسببا في حدوث التهابات في المخ.

وفي نفس السياق قالت دراسة أميركية إن تأثير تلوث الهواء على الشخص المقيم في المدن يعادل تدخين علبة سجائر كل يوم لمدة 29 عاما. وأشارت الدراسة إلى أن تلوث الهواء لا يؤثر على الرئة فقط، لكنه يؤثر على باقي أعضاء الجسم أيضا.

ورصدت الدراسة مدى تعرض سبعة آلاف شخص بالغ يعيشون بمدن مختلفة بالولايات المتحدة لغاز الأوزون على مستوى الأرض. وكشفت نتائج تحليل مجمع لعشرين بحثا على مدار الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية أن الاضطرابات النفسية أكثر انتشارا بكثير بين سكان الحضر. وعلى وجه التحديد، يعاني سكان المدن من اضطرابات المزاج والقلق بمعدل أعلى بكثير.

 ومقارنة بمن يعيشون بالقرب من المياه نجد أنه كلما زادت مساحة ما يراه الناس من مياه بنسبة 10 في المئة، انخفضت درجتهم على مقياس كيسلر للتوتر النفسي بثلث نقطة. ويعتقد الباحثون أن “زيادة ما يراه المرء من الفضاء الأزرق بما يتراوح بين 20 و30 في المئة قد ينقله من مستوى توتر متوسط إلى المستوى الأدنى”.

وكانت دراسات سابقة قد أكدت نتائج اعتبرها مختصون مثيرة للاستغراب ذلك أن تلوث الهواء يؤثر كذلك على الذكاء حيث يحقق الطلاب نتائج سيئة في الامتحانات التي يخضعون لها في الأيام التي ترتفع فيها معدلات التلوث.

12